«غلوبال ويتنس»: صناديق استثمار غربية أدارت الفوائض النفطية الليبية بشكل رديء

قامت بتحصيل عشرات الملايين في شكل رسوم ولم تحقق عوائد تذكر

أحد خزانات النفط الليبية المحترقة (نيويورك تايمز)
TT

أدارت صناديق استثمار بارزة أميركية وأوروبية أصولا خاصة بنظام القذافي تقدر بمئات ملايين الدولارات بشكل سيئ، حيث قامت بتحصيل عشرات الملايين من الدولارات في صورة رسوم ولم تحقق عائدات كبيرة، وذلك بحسب وثيقة حصلت عليها مؤسسة «غلوبال ويتنس» الاستقصائية، بيد أن البنوك قد استفادت من صندوق استثمار ليبي تمت إدارته بشكل سيئ، وذلك وفقا لما أفاد به مسؤول غربي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

وأظهرت الوثيقة، التي قدمت ملخصا لأداء صول المؤسسة الليبية للاستثمار في سبتمبر (أيلول) 2010، الأداء الضعيف لمديري استثمار أوروبيين وأميركيين ومدير استثمار ليبي تربطه علاقات قوية بنظام القذافي. وشكا مسؤولون بالمؤسسة الليبية للاستثمار من أن استثمارا قاموا به في ستة صناديق استثمار مختلفة حقق عائدات أقل بكثير من معيار الصناعة القياسي. «حتى الآن، دفعنا رسوما تزيد على 18 مليون دولار، لنتكبد خسارة قدرها 30 مليون دولار»، هذا ما ذكره التقرير في أحد المواضع، مشيرا إلى صندوق يديره زوج ابنة رئيس مؤسسة النفط الحكومية في ليبيا.

ويشير التقرير الذي أعده مكتب شركة الاستشارات «كيه بي إم جي» في لندن، إلى أن استثمارا ليبيا حجمه 300 مليون دولار في صندوق «بيرمال»، صندوق تحوط تابع لشركة «ليغ ماسون» الكائنة في بالتيمور، أسفر عن خسائر بنسبة 40 في المائة من قيمة الاستثمار بدءا من يناير (كانون الثاني) وحتى سبتمبر 2010. وفي الوقت نفسه، قام صندوق «بيرمال» بتحصيل مبلغ قيمته 27 مليون دولار في صورة رسوم. وكتب مسؤولون ليبيون في التقرير: «أداء سيئ باستمرار منذ بدء الاستثمار، ورسوم باهظة جدا بلا أي قيمة». وقدم الليبيون شكاوى مماثلة بشأن استثمارات في صناديق تديرها شركات أوروبية والتي لم تحقق أيضا أي أرباح تذكر. وعلى الرغم من ضآلة الأرباح، إلا أن شركة الاستثمار الهولندية «بالاداين» حصلت على رسوم قيمتها 19 مليون دولار، وحصل البنك الفرنسي «بي إن بي باريباس» على رسوم قيمتها 18 مليون دولار، في حين حصلت شركة «كريدي سويس» على رسوم قيمتها 7.6 مليون دولار، فيما حصلت الشركة السويسرية «نوتز ستاكي» على 5 ملايين دولار. وقد حذر محللون بشركة الاستشارات «كي بي إم جي» من أن حجم استثمارات المؤسسة الليبية للاستثمار في هذه الصناديق كبير جدا مقارنة بالأنواع الأخرى من الاستثمارات. ورفض ممثلون عن هذه الشركات الحديث على الملأ أو تعذر الوصول إليهم لمعرفة تعليقهم. ورفضت شركة «كي بي إم جي» التعليق، لكن صحيفة «نيويورك تايمز» تمكنت بشكل مستقل من التحقق من صحة الوثيقة. وألقى مسؤول بإحدى الشركات التي وجهت لها انتقادات في التقرير، تحدث دون أن يكشف عن هويته، اللوم فيما يتعلق بالاستثمارات ذات الأداء الضعيف على الوسطاء وأنكر تلقي الشركة رسوما باهظة. وقال المسؤول: «الصورة ليست واضحة على النحو الذي يجب أن تكون عليه». وفي 2008، خسر بنك «غولدمان ساكس» أكثر من مليار دولار في المؤسسة الليبية للاستثمار في صورة مضاربات عملة وغيرها من أشكال التداول الأخرى، بحسب ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في مايو (أيار). وتحقق هيئة الأوراق المالية والبورصة في اتهام بأن عرض بنك «غولدمان ساكس» دفع رسما قيمته 50 مليون دولار كجزء من حزمة لمساعدة صندوق الاستثمار في تعويض خسائره يمثل انتهاكا لقوانين الرشاوى الأميركية. وأنكر «غولدمان ساكس» أي تجاوزات ورفض التعليق يوم الخميس.

لقد كان إجراء صفقات مع ليبيا عملا مسموحا به قانونا للشركات الأميركية من 2004 إلى 2011. وأسرعت البنوك وشركات النفط وشركات البناء الأميركية بعقد صفقات في ليبيا بعد إعلان العقيد معمر القذافي شجبه للإرهاب ووقف جهوده لتطوير أسلحة نووية وقامت إدارة الرئيس بوش برفع العقوبات في 2004. وعادت إدارة أوباما لتفرض العقوبات مرة أخرى في فبراير (شباط) بعد أن بدأ نظام القذافي في قمع الانتفاضة الشعبية في ليبيا بصورة وحشية.

وأدى تشكيل المؤسسة الليبية للاستثمار في 2006 إلى حالة اهتياج في الدوائر المصرفية. وبحثت الشركات المالية البارزة عن الفرصة الملائمة لإدارة أصول المؤسسة التي تقدر قيمتها بـ40 مليار دولار. وتعتبر إدارة صناديق الثروة السيادية للدول الغنية بالنفط - بعضها تحكمها أنظمة فاشستية - تجارة ضخمة بالنسبة للبنوك الغربية. على سبيل المثال، زاد إجمالي قيمة أصول المؤسسة الليبية للاستثمار بنحو 10 مليارات دولار خلال ثلاثة أشهر، ليصل إلى 64 مليار دولار في سبتمبر 2010، عن 54 مليار دولار في يونيو (حزيران)، وفقا لوثيقة صدرت مؤخرا. وأظهرت الوثيقة أيضا أن بنك «إتش إس بي سي» البريطاني أصبح أكبر الشركاء المصرفيين الغربيين لنظام القذافي في سبتمبر 2010، حيث تلقى أموالا ليبية قيمتها 1.4 مليار دولار. وكشفت الوثيقة عن أن حجم أموال شركة البترول الليبية الحكومية التي يديرها بنك «إتش إس بي سي» ارتفع إلى 1.42 مليار دولار في سبتمبر 2010 عن 282 مليون دولار في يونيو 2010. وعززت الوثيقة أيضا وثيقة قامت مؤسسة «غلوبال ويتنس» بتسريبها في مايو، والتي تكشف عن أن بنك «غولدمان ساكس» أدار نحو 45 مليون دولار، وأن بنك «جي بي مورغان تشيس» أدار مبلغا قيمته 173 مليون دولار للنظام الليبي في 2010. وساعد بنك «سوسيتيه جنرال» وبنوك أوروبية أخرى أيضا نظام القذافي في إدارة عائدات النفط.

وبموجب القانون الأميركي والبريطاني الحالي، ربما تبقى علاقات العمل بين صناديق الثروة السيادية الليبية والبنوك الغربية طي الكتمان. وفي بيان لها، طالبت مؤسسة «غلوبال ويتنس» أن تجرى تلك الصفقات بشكل معلن بحيث يتسنى لمواطني الدول الغنية بالنفط والدول الغربية فهم مجريات الصفقات.

«ولا تزال قوانين سرية المصارف تشير إلى أن المواطنين يظلون في حالة من الجهل بالطريقة التي تدار بها صناديق استثمار دولتهم»، هذا ما قاله روبرت بالمر، بمؤسسة «غلوبال ويتنس». وأضاف: «لا يمكننا الاستمرار في وضع لا تتاح فيه المعلومات الخاصة بكيفية إدارة أي دولة أصولها إلا عندما ينقلب ديكتاتور بوحشية على شعبه ويتم تسريب معلومات».

وتظهر أدلة على المحسوبية في التقرير أيضا. فقد استثمر الصندوق الحكومي مبلغا قيمته 300 مليون دولار في صندوق «بالاداين» الذي يديره زوج ابنة رئيس مؤسسة النفط الحكومية في ليبيا، وفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال». وأشار التقرير إلى أنه تم الاحتفاظ بنسبة خمسة وأربعين في المائة من الاستثمار المقدر بقيمة 300 مليون دولار في صورة نقد. وبالإضافة إلى خسارة 30 مليون دولار مع تحصيل رسوم قيمتها 18 مليون دولار، هبط معدل أداء الصندوق بنسبة 39 في المائة عن المؤشر العالمي المعروف لصناديق استثمار مماثلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»