تقرير اقتصادي يؤكد وجود 3 تحديات تواجه مستقبل الطاقة في السعودية

«جدوى للاستثمار»: المملكة ستظل تحقق إيرادات نفطية تفوق متطلباتها للإنفاق على المدى القريب

يزداد استهلاك الطاقة محليا في السعودية مع دخول فصل الصيف نتيجة زيادة استخدام أجهزة التكييف لمواجهة الحرارة (تصوير: أحمد يسري)
TT

قال تقرير اقتصادي صدر أمس في السعودية إن المملكة ستظل تحقق إيرادات نفطية تفوق متطلباتها للإنفاق على المدى المنظور على الأرجح، مشيرا إلى أن سعر النفط الحالي يفوق السعر المطلوب لموازنة الميزانية بنحو 20 دولارا للبرميل.

ومن المسلم به أن أسعار النفط التي تراوح عند مستوى 100 دولار للبرميل توفر للمملكة العربية السعودية إيرادات نفطية ضخمة مما يهيئ لأوضاع مالية قوية في ظل ديون حكومية متدنية للغاية واحتياطيات حكومية مرتفعة. وقد جاءت هذه الموارد مواتية على نحو خاص خلال فورة ما عرف بـ«الربيع العربي» عندما أتاحت للدولة تعزيز مستويات الإنفاق والصرف على المواطن السعودي. وبين التقرير الصادر من شركة «جدوى للاستثمار» عن وجود 3 تحولات رئيسية تنذر بتحديات فيما يتعلق بمستقبل الطاقة والإيرادات النفطية في المملكة إذا استمرت في مساراتها الحالية المرجحة.

وأشارت إلى أن الارتفاع الحاد جدا في الاستهلاك المحلي للنفط (والغاز) في المملكة على حساب كمية النفط المتاحة للتصدير، يعتبر أول التحولات، إذ من شأن أسعار النفط المنخفضة - يباع النفط محليا بسعر يتراوح ما بين 3 إلى 20 في المائة من الأسعار العالمية - أن تؤدي إلى تدهور مستوى الكفاءة في توظيف الموارد النفطية؛ حيث ينمو الاستهلاك المحلي بمعدل يفوق ضعفي النمو في الناتج الإجمالي غير النفطي.

ويأتي التحول الثاني في نمو الإنفاق الحكومي السعودي السنوي بواقع 7 في المائة أو أكثر، وهو معدل مرشح للاستمرار، مع تواصل الاعتماد على إيرادات النفط كمصدر رئيسي للدخل، في حين يتمثل التحول الثالث في أن إنتاج النفط السعودي لم يسجل ارتفاعا كبيرا خلال 30 عاما، ولا يرجح أن يرتفع إنتاجه بصورة مطردة خلال السنوات العشر القادمة أو أكثر.

وأشار التقرير، الذي عنون بـ«التحديات المقبلة لصناعة النفط والأوضاع المالية في المملكة»، أنه من شأن تضافر هذه التحولات ألا تترك حيزا لتلبية الاحتياجات المالية للمملكة، إلا من خلال الارتفاعات الكبيرة والمطردة في أسعار النفط.

وأضاف «على الرغم من الاعتقاد بأن أسعار النفط ستواصل الارتفاع، لكن يستبعد أن يأتي ذلك بالقدر الذي يستوفي نقطة التعادل بالنسبة للميزانية، وبالطبع من شأن تواصل ارتفاع الأسعار لفترة عقد كامل، كما شهدت الأسواق في الماضي، أن يؤدي إلى تدهور سريع في الأوضاع المالية المستقبلية للمملكة».

ويستهلك العالم اليوم نحو 88 مليون برميل من النفط يوميا تنتج منها المملكة قرابة 9 ملايين برميل وتسهم دول «أوبك» مجتمعة بنحو 29 مليون برميل (أي ما يعادل 33 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي). وينمو الاستهلاك العالمي بنحو نصف وتيرة نمو الناتج الإجمالي العالمي، أي ما يتراوح بين 1.5 إلى 2 في المائة سنويا. وبما أن الاقتصاد العالمي لا يزال في مرحلة الخروج من حالة الركود فإن وكالة الطاقة الدولية تقدر أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمعدل 1.3 في المائة في السنة في المتوسط للسنوات الخمس المقبلة، أي ما يعادل 1.1 مليون برميل من النفط يوميا في العام.

وبينت «جدوى» في تقريرها أنه يبرز وراء تلك الأرقام تغيرات مؤثرة في أنماط الاستهلاك العالمي للنفط، أولها انحسار استخدام النفط بصورة كبيرة في إنتاج الكهرباء لصالح الغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية، حيث هبطت مساهمة النفط في إنتاج الكهرباء العالمية من 25 في المائة عام 1973 إلى 4 في المائة فقط عام 2010. كذلك يمر النفط بمرحلة ثبات فيما يتعلق بالاستخدامات الصناعية، مما أدى إلى أن يصبح النفط وقودا للنقل بالدرجة الأولى. فإذا ما خسر النفط جزءا كبيرا من السوق العالمية كوقود للنقل، فإن تداعيات ذلك على اقتصاد المملكة قد تكون وخيمة. وأوضحت «جدوى» أن السيناريو الأقرب إلى الواقع في اعتقادها أن تظل السعودية تسهم بحصة في إنتاج النفط العالمي تتراوح ما بين الاستقرار إلى التراجع التدريجي، حيث تتوقع أن يبلغ حجم إنتاج المملكة نحو 11.5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030، مقابل 9 ملايين برميل حاليا بافتراض نمو الإنتاج العالمي بواقع 1.4 في المائة في العام واستمرار المملكة في الاستحواذ على حصة من السوق العالمية بنسبة 10 في المائة.

وبينت أن ذلك لا يعتبر تغيرا كبيرا لأنه لا يزال في نطاق قدرة المملكة الإنتاجية البالغة 12.5 مليون برميل في اليوم حاليا.

وبينما ظلت الدول المستهلكة للنفط تبدي مخاوفها المبررة بشأن تأمين الإمدادات النفطية، عبر المسؤولون السعوديون في السنوات الأخيرة كثيرا عن حاجتهم إلى «تأمين الطلب» وفقا للتقرير، لذا تنفق المملكة مبالغ ضخمة لبناء طاقة كبيرة لإنتاج النفط توفر لها فائضا يتيح استيفاء النمو في الطلب وتأمين القدرة على تعويض أي نقص ينجم عن أي خلل في منظومة الإمدادات النفطية، كما يحدث اليوم بسبب توقف الإنتاج الليبي. وزادت «نعتقد، في ضوء ارتفاع الاستهلاك العالمي أن السياسة التي ستتبناها المملكة تتلخص غالبا في المحافظة على طاقة إنتاجية احتياطية تمثل نسبة معينة من إجمالي الإنتاج العالمي عوضا عن الإبقاء على رقم معين ثابت». وأوضح التقرير اعتقاد «جدوى» بأن المملكة التي ربما يبلغ إنتاجها نحو 11.5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2030، ستسعى أيضا لتكوين طاقة احتياطية غير مستغلة في حدود 2.5 إلى 3 ملايين برميل في اليوم عند ذلك الأجل، أي ما يعادل نفس النسبة المئوية من حجم السوق العالمية التي يمثلها فائض الإنتاج الحالي البالغ مليوني برميل في اليوم. وأوضحت أنه في حال حافظ إنتاج النفط السعودي على مجرد ارتفاع تدريجي خلال السنوات القادمة كما ترجح الشركة، فإن الأسعار تصبح هي العامل الحاسم في تحديد مدى قدرة الإيرادات النفطية على استيفاء احتياجات البلد. ولفتت إلى أن خفض احتياجات الإيرادات المالية لدولة منتجة للنفط وفقا لسعر النفط «التعادلي» أصبح أمرا شائعا، ويبدو أن هذا الأمر هو انعكاس لواقع أن الحاجة لإيرادات نفطية فورية وكافية في ظل الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي هذا العام أصبحت أحد أهم العوامل المحركة للسياسات النفطية في الدول المنتجة.

وأكدت التقرير أن المملكة تتمتع حاليا بوضع مالي متين بفضل الاستغلال الأمثل لفوائض الميزانية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة، وقد أدى الارتفاع الحاد في أسعار النفط من متوسط 31.1 دولار للبرميل عام 2003 إلى متوسط 99.7 دولار للبرميل عام 2008 إلى ارتفاع إيرادات النفط من 231 مليار ريال (62 مليار دولار) إلى 983 مليار ريال (262 مليار دولار) خلال الفترة نفسها.

وتابع التقرير «يعود جزء من نمو الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع الهائل في الصرف على البنيات التحتية، حيث قفز إجمالي الإنفاق على المشاريع الرأسمالية من 33 مليار ريال (9 مليارات دولار) عام 2003 إلى 180 مليار ريال (48 مليار دولار) عام 2009 بسبب خطط الإنفاق الحكومي المتتالية التي استهدفت إحداث تطورات كمية ونوعية في البنيات التحتية المادية والاجتماعية».

وأكدت أن هذا الإنفاق الاستثماري مهيأ ليظل مرتفعا حتى عام 2014 على أقل تقدير نتيجة لخطة التنمية الخمسية 2010-2014، ومن المرجح أن يتواصل لعدة سنوات قادمة جراء التزام الحكومة الأخير بإنفاق نحو 250 مليار ريال (67 مليار دولار) لتشييد 500 ألف وحدة سكنية جديدة. وتوقعت «جدوى» حدوث انخفاض في هذا الشق من الإنفاق الحكومي خلال النصف الثاني من العقد عندما تكون معظم عمليات ترقية البنيات التحتية قد اكتملت، أما الإنفاق الجاري فسوف يرتفع بسبب استمرار تكاليف أعمال الصيانة والتشغيل التي تتطلبها المرافق الجديدة.

كما توقعت أن يبلغ متوسط نمو الإنفاق الحكومي نحو 7 في المائة للعام لفترة الـ 20 عاما القادمة، ورغم أن هذه النسبة تساوي فقط نصف معدل نمو الإنفاق خلال العقد الماضي، لكنها تأتي متسقة مع نمو الإنفاق خلال الـ 20 عاما الماضية التي تتضمن دورة كاملة شهدت فترات من الارتفاع والانخفاض في أسعار النفط وتعكس ما سنراه على الأرجح خلال الـ 20 عاما القادمة.

وأشارت إلى وجود 3 اتجاهات تشكل مع بعضها البعض تحديا كبيرا للمملكة بسبب اعتمادها المتواصل على إيرادات النفط. وقد استعرضنا اثنين فيما تقدم هما ميل إنتاج النفط في المملكة للارتفاع بصورة متدرجة جدا وتسارع وتيرة الإنفاق الحكومي وتزايد اعتماده على إيرادات النفط، وترسم هذه الاتجاهات مجتمعة ملامح صورة تكسوها تحديات مستقبلية كبيرة تواجه المملكة.

وأكدت أن استهلاك النفط في المملكة آخذ في الارتفاع وبوتيرة متسارعة، حيث قفز الاستهلاك المحلي وفقا لبيانات قدمتها الحكومة إلى المبادرة المشتركة لبيانات النفط إلى 2.4 مليون برميل في اليوم في المتوسط في عام 2010 مقارنة بمتوسط 1.9 مليون برميل في اليوم عام 2007 ومتوسط 1.6 مليون برميل في اليوم عام 2003.

وبلغ متوسط النمو السنوي منذ عام 2003 نحو 5.2 في المائة، كذلك، جاء الاستهلاك المحلي خلال الربع الأول لعام 2011 أعلى بنسبة 2.9 في المائة مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، رغم أنها تدنت خلال الشهرين التاليين.

ويبلغ الاستهلاك ذروته خلال فصل الصيف بسبب الاستخدام المكثف للكهرباء في تشغيل أنظمة التكييف، ففي عام 2010 بلغ الاستهلاك الذي سجل ذروته في أغسطس (آب) نحو 2.9 مليون برميل في اليوم بينما انخفض إلى 1.9 مليون برميل وهي أدنى نقطة له في نوفمبر (تشرين الثاني) نتيجة لانخفاض درجة الحرارة وإغلاق المكاتب والمحلات بعض أيام الشهر بمناسبة عطلة الحج وعيد الأضحى.

وشددت «جدوى» على أن السعر التعادلي للنفط المطلوب لمعادلة الإيرادات الفعلية للحكومة لن يتعادل مع نفقاتها الفعلية فوق مستوى 100 دولار للبرميل (لصادر الخام السعودي) حتى عام 2017، وسيظل دون مستوى 120 دولارا للبرميل حتى عام 2021.

وبينت أن الأسعار ستظل قريبة من ذلك المستوى طيلة تلك الفترة، لذا يتوقع أن تشهد السعودية نحو عقد من الزمان لن تتعرض فيه إلا إلى مستويات عجز صغيرة نسبيا بما لا يؤثر بصورة كبيرة على موجوداتها الأجنبية.