بولندا تتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي وسط تحديات اقتصادية كبيرة

دعم الأسواق الداخلية في التكتل بهدف تحقيق النمو في مقدمة أولوياتها

مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

رحب الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، بتولي بولندا الرئاسة الجديدة للاتحاد، والتركيز في أولويات عملها على الملفات الاقتصادية مثل تعميق السوق الأوروبية الموحدة، والاهتمام بشكل خاص بالأسواق الداخلية الوطنية لدعم النمو في التكتل الموحد. وقال مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية عقب اجتماع موسع بحضور رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك وشخصيات أوروبية أخرى بارزة في وارسو، إن رئيس الوزراء استعرض أولويات الرئاسة الجديدة وجدول عملها خلال الأشهر القادمة، ونحن نرحب بالتركيز في أولويات عملها على المضي قدما من أجل أوروبا أكثر قوة وانفتاحا وأمنا، إلى جانب الالتزام بالمضي قدما على تعميق السوق الموحدة باعتبارها مصدرا حيويا للنمو الاقتصادي. وتسلمت بولندا مع مطلع الشهر الجاري رئاسة مجلس أوروبا من المجر في دورته الجديدة التي تستمر ستة أشهر، وسلم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان رئاسة المجلس لنظيره البولندي. وستتولى بولندا التي حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2004 الرئاسة الدورية بينما يواجه الاتحاد أحد أكبر الاختبارات إذ تطلب ثلاث دول حزم إنقاذ دولية، وهي اليونان وآيرلندا والبرتغال. وستلقي الأزمة المالية في اليونان بظلال كثيفة على بدء تولي بولندا مهمة رئاسة المجلس، ومن المتوقع أن تعمل وارسو على مزيد من التقارب بين بلدان شرق أوروبا وبلدان الاتحاد الأوروبي، كما ستسعى بوجه خاص إلى دفع التوجه الليبرالي في الأسواق الداخلية الأوروبية وذلك من أجل دعم النمو داخل الاتحاد الأوروبي. وكانت رئاسة مجموعة اليورو التي تضم الدول التي تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة، أعلنت عن إلغاء اجتماع استثنائي كان مقررا له الأحد لوزراء المال في منطقة اليورو، والاستعاضة عن ذلك بعقد مؤتمر عبر الهاتف السبت، حسب ما ذكر المتحدث باسم رئيس مجموعة اليورو. وقال جي شولر المتحدث باسم رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يونكر الذي يرأس اجتماعات وزراء مالية منطقة اليورو «ألغي الاجتماع لكن تقرر عقد مؤتمر عبر الهاتف مساء السبت». ويركز على إمكانية اتخاذ قرار بشأن الدفعة القادمة من المساعدات الطارئة لليونان وهو أمر ضروري حتى لا تعجز أثينا عن سداد ديونها. وكان البرلمان اليوناني قد أقر وسط أجواء من التوتر خطة تقشف تمتد لأربعة أعوام لضمان حصول البلاد على دعم مالي جديد، والحفاظ على انتمائها إلى منطقة اليورو رغم غضب اليونانيين القلقين من التضحيات التي ستفرضها.

وخلال بيان صدر عن المفوضية ببروكسل تضمن كلمة باروسو خلال الاحتفال بانتقال الرئاسة إلى بولندا، أشار رئيس الجهاز التنفيذي الأوروبي إلى أن المفوضية قدمت مؤخرا رؤيتها لموازنة الاتحاد للفترة من 2014 إلى 2020، وقال «ركزنا خلالها على تعزيز الازدهار وخلق فرص العمل وروح التضامن لتحقيق التماسك الاجتماعي والاقتصادي والإقليمي لجميع الدول الأعضاء»، وأشار باروسو إلى أن جعل أوروبا أكثر قوة في المستقبل يتطلب تحسين التنسيق والاتصالات والتعاون في المجالات المختلفة وتقوية السوق الموحدة والتماسك الإقليمي والاقتصادي وزيادة الاستثمار في التعليم والتدريب والبحث والابتكار وتحديث السياسات الزراعية وغير ذلك، وتعهد باروسو بتقديم الدعم إلى الرئاسة البولندية الجديدة للاتحاد.

يأتي ذلك فيما لاقت اقتراحات رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو المطالبة بإقرار ميزانية أوروبية طويلة المدى من خلال فرض ضرائب جديدة على مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انتقادات في ألمانيا. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله في برلين إنه لا حاجة إلى فرض مثل هذه الضرائب لأن الاتحاد الأوروبي يعاني من مشاكل مالية.

من جهته اعتبر الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم ألكسندر دوربينت، أن القيام بهذه الخطوة أمر يتعارض مع الاتفاقيات الأساسية للاتحاد الأوروبي. وكانت المفوضية الأوروبية قدمت تصوراتها بشأن الأطر المالية للاتحاد الأوروبي حيث اقترحت على الاتحاد الأوروبي إقرار ميزانية طويلة المدى للاتحاد الأوروبي تتطلب جباية ضرائب بقيمة مليار يورو بين عامي 2014 و2020، وذلك من خلال فرض الضرائب على التحويلات المالية التي يقوم بها مواطنو الاتحاد الأوروبي وكذلك من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة، وقالت محطة «يورو نيوز» الأوروبية حول هذا الموضوع «إنه إعلان حرب صريح على لندن ذلك الاقتراح الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية في بروكسل لفرض ضرائب على المعاملات البنكية لتمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي». يعود أصل الفكرة للاقتصادي جيمس توبين الذي حصل بسببها على جائزة نوبل من ثلاثين عاما. ومن المتوقع أن يصل مردود هذه الضرائب إلى ما بين 50 إلى 70 مليار يورو سنويا، لكن عواقبها قد تكون مؤلمة، فالبنوك والمصارف ستهجر لندن باتجاه الولايات المتحدة وآسيا. على الأقل هذا ما تقوله السلطات البريطانية التي اعتبرت هذه المبادرة عبثية تماما. فلندن تعتقد أن الأوروبيين لا يمكنهم التصرف بمفردهم في هذا الملف. كما أنها تدرك جيدا أن رفضها سيكون كافيا لوأد المشروع لأن القرار يجب أن يؤخذ بالإجماع. فإذا كان الأمر كذلك فما الهدف من وراء هذا الاقتراح؟ الإجابة لإرضاء الرأي العام كما يقول خورخي فيرير، الخبير بمركز دراسات السياسات الأوروبية: «عندما نسمع كل يوم في وسائل الإعلام أن البنوك تحقق أرباحا وأن كثيرا من الناس يحصلون على عوائد من هذا، فلا جدال أنك عندما تأتي لتقول إننا سوف نفعل شيئا حيال ذلك بفرض هذه الضريبة، فإن هذا سيؤثر على الرأي العام». وبحسب العديد من المراقبين الأوروبيين، فقلق الدول الأعضاء من زيادة الميزانية، دفع جوزيه مانويل باروسو إلى الخروج بفكرة جديدة: استقطاع 1 في المائة من ضريبة القيمة المضافة التي تحصلها الدول الأعضاء وتحويلها مباشرة إلى الميزانية. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الاقتصادات الأوروبية الهشة والمثقلة بخطط تقشف صارمة لن تستطيع تحمل زيادة مقدارها 5 في المائة، وهي لديها الوقت الكافي للمقاومة، فالمعارك من أجل زيادة الميزانية إلى 1000 مليار يورو ستظل مستمرة عامين على الأقل قبل اعتماد الميزانية النهائية التي ستغطي الفترة من 2014 حتى 2020. ورحب البرلمان الأوروبي بالمقترحات التي قدمتها المفوضية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد، حول الموازنات المقبلة للفترة من 2014 إلى 2020، ولكن طالب في الوقت نفسه بالحصول على مزيد من المقترحات تتعلق بإيجاد آليات أكثر للحصول على موارد للموازنة، وضمان المزيد من الشفافية والعدالة لتوفير موارد إضافية وتخفيض مساهمات الدول الأعضاء.

وفي بيان صدر عن البرلمان الأوروبي في بروكسل، قال رئيسه جيرسي بوزيك، إن المقترحات التي عرضتها المفوضية تعتبر نقطة ذكية لإطلاق مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتأتي في وقت مهم بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يواجه ظروفا استثنائية، حيث يتعرض لضغوط بسبب أزمة الديون السيادية، وحالة من عدم الاستقرار في مناطق خارج التكتل الموحد، وفي البيان قال آلان ماسور رئيس لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي «لن نصفق اليوم دون تقشف في الموازنة وضمانات مستقبلية للاستثمارات، ونحن سعداء لأننا نرى أولويات البرلمان الأوروبي تعكسها مقترحات المفوضية الأوروبية». ودعا ماسور إلى ضرورة طرح ملف كيفية توفير موارد جديدة للموازنة من خلال نقاشات موسعة وليست خلف الأبواب المغلقة، «ولا بد من مشاركة البرلمانات الوطنية في هذا النقاش». واقترحت المفوضية في محاولة للحد من الإنفاق على الصعيد الاتحادي اقتطاع جزء من ضريبة القيمة المضافة وضريبة المعاملات المالية المفروضة على الصعيد الوطني لكل الدول وتحويلها مباشرة إلى الصعيد الأوروبي بهدف دعم الميزانية الاتحادية خلال سبعة الأعوام المقبلة بما يجعلها تصل إلى زهاء 1000 مليار يورو.

وتتضمن خطة الميزانية اقتراحات لتجميد نفقات الاتحاد الأوروبي الزراعية والإدارية مقابل زيادة نسبية للنفقات في مجال البحوث والتنمية ومشاريع النقل والتكنولوجيا. وسيتم تقنين الاقتراحات التي تخص الضرائب الجديدة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وتهدف الضرائب الجديدة إلى تقليص حجم مدفوعات حكومات الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل، في حين ستزيد ميزانية الاتحاد بنسبة 5 في المائة، بما يجعلها تتجاوز 970 مليار يورو، بين الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، مقابل 925 خلال الفترة الحالية. ويأتي ذلك وسط حالة التقشف الحالية التي تطبق على أوروبا، ويتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط من أجل كبح الإنفاق، فيما تدعو بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفنلندا وهولندا إلى زيادة الموازنة بهدف السيطرة على التضخم. وتبلغ قيمة الموازنة الحالية التي تمتد من 2007 إلى 2013 للاتحاد الأوروبي 926 مليار يورو (1332 مليار دولار) في شكل نفقات، أي ما يعادل أكثر قليلا من 1 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للتكتل الموحد.