سندات للبيع في إسبانيا وخلافات داخل ألمانيا ومخاوف لدى المستثمرين الأوروبيين

قبل ساعات من القمة الأوروبية الاستثنائية لقادة منطقة اليورو المقررة الخميس ببروكسل

TT

المخاوف من عدوى انتقال الديون السيادية لإيطاليا وإسبانيا من اليونان، تصاعدت خلال الساعات الماضية، حيث ارتفعت عائدات السندات الإيطالية والإسبانية إلى أعلى مستوياتها في عشرة أعوام، فيما انتشرت إلى السندات الألمانية والتي ارتفع مؤشرها إلى أعلى مستوى على الإطلاق.

يأتي ذلك عشية اجتماع لكبار المسؤولين في منطقة اليورو، لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إنقاذ ثانية لليونان في ظل حالة الغموض المستمر حول دور مالكي السندات اليونانية الخاصة، في مشاركة تكاليف خطة الإنقاذ.

وبالتزامن مع ذلك انخفض اليورو أمام الدولار وأيضا أمام الجنيه الاسترليني، وتراجعت مستويات الثقة في الاقتصاد الأوروبي العملاق خلال الأشهر الماضية، نتيجة مباشرة لتفاقم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، والتي دفعت العديد من الحكومات الأوروبية من آيرلندا واليونان وإيطاليا وبريطانيا وحتى ألمانيا لإقرار سياسات تقشفية صارمة لمواجهة الارتفاع المطرد في الديون العامة.

ذلك بالإضافة إلى إعادة العجز في الميزانيات العامة للمستويات المقبولة عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتسيطر على المستثمرين المخاوف من انتشار أزمة الديون السيادية إلى إيطاليا (التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو)، خاصة مع الاضطراب السياسي الذي تعيشه البلاد حول خطط التقشف، والتي لقيت بنهاية الأسبوع الماضي موافقة البرلمان على ما قيمته 48 مليار يورو من التخفيضات في الإنفاق العام، وذلك حتى عام 2014.

ودفعت أزمة الديون السيادية الحكومات الأوروبية لإقرار سياسات تقشفية صارمة مما كان له أثر سلبي على مستويات النمو في المنطقة، خاصة مع تراجع مستويات الطلب العالمي، على الرغم من ذلك، قام البنك المركزي الألماني بالتأكيد على أن التوقعات المستقبلية المرتبطة بالنمو لا تزال «مناسبة» خاصة مع انخفاض معدلات البطالة في البلاد والتي دعمت مستويات الإنفاق الاستهلاكي لدى الأفراد مما سيكون له الأثر الإيجابي على مستويات النمو في البلاد خلال الفترة القادمة. وقام البنك المركزي الألماني الشهر الماضي برفع التقديرات الأولية للنمو في ألمانيا إلى 3.1% خلال العام الحالي مقارنة بالتوقعات السابقة بنسبة 2.5%، وأكد البنك المركزي الأوروبي أن متوسط معدلات النمو في المنطقة الأوروبية 1.9% خلال العام الجاري.

وفي مدريد طرحت الخزانة العامة الإسبانية سندات بقيمة 4.44 مليار يورو مستحقة السداد بعد 12 و18 شهرا بنسبة فائدة عالية جدا في ضوء تفاقم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو واقتراب اليونان من خطر الإفلاس. وتم طرح سندات بقيمة 3.78 مليار يورو مستحقة السداد بعد 12 شهرا بمتوسط عائد مرتفع بلغ 3.76 في المائة متجاوزا قيمة 2.72 في المائة المسجلة في المزاد الأخير الذي أجري في 14 من يونيو (حزيران) الماضي وهي مستويات تعادل تلك المسجلة في عام 2008. من جانب آخر طرحت سندات بقيمة 660.88 مليون يورو مستحقة في 18 شهرا بنسبة فائدة مرتفعة بلغت 3.98 في المائة في أعلى مستويات لها منذ عام 2002 متجاوزة بذلك سعر الفائدة المسجل في يونيو الماضي والذي بلغ 3.29 في المائة. ويرى المحللون أن الأسواق لم تهدأ رغم ارتفاع الطلب على السندات الإسبانية الذي تجاوز 15 مليار يورو ورغم نتائج اختبارات الملاءة المالية الخاصة بالبنوك الأوروبية التي أظهرت صلابة النظام المالي الإسباني وانعقاد القمة الأوروبية يوم الخميس المقبل للبحث في خطة إنقاذ اليونان وتفادي خطر انتشار أزمة الديون إلى بلدان أوروبية أخرى.

وأدى تصاعد المخاوف من تفشي أزمة الديون الأوروبية إلى ارتفاع الفروق بين سندات الدين الإسبانية مقارنة بالألمانية إلى 368 نقطة أساسية مع افتتاح سوق الأموال الإسبانية قبل أن تتراخى لتستقر عند 352 نقطة أساسية. وكان آخر مزاد أجرته إسبانيا جرى في السابع من يوليو الجاري بطرح سندات بقيمة ثلاثة مليارات يورو مستحقة السداد بعد ثلاثة وخمسة أعوام بنسبة فائدة عالية بلغت 4.32 في المائة و4.9 في المائة على التوالي تزامنا مع تخفيض وكالة «موديز» العالمية التصنيف الائتماني لسندات البرتغال. أما في ألمانيا فأظهرت البيانات الاقتصادية الصادرة عن الاقتصاد الألماني تراجع الشعور العام تجاه الاقتصاد لأدنى مستويات منذ عامين ونصف متأثرا بشكل مباشر من تفاقم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، وخاصة مع المخاوف من اقتراب اليونان من خطر عدم القدرة على سداد الديون العامة، بالإضافة إلى خطر انتشار أزمة الديون إلى بلدان أوروبية أخرى. ارتفع مؤشر ZEW الذي يقيس الأوضاع الراهنة في الاقتصاد الأوروبي العملاق لمستويات 90.6 بشكل فات التوقعات المقدرة 87.6 في حين كانت القراءة السابقة بقيمة 85.3، أما عن قراءة المؤشر المرتبطة بالشعور العام اتجاه الاقتصاد فقد سجلت تراجعا حادا لمستويات - 15.1 والتي تعد الأدنى منذ كانون الثاني 2009 مقارنة بالقراءة السابقة - 9.0، وجاءت القراءة الفعلية أسوأ من التوقعات المقدرة - 12.5.

إذن الحكومات والأسواق المالية والمواطنون الأوروبيون منشغلون بأزمة الدين في منطقة اليورو. وهناك أسئلة عديدة تطرح حول التضامن والمسؤولية ودور الحكومات. كل بلد له أجوبته حول هذه التساؤلات. ألمانيا من جهتها تلعب دورا أساسيا في الأزمة بسبب قوتها الاقتصادية، وهي تدرك جيدا أن قوتها المالية تتلازم مع دور القيادة السياسية. غير أن الحكومة تبدو ممزقة بين مطالب شعبها وتوقعات شركائها الأوروبيين.

وحسب تقارير إعلامية أوروبية، فأزمة اليورو تلقي بثقلها على المستشارة الألمانية حتى عندما تكون بعيدة عن أوروبا. فخلال زيارة لأفريقيا الأسبوع الماضي، أنجيلا ميركل رفضت أي اجتماع عاجل للقادة الأوروبيين. وموقف زعيمة أكبر اقتصاد أوروبي صدر مع هبوب عاصفة أزمة اليورو مرة جديدة. عاصفة يبدو المتسبب بها هذه المرة إيطاليا وإسبانيا ثالث ورابع أكبر اقتصادين في منطقة اليورو. لكن موقف رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رومبوي بدا مناقضا لميركل فهو طالب باقتراحات عاجلة من وزراء مالية دول منطقة اليورو: «أنا أنتظر بفارغ الصبر مقترحات اليوروغروب والتي يجب أن تصدر خلال فترة قصيرة جدا، وأقول في سرعة عاجلة أيضا. فمن الضروري جدا أن تخرج مجموعة اليورو بمقترحات بشأن وقف مخاطر انتشار عدوى الأزمة من دولة إلى أخرى». ومنذ بداية الأزمة في أواخر ألفين وتسعة، كانت ميركل تتردد في المساعدة على إنقاذ اليونان وآيرلندا والبرتغال، إلا أنها تؤكد استعدادها للقيام بما يلزم لإنقاذ اليورو.

وفي مايو (أيار) 2010، وافقت تحت ضغط الأسواق وشركائها في منطقة اليورو على إنشاء الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي والمساهمة فيه. مساهمة حصلت على مصادقة البوندستاغ بعد أن كانت ميركل اضطرت إلى شرح أسبابها: «هذه الحزمة تهدف إلى تعزيز وحماية عملتنا المشتركة. إنها أزمة غير مسبوقة في تاريخ اليورو، ونحن نحمي عملتنا خلال هذا الوضع الاستثنائي. أما للمواطنين، فأقول لهم إننا نحمي أموال الناس في ألمانيا». لكن الناس لم يفهموا موقف ميركل هذا، وأظهروا ذلك في الانتخابات.

فخسرت المستشارة الغالبية في البوندسرات، في أعقاب سلسلة هزائم في عدد من الاستحقاقات الانتخابية المحلية، كان أقساها في معقل حزبها في ولاية بادن فورتنبرغ. شعبية ميركل انخفضت إذن رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية بالأرقام.

فالبطالة انخفضت إلى سبعة في المائة، وهو أدنى مستوى لها منذ توحيد البلاد. أما المفاجأة فكانت في النمو الذي بلغ واحدا فاصل خمسة في المائة في الربع الأول من العام مع توقعات صندوق النقد الدولي بوصوله إلى ثلاثة فاصل اثنين في المائة. من جهة أخرى، العجز الذي كان يبلغ ثلاثة فاصل ثلاثة في المائة سيتدنى إلى اثنين في المائة العام المقبل، ودين البلاد الذي يشكل اثنين وثمانين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الألماني فسيخسر بمقدار نقطة واحدة. غير أن ميركل لا تكتفي بهذه الأرقام لطمأنة الناخبين. في قمة دوفيل، دعت القطاع الخاص إلى الإسهام في معالجة ديون اليونان، ووضعت ذلك كشرط للمساهمة في إنقاذها مجددا إلا أنها مرة أخرى أيضا قد تتخلى عن شرطها تحت ضغوط شركائها وخوفا من انهيار قد يصيب اليورو.