تقلبات الأسواق تدفع المستثمرين إلى التكهن بأسوأ الاحتمالات

الأزمة المالية العالمية أعادت النظر في طرق الاستثمار التقليدية

TT

ونان تعافيا طفيفا من أزمتها يوم الأربعاء الماضي، يظل احتمال العجز عن سداد الديون خطرا يحدق بها. وتستحث أزمة الدين في أوروبا، فضلا عن الكوارث الطبيعية والانتفاضات السياسية، المستثمرين الكبار والصغار على البحث عن استثمارات تعد بتأمين محافظهم الاستثمارية حال حدوث كارثة اقتصادية مروعة.

هل أنت قلق من احتمال عجز اليونان عن سداد ديونها؟ الحل يمكن أن يكون في ما يعرف بتمويل البجعة السوداء (اسم أطلق على الأحداث نادرة الحدوث وغير المتوقعة) لتحقيق ربح في حالة انهيار البورصة. هل تعتقد أن حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة أو الصين يمكن أن يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية؟.. ظهرت الآن أموال جديدة قابلة للتداول من أجل مساعدة المستثمرين في استعادة الثقة من جديد.

ومنذ حدوث الأزمة العالمية، استطاع كثير من المستثمرين تحقيق مكاسب من حالة الركود في الأسواق. غير أن الأحداث الأخيرة أدت ببعضهم إلى التكهن بأسوأ الاحتمالات. «العملاء أدركوا فجأة أن العالم ليس ورديا مثلما كان من قبل»، هذا ما قاله أحمد فتوح، مسؤول تنفيذي بأحد صناديق التحوط. وأضاف قائلا «حري بنا الآن أن نتخذ إجراءات وقائية تحوطية تحسبا لخطر انحراف قيمة الأصول لأكثر من 3 انحرافات معيارية عن سعرها الحالي». وهي إجراءات تحوطية ضد هذا النوع من المخاطر الذي تشير إليه «وول ستريت» - وهي كارثة يقدر احتمال حدوثها بأقل من نصف في المائة.

لقد أدرك المستثمرون أن هذا الخطر أحد أصعب المخاطر التي يمكن أن يواجهوها. وعلى مدار عقود، كان يتم الترويج لأسلوب تنويع الاستثمارات - ما بين أسهم وسندات وغيرها من أنواع الاستثمارات أخرى - باعتباره وسيلة لتأمين الاستثمارات ضد أي انهيار في البورصة. غير أن الأزمة المالية أثبتت أن الأصول التي تبدو غير مرتبطة ببعضها بعضا يمكن دمجها معا. نتيجة لذلك، يزداد عدد المستثمرين الراغبين في التأمين ضد تبعات ما بعد انتهاء الأزمة المالية.

يمكن ربط هذه الأموال والعروض، التي عادة ما تكون مكلفة ومعقدة، بالتأمين. فالمستثمرون يتكبدون خسائر فيها في الأوقات العادية، لكنهم يحققون مكاسب حال حدوث كارثة. وتدخل عشرات المليارات من الدولارات في إطار مثل تلك الاستثمارات، والتي تمثل نسبة صغيرة لكن متزايدة من إجمالي الاستثمارات في العالم، لا سيما بالنسبة لاستراتيجية ربما استهجنها كثير من المستثمرين منذ خمس سنوات مضت بوصفها مكلفة وغير ضرورية.

وقال تسيفي بودي، أستاذ المالية بكلية إدارة الأعمال بجامعة بوسطن «في السنوات العشر الأخيرة، شهدنا انهيارين في سوق الأوراق المالية، الأمر الذي قضى على أي مكاسب كان من الممكن أن تتحقق للمستثمرين خلال تلك الفترة، وكان بمثابة كارثة بالنسبة لهؤلاء الذين تعين عليهم سحب أموالهم لمواجهة النفقات الباهظة مع هبوط أسعار الأسهم في البورصة». وهذا، على حد قوله «جعل الجيل الحالي من المستثمرين أكثر وعيا بأن مثل هذه الاستثمارات محفوفة بالمخاطر حتى على مدار عقد أو أكثر».

ويقول محامو «وول ستريت» إن عملاء مديري الاستثمار قد تقدموا إليهم خلال الأشهر الأخيرة طالبين جمع رؤوس أموال جديدة كنوع من التحوط. وتقوم بنوك مثل «غولدمان ساكس» بتسويق أدوات مصممة خصيصا لتأمين المستثمرين ضد المخاطر. ويبلغ إجمالي قيمة المنتجات المالية المرتبطة بمؤشر يعرف باسم «مقياس المخاوف» نحو 2.5 مليار دولار. وفي العام الماضي، تضاعف حجم الأموال المدارة في حسابات موجهة لإدارة مخاطر انحراف قيمة الأصول أكثر من 3 انحرافات معيارية من قبل عملاق السندات «بيمكو» ليصل إلى 23 مليار دولار.

بدأ بواز وينشتاين، المتداول السابق ببنك «دويتشه بنك»، والذي خسر أكثر من مليار دولار من أمواله المودعة بالبنك خلال الأزمة المالية، في جمع أموال لإيداعها بصندوق تحوط نهاية العام الماضي. وقد زاد هذا المبلغ منذ ذلك الحين ليصل إلى 400 مليون دولار، معظمها أموال تأسيسية، جزء من مبلغ الـ3.3 مليار دولار الذي جمعه لإيداعه في صندوق التحوط.

وقال كوليسيديس «بعض المستثمرين يقولون بعد تغلبهم على تلك الخسائر: سأكون أسعد كثيرا لو لم يكن علي تكبد عناء إعادة استثمار 1 في المائة من استثمارات محفظتي الاستثمارية في التحوط ضد خطر انحراف قيمة الأصول لأكثر من ثلاثة انحرافات معيارية». ويضم المستثمرون أصحاب صناديق التقاعد الحكومية الكبرى. وقدمت جويل ميفي، مدير الاستثمار بصندوق تقاعد الموظفين الحكوميين في نيو مكسيكو مؤخرا بعض خيارات التحوط ضد مخاطر انحراف قيمة الأصول لأكثر من ثلاثة انحرافات معيارية لمجلس إدارة الصندوق. وقالت «في الوقت الذي لم أكن أميل فيه إلى تخصيص كم ضخم من الأصول هنا، فإنني أولي أهمية كبيرة لامتلاك هذا النوع من التأمين على الأموال».

غير أن التأمين لا يأتي زهيد التكلفة، وأحيانا ما لا يجدي نفعا. يقول البعض إن تلك الأموال عادة ما لا تعدو أن تكون مجرد آخر تقليعة روجت لها بورصة «وول ستريت»، وربما لا تكون ذات فاعلية، فمثل هذه الأشكال من التحوط مصممة للتأمين ضد آخر كارثة وقعت، لا ضد أي كارثة متوقع حدوثها في المستقبل.

وقال كين غرانت، رئيس ومؤسس شركة «ريسك ريسورس» لإدارة المخاطر والتأمين التجاري «أميل للاعتقاد أن الوسيلة المثلى لتقليل المخاطر هي سحب استثمارات من المحفظة، لا إضافة مزيد من الاستثمارات إليها». وعلى الرغم من أن مصطلحي صناديق التحوط ضد مخاطر انحراف قيمة الأصول عن 3 انحرافات معيارية وصناديق التحوط ضد أحداث البجعة السوداء عادة ما يستخدمان بشكل تبادلي، فإنهما مختلفان. فحالات انحراف قيمة الأصول على نحو يتجاوز 3 انحرافات معيارية، في الوقت الذي يمكن فيه تصورها، تعتبر بعيدة الاحتمال جدا قياسا على نموذج رياضي. وبالمقارنة، فإن أحداث البجعة السوداء - المفهوم الذي راج من خلال كتاب نسيم نيكولاس طالب الصادر عام 2007 والذي حمل عنوان «البجعة السوداء» - هي أحداث يصعب التكهن بنماذجها.

إذن، كيف تعمل مثل هذه الصناديق الخاصة بالتحوط ضد مخاطر الكوارث؟ تأمل كارثة مثل انهيار اقتصاد الصين، وهو الحدث الذي اعتبر بعيد الاحتمال تماما.. ففي الوقت الذي لا يمتلك فيه السواد الأعظم من المستثمرين الأميركيين أسهما أو عقارات أو عملة صينية، تنبع مخاوفهم من احتمال أن تعصف الأزمة التي ضربت الصين ببقية أرجاء العالم. ومع هبوط أسعار الأسهم في البورصات، يمكن أن تحقق صناديق التحوط ضد انحراف قيمة الأصول أو ضد أحداث البجعة السوداء أرباحا لأنها تمتلك عقود خيار تخول لها بيع أسهم بمؤشر الأسهم «ستاندر آند بورز 500» عند مستويات أعلى بكثير. وكلما هبط المؤشر، زادت قيمة عقود الخيار.

في شركة «يونيفرسال إنفستمنتس»، جمع مارك سبيتزناغيل، شريك سابق لطالب، مبلغا يزيد على 6 مليارات دولار لصندوق يترقب حدوث كارثة في السوق. في الوقت نفسه، يعترف بأن الصندوق يتكبد خسائر كل يوم تقريبا. ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أنه يشتري عقود خيار لبيع سهم معين في المستقبل مقابل سعر أقل من السعر المتداول به السهم في الوقت الراهن. وفي حالة عدم تحرك سعر السهم أو ارتفاعه، يكون عقد الخيار عديم القيمة ويتكبد خسائر. لكن إذا هبط سعر السهم، يمكنه أن يحقق أرباحا طائلة.

وينتقد سبيتزناغيل، أحد أكثر مديري الكوارث خبرة، هؤلاء الذين دخلوا المجال مؤخرا. فإدارة مثل هذه الأنواع من الاستثمارات تتطلب نوعا معينا من الأفراد، على حد قوله «أفراد لديهم القدرة على تقبل الخسائر بهدوء دون أن يفقدوا رباطة جأشهم». وقال «الأمر يتطلب شخصا على درجة من الحماس الشديد». واستطرد قائلا «سوف أقوم بعملية تداول، بعدها سأقول: هذه أفضل عملية تداول قمت بها في تاريخ حياتي المهني، لكنني واثق تماما من أنني سأتكبد خسائر».. «أفهم الثمن الذي يجب أن أدفعه، وأدرك أن هناك خسائر محدودة جدا مرتبطة بالأرباح التي أعلم أنني سأحققها في نهاية المطاف».

يجمع آخرون أموالا للرهان على تحقيق أرباح في أوقات الأزمات.. فقد جمعت شركة إدارة الاستثمارات «كابولا» مبلغا قيمته نحو ملياري دولار، في الوقت الذي جمع فيه صندوق «36 ساوث كابيتال أدفيزرز» الكائن في لندن والذي حقق نسبة أرباح تربو على 200 في المائة إبان أزمة 2008، نحو 300 مليون دولار.

غير أن ذلك لا يحقق لجميع المستثمرين مكاسب.. فـ«خطر انحراف قيمة الأصول لأكثر من 3 انحرافات معيارية قائم، ونحن جميعا نعلم ذلك، لكن إذا كان لديك 20 صندوق تحوط، فأنت بالقطع تبحث عن استراتيجيات من شأنها أن تأتي بالنتائج المأمولة»، هكذا قال كريغ سلوتر، الذي يشرف على مبلغ يقدر بنحو 12 مليار دولار بوصفه رئيسا لشركة «ويست فيرجينيا إنفستمنت مندجمنت بورد». وأضاف «عند تركيزي على استراتيجيات مواجهة خطر انحراف قيمة الأصول لأكثر من 3 انحرافات معيارية، ينتابني قدر من الشك. هذا الأسلوب يبدو أشبه إلى حد ما بأسلوب بيع».

* خدمة «نيويورك تايمز»