اتفاق «حل ديون اليونان»: هل يمثل نهاية لأزمة اليورو؟

وسط تساؤلات حول مدى نجاعة الاتفاق

أزمة ديون اليونان وجع رأس كبير لساركوزي وقادة منطقة اليورو («الشرق الأوسط»)
TT

كانت عبارة «تسير الأمور على ما يرام حتى هذه اللحظة» هي التعبير السائد في «وول ستريت» يوم الخميس الماضي مع ظهور تفاصيل بشأن آخر محاولة كبيرة كاسحة لتخفيف أزمة الديون اليونانية.

لكن يقول المحللون إنه لم يكن من الواضح كيفية تأثير الخطة الطموحة التي تشتمل على تغيير اليونان لشروط الديون الخاصة بها على الأسواق خلال الأيام المقبلة. طريقة التفكير التقليدية هي أن تخلف اليونان عن سداد ديونها سوف يثير عدوى في الأسواق المالية من المحتمل أن تؤثر سلبا على المصارف الأميركية وصناديق الاستثمار. لكن يوم الخميس الماضي ومع ظهور تفاصيل الخطة التي تميزت بـ«التخلف الانتقائي عن السداد»، ارتفعت البورصات على جانبي المحيط الأطلسي، حيث ارتفعت قيمة اليورو إلى أعلى معدل منذ أسبوعين مقابل الدولار وكذا السندات في إسبانيا واليونان وإيطاليا، في الوقت الذي تراجعت فيه المراهنة ضد الديون اليونانية.

ويشير المحللون إلى أن سبب هذا الموقف المتساهل هو تجنب أوروبا السمات التي تميز التخلف التقليدي عن سداد الديون السيادية والتي تتضمن تعرض حاملي السندات والدائنين لخسائر ضخمة. ليست مشكلات اليونان مفاجئة، حيث كانت واضحة على مدى عام ونصف. وقد تبين أن دول منطقة اليورو سوف تتحمل الكثير من الخسائر المتعلقة بالديون اليونانية وربما لا يؤثر ذلك على مستثمرين مثل صناديق سوق المال الأميركية كما كان يُخشى. ويقول بيري ميرلينغ، زميل رفيع المستوى في مركز «مورين للقوانين المالية والمصرفية» بجامعة بوسطن: «هكذا يتم تحويل الدين اليوناني إلى أوروبي. يفضل الجميع التعامل مع أوروبا أكثر مما يفضلون التعامل مع اليونان».

لكن ربما تصبح الأسواق هادئة نظرا لعدم اتضاح آثار الاتفاق بعد. ولا يزال هناك كثير من الأسئلة بلا إجابة منها هل سترى وكالات التصنيف الائتماني الاتفاق الأوروبي تخلفا عن السداد أم إجراء من شأنه أن يؤثر على التصنيف الائتماني في أوروبا. ولم يتضح بعد في سوق العقود الاشتقاقية حيث يتبادلون الأدوات المالية التي تتيح لهم المراهنة على الديون اليونانية والسيادية وما إذا كان اتحاد العاملين في المجال الذي يضع القواعد الخاصة بهذه العقود سوف يعلن أنه ينبغي الدفع للأطراف التي تراهن على اليونان أم لا.

كذلك يخيم على السوق سؤال ما إذا كانت الخطة الأوروبية الخاصة باليونان خطة إنقاذ أم تخلف انتقائي عن السداد وهو المصطلح الذي استخدم لوصف الخطة ولم يسمع به سوى القليل من المستثمرين. لكن رفضت وكالات التصنيف الائتماني مناقشة أفكارهم الخاصة بالاتفاق بعد إعلانها، لكنهم قالوا في السابق إنه سوف يتم اعتبار الإجراءات، التي تشبه تلك الإجراءات التي تم الإعلان عنها في الماضي ومنها مدّ استحقاق الدين، تخلفا عن السداد. ويمثل وضع اليونان أمرا غريبا بالنسبة إلى متداولي العقود الاشتقاقية الذين اعتادوا على تسوية الديون بعد تخلف المؤسسات لا الدول عن السداد. وتسربت تفاصيل الاتفاق الأوروبي يوم الخميس الماضي، لكن تم وصفه بشكل رسمي في مذكرة من أربع صفحات تم إصدارها في المساء. هناك خيارات منها تبادل السندات التي سوف تخفف العبء عن حاملي سندات الحكومة اليونانية، وأكثرهم مصارف في اليونان وفرنسا وألمانيا، وتقديم سندات قصيرة الأجل مقابل سندات أخرى طويلة الأجل ستضمنها دول منطقة اليورو. ويتضمن الاتفاق أيضا مساعدات بقيمة 109 مليارات يورو (157 مليار دولار) لليونان. وجاء في المذكرة أن كيانا ماليا أوروبيا سوف يمنح دولا قروضا بحيث تستطيع تلك الدول ضخ الأموال في المصارف التي عانت من خسائر بسبب الديون اليونانية.

ويقول محللون إن الاتفاق كان يشبه خطة إنقاذ مصرف الاحتياطي الفيدرالي التي تمت في الولايات المتحدة عام 2008، حيث تضمن طريقة لمساعدة المؤسسات التي عانت بشكل كبير من الخسائر بسبب أزمة الديون اليونانية مثلما ساعدت الولايات المتحدة المصارف التي عانت من أزمة سندات الرهن العقاري. وقد رحب الكثير من المحللين بالاتفاق ورأوا أنه مؤشر يدل على التقدم. في هذا الصدد يقول كريس أورندورف، مدير المحافظ الاستثمارية في «ويسترن أسيت» والذي يتولى الإشراف على أكثر من 39 مليار دولار من قيمة الدين الأوروبي السيادي والمؤسسي: «بات النور الذي يوجد آخر النفق أقوى. ما يحاولون فعله هو منع عدوى الديون من الانتشار. إن ذلك يمنح المستثمرين في آيرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا درجة من الثقة في أن الأمر لن يزداد سوءا ويصبح سائدا». على الجانب الآخر انتقد البعض المسؤولين الأوروبيين لمحاولتهم دس السم في العسل من خلال ذلك الاتفاق، حيث يقول زين براون، المخطط الاستراتيجي للدخل الثابت في «لورد أبيت»: «أشعر بالذهول من استخدامهم للمصطلح (التخلف الانتقائي عن الدين). أي صفة قبل التخلف عن سداد لا تقلل من حدة التخلف عن السداد». من الصعوبات التي تواجه تلك الدول الشكوك حول تصنيفهم الائتماني الذي يمكن أن يدفعهم إلى الاقتراض. إلى حد ما ربما يحد دعم أوروبا لليونان من الشكوك التي تدفع وكالات التصنيف الائتماني إلى تحذير عدة دول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا.

ولم يتضح بعد المدة التي سوف تستغرقها تلك الوكالات للاستجابة، حيث أوضحت مؤسسة «موديز إنفيستورز سيرفيسيس» في بيان أنها «ليست طرفا في النقاشات المستمرة بشأن الديون اليونانية» وأنها تراقب التطورات وتداعيات التصنيف «بالشكل الملائم». وصرح المتحدث باسم وكالة «فيتش ريتينغز» مشيرا بعدم وجود أي تغيير في التصنيف الائتماني لليونان في هذه المرحلة. ورفضت وكالة «ستاندرد أند بورز» التعليق.

وسيكون على المستثمرين انتظار قرار يوم الجمعة نظرا لعدم إفصاح وكالات التصنيف الائتماني عن الكثير من المعلومات بعد الإعلان عن الخطة. ويقول جيري ويبمان، كبير خبراء الاقتصاد في «أوبنهايمر فاندس»: «لقد أخبرونا في الماضي أن أي نوع من إعادة هيكلة الدين مثل مدّ استحقاقه سيتم اعتباره تخلفا عن السداد. نحن نبادل دين قصير الأجل مقابل دين مدته 30 عاما. من الواضح أن إحدى النقاط الهامة هي الحرص على سلامة الكثير من الأمور الفنية بحيث لا يتم اعتبارك متخلفا عن السداد بحسب وكالات التصنيف الائتماني».

* خدمة: «نيويورك تايمز» وبعيدا عن وكالات التصنيف الائتماني، ستضع الهيئة الدولية للمقايضات والمشتقات المالية قاعدة أخرى خاصة بالتخلف عن السداد خلال الأيام القليلة المقبلة. وبناء على طلبات من أطراف معروفة في السوق من تولي الهيئة أمر تحديد حالة التخلف عن السداد، ستجتمع لجنة مكونة من مديري 10 مصارف و5 مديري أصول ضخمة من خلال الهاتف لتحديد أرباح وخسائر المستثمرين استنادا إلى المراهنة على اليونان. وقد أعرب بعض المحللين عن مخاوفهم من وضع مركّز لشركة ما مما يصعب سدادها لما عليها من ديون. ولم يكن على اللجنة في السابق النظر في أمر التخلف الانتقائي عن السداد، لذا سوف يراقب المتداولون التصويت باهتمام. وسيتم الإعلان عن نتائج وتصويت كل مؤسسة في اللجنة على حد قول ستيف كنيدي، المتحدث باسم الهيئة. وأوضح كنيدي أنه يعتقد أن سوق العقود الاشتقاقية سوف تنظر في الأمر «بهدوء وطبقا للعملية التي تم وضعها». وتعد صناديق سوق المال، التي تبلغ قيمة ما لها من ديون في المصارف الأوروبية مليارات، هي الأكثر تأثيرا للأميركيين، رغم قول المحللين إن الصناديق ستظل آمنة بموجب ذلك الاتفاق. وبحسب بعض التقديرات خلال الصيف الحالي، كانت 50 في المائة من أصول صندوق سوق المال التي تبلغ قيمتها 1,6 تريليون دولار من ضمن ديون المصارف الأوروبية.

وتحد الكثير من أسواق المال معاملاتها مع أوروبا. على سبيل المثال منذ عام قرر المديرون، الذين يشرفون على صندوق «فانغارد برايم» الذي تبلغ قيمته 110 مليارات دولار، خفض مشاركة الصندوق في المصارف في مختلف الدول التي لديها معاملات كثيرة مع اليونان والدول القريبة منها.

يقول بيتر كرين، رئيس مؤسسة «كرين داتا» التي تراقب تلك الصناديق: «لقد أصبحت صناديق سوق المال بعيدة عن الديون اليونانية على الأقل بثلاث خطوات. وعلى اليونان أن تزيح إسبانيا أو إيطاليا لتصبح تهديدا للمصارف الفرنسية التي تمتلك صناديق المال ديونها».