خطة إنقاذ اليونان.. هل هي رهان أوروبي خطير؟

تصنيف أثينا في خانة التخلف عن سداد ديونها

TT

اتجهت اليونان أمس إلى أول عجز عن تسديد الدين في تاريخ منطقة اليورو، وهو رهان خطير خاضته أوروبا في أثناء قمتها، على أمل وقوف البلاد الغارقة في الديون على قدميها وتجنيبها الإفلاس التام.

وأعلنت وكالة «فيتش» للتصنيف المالي، وهي واحدة من ثلاث وكالات لها الكلمة الفصل في الأسواق، عن نيتها تصنيف اليونان في خانة التخلف جزئيا عن التسديد، غداة خطة جديدة من المساعدات الأوروبية توازي 160 مليار دولار، أقرها قادة منطقة اليورو والمصارف.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، كانت هذه العقوبة منتظرة نظرا إلى الإجراءات التي تبنتها الخطة، حيث طلب من الدائنين الخاصين لليونان المساهمة، عبر القبول بحكم الواقع بتسلم جزء فحسب من القروض الممنوحة إلى البلاد.

ووافق هؤلاء بمعدل خسارة من 21 في المائة من القيمة الفعلية للقروض، الأمر الذي سينعكس على إعادة شراء سندات بأسعار مخفضة كثيرا أو مبادلة أسهمها بسندات طويلة الأجل. لكن المؤسسة تعهدت، بحسب «رويترز»، برفع تصنيف اليونان بعد مبادلة سنداتها، وقالت إن أثينا أصبح لديها أمل في التعامل مع ديونها المتراكمة التي ما زال معظم الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن تؤدي إلى إعادة هيكلة في المستقبل.

واتفقت قمة طارئة لقادة منطقة اليورو يوم الخميس على حزمة مساعدات ثانية لإنقاذ اليونان، تتضمن 109 مليارات يورو (157 مليار دولار) من الأموال الحكومية ومساهمة من مستثمري القطاع الخاص الذين يحملون سندات يونانية من المتوقع أن تبلغ 50 مليار يورو بحلول منتصف عام 2014. وبموجب هذه الحزمة التي تكمل حزمة أخرى بقيمة 110 مليارات يورو قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، في مايو (أيار) من العام الماضي، ستقوم بنوك وشركات تأمين طواعية بمبادلة ما لديهم من سندات يونانية بسندات أطول أجلا بأسعار فائدة أقل لمساعدة أثينا.

وقال ديفيد رايلي رئيس التصنيفات السيادية في فيتش «ترى فيتش أن طبيعة مشاركة القطاع الخاص.. تمثل حالة تخلف مقيدة. لكن خفض أسعار الفائدة ومد آجال الاستحقاق من المرجح أن يتيحا فرصة لليونان لاستعادة الجدارة الائتمانية على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهها». واتفقت القمة على السماح لآلية الاستقرار المالي الأوروبية وهي صندوق الإنقاذ الأوروبي بشراء سندات في السوق الثانوية، إذا رأى البنك المركزي الأوروبي أن هذا ضروري لمواجهة الأزمة.

وسيصبح الصندوق للمرة الأولى مخولا منح الدول خطوط ائتمان احترازية، للحيلولة دون خروجها من أسواق الائتمان وإقراض الحكومات لإعادة رسملة بنوكها، وهما خطوتان رفضتهما ألمانيا في وقت سابق هذا العام. وفي إطار الخطة أعد قادة منطقة اليورو إجراءات تفصيلية للحد من أضرار التخلف المؤقت عن السداد، وهو الأول في غرب أوروبا منذ أكثر من 40 عاما.

واتفق القادة على إجراءات أخرى، من بينها تخفيف شروط قروض الإنقاذ لليونان وآيرلندا والبرتغال، ومد آجالها إلى 15 عاما من سبعة أعوام ونصف وخفض الفائدة إلى نحو 3.5 في المائة من 4.5 – 5.8 في المائة في الوقت الراهن. لكن ما زالت هناك شكوك بشأن إن كانت الخطة قد تضمنت الإجراءات الكافية التي تكفل القدرة على تحمل أعباء الدين لدى آيرلندا والبرتغال ودول أخرى، وليس اليونان فقط. وقال خبراء اقتصاديون لدى بنك «باركليز» إن هذه الحزمة أتت «بأكثر من المتوقع، لكنها ليست كافية لكي ننام ملء جفوننا». وعبر الخبراء عن خيبة أملهم لعدم اتفاق القادة الأوروبية على زيادة حجم صندوق الإنقاذ الأوروبي.

وتهدف الصلاحيات الجديدة الممنوحة لآلية الاستقرار المالي الأوروبية لمنع خروج دول كبيرة في منطقة اليورو، مثل إسبانيا وإيطاليا، من الأسواق، بسبب المخاوف بشأن تخلف دولة صغيرة عن سداد ديونها.

والأموال كافية حتى الآن، لكن الأعباء قد تتزايد بنسبة كبيرة. فقد يصل خط الائتمان الاحترازي لدولة كبيرة، مثل إيطاليا، إلى أكثر من 500 مليار يورو على مدى عدة سنوات، وهذا يتجاوز كثيرا حجم الآلية البالغ 440 مليار يورو حاليا.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن الإجراءات التي تم الاتفاق عليها في القمة ستقلص ديون اليونان بنسبة 24 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، من نحو 150 في المائة حاليا، لكن على الرغم من ذلك ستظل الديون هائلة بالنسبة لاقتصاد غارق في الركود. بل إن هذه الأرقام تعتمد على ما يقول المحللون إنها توقعات متفائلة للنمو ولعائدات برنامج الخصخصة الواسع. وقال محللون لدى «جيه بي مورغان»: «تفيد توقعاتنا بأن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليونان ستتراجع نحو 25 نقطة مئوية، خلال خمس سنوات بفضل هذه الإجراءات لكنها ستظل 120 في المائة في عام 2016، حتى مع افتراض تنفيذ إجراءات الخصخصة الكاملة التي تبلغ قيمتها 50 مليار يورو». ووعد القادة الأوروبيون أيضا بـ«خطة مارشال» من استثمارات عامة أوروبية للمساعدة على تنشيط الاقتصاد اليوناني، وهو ما قد يساعد اليونان، لكن التفاصيل لا تزال شحيحة.

ومن المرجح أن تحذو مؤسستا «ستاندرد آند بورز» و«موديز» للتصنيف الائتماني حذو مؤسسة «فيتش»، لأن من المتوقع أن تخفض البنوك وشركات التأمين قيمة السندات اليونانية نحو 20 في المائة، وقد يعقب ذلك مزيد من الخسائر.