الانصهار

علي المزيد

TT

كنت قد كتبت لكم مؤخرا عن توظيف التباين اقتصاديا في سنغافورة وأنا هذا الأسبوع في القارة الجديدة استراليا وتحديدا أتنقل ما بين ملبورن وسيدني، وإذا كان السنغافوريون قد وظفوا التباين توظيفا اقتصاديا مميزا فإن الاستراليين قد صهروه في بوتقة واحدة وأضافوا له نكهة استرالية خاصة.

في ملبورن دخلت متحف المهاجرين ورأيتهم يفخرون بتنوعهم العرقي وأنهم استقبلوا ملايين المهاجرين من أنحاء العالم منذ عام 1780 ميلادية وهم يأخذون رسوم دخول على الزائرين - استفادة اقتصادية - هذا الفخر بتنوعهم العرقي جعلهم يضمنونه نشيدهم الوطني بحيث تقول بعض كلماته: استراليا جميلة، فلنكد ونعمل معا لنجعل استراليا أجمل، سهولنا غنية بالثروات، فلنتقاسمها مع القادمين من وراء البحار، وتستمر كلمات النشيد الوطني المتغنية باستراليا والمرحبة بالغرباء.

في عالمنا العربي لا نرحب بالغرباء ولا بالمحليين لأنه لا رؤية لدينا.. لا يهم.. المهم أنك في استراليا تجد جميع لغات الأرض وبسهولة فأنت ستجد الصينية واليابانية والعربية والإنجليزية مما يساعدك ولا يشعرك بالغربة سواء كنت في رحلة عمل أو في رحلة سياحية. وأنا أتحدث للبائع ذي اللكنة الاسترالية والوجه الشرق أوسطي اكتشفت أنه من اليمن وقد سألني إن كنت عربيا بعد أن خاطبني ابني بالعربية.

الغريب في الأمر أن الاستراليين قد سهلوا عليك عملية الدخول فأنت تستطيع أن تدخل البلاد بعد أن تملأ نموذج الدخول بلغتك الأصلية وحتى أتأكد فقد ملأت النموذج الخاص بي باللغة العربية والنموذج الخاص بأبنائي باللغة الإنجليزية وكلنا دخلنا الدولة دون أن يطلب مني تغيير النموذج! التنوع قلت لكم إنه يساعد الاقتصاد بطرق شتى فكلما زال شعورك بالغربة أحببت البلد الذي تزور سواء للعمل أو للسياحة، والسياحة رافد مهم للاقتصاد سواء بجلب المال للدولة أو بإحداث الوظائف.

طلبت من الفندق الذي أسكنه في ملبورن سيارة أجرة لتوصلني وأبنائي لمحطة القطار لنغادر لسيدني جاء سائق التاكسي وبعد أن ركبنا معه وتبادلنا التحية باللغة الإنجليزية سأل السائق ابني من أين أنت؟ أجابه من السعودية ليبادره السائق بعربية صحيحة: كنت في الحج العام الماضي لنكتشف أنه إريتري عاش في القاهرة هاجر منذ 18 سنة لاستراليا، حينما نزلنا من التاكسي نزل معنا وودعنا بحرارة وكأننا نعرفه منذ زمن طويل.. ألم أخبركم أن التنوع يزيل الغربة؟ فهل نستفيد من تنوعنا كعرب؟ أترك لك أيها القارئ الكريم الإجابة عن السؤال.

* كاتب اقتصادي