الذهب يزداد لمعانا مع قتامة آفاق أسواق المال

مرشح لتحقيق معدلات قياسية تتجاوز قفزة 1980

حافظ الذهب على مكانته كملاذ آمن للمستثمرين («الشرق الأوسط»)
TT

كلما زادت الأوضاع سوء، زادت الصورة العامة أمام سوق الذهب إشراقا - هذا كان النهج الذي سارت عليه الأمور هذا الصيف.

إذا كان القلق يساورك حيال اليونان، أو مستقبل اليورو، أو سقف الديون داخل الولايات المتحدة، أو حتى الاقتصاد العالمي برمته، عليك إذن شراء سبائك ذهب.

كان هذا هو التفكير الذي غلب على الكثير من المستثمرين، على الأقل، مما دفع أسعار الذهب إلى مستويات اسمية مرتفعة على نحو قياسي، إن لم تكن معدلة للتكيف مع معدلات التضخم.

الأسبوع الماضي، في خضم سعي فرق منفصلة من المفاوضين رفيعي المستوى، نحو التوصل لحلول لأزمة الديون اليونانية وشرك سقف الديون في واشنطن، تجاوزت أسعار الذهب حاجز 1.600 دولار للأونصة للمرة الأولى في تاريخها.

وعلى الرغم من تراجع الأسعار مع ظهور مؤشرات على حدوث تقدم على صعيد تلك القضايا، فإن الذهب أنهى تعاملاته خلال الأسبوع عند مستوى 1.602.60 دولار (وهو أقل بفارق واضح عن الذروة التي سبق أن بلغها، مع تعديل الأسعار للأخذ في الاعتبار تأثير التضخم، عام 1980 وبلغت 2.516 دولار، حسبما ذكر إدوارد يارديني، الخبير الاقتصادي المستقل). والملاحظ أن أسعار الذهب لم تبلغ هذه المستويات المرتفعة منذ أيام العصر الذهبي للسياسات الاقتصادية التي تركز على العرض خلال الفترة الأولى من عمر إدارة ريغان.

وعلى الرغم من أن بين إس بيرنانكي، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، ليس من المولعين بالذهب، فإن التطورات الأخيرة لفتت انتباهه. وفي رد على تساؤلات مكثفة طرحها عليه النائب رون بول، عضو الحزب الجمهوري في تكساس، الذي يترشح للرئاسة للمرة الثالثة، وطالب بالعودة إلى غطاء الذهب - اعترف بيرنانكي بأنه مهتم بأسعار الذهب.

وقال خلال جلسة استماع عقدها الكونغرس هذا الشهر: «أعتقد أن السبب يكمن في تمسك الناس بالذهب كوسيلة حماية ضد المخاطرات الشديدة، أي النتائج شديدة السلبية. ونظرا لأن السنوات القليلة الأخيرة أثارت قلق الناس حيال احتمالات وقوع أزمة كبرى، فإنهم لجأوا للذهب كمصدر حماية».

خلال مقال كتبته مؤخرا، أشرت إلى أن بعض الخبراء لا يعتبرون الذهب أصلا مناسبا في الحقيبة الاستثمارية المتنوعة التقليدية، لأسباب عدة، منها أنه لا يحقق عائدات، بينما الاحتفاظ به يترتب عليه تكاليف. ومع ذلك، يبقى الذهب بالتأكيد أحد الأصول المالية التي تحتفظ بها الكثير من المصارف المركزية، ويقدره الكثير من المستثمرين الخصوصيين بمختلف أرجاء العالم.

على سبيل المثال، يبدي جيفري سيكا، رئيس صندوق سيكا لإدارة الثروات، في موريستاون في نيو جيرسي، توجها متفائلا تجاه الذهب وسلع أخرى، ويتشكك حيال جميع فئات الأصول الأخرى تقريبا، وعن ذلك قال: «حاليا، أعتقد أن الذهب يبدو أفضل عن أي وقت مضى». ويعكس المنطق الذي يتحدث به سيكا وجهة نظر بيرنانكي من جانب واحد على الأقل، وهو أن سيكا يقول إنه يرى احتمالية كبيرة للغاية لوقوع أحداث مؤسفة خلال الشهور المقبلة، وأنه يعتقد أن الذهب سيوفر بعض الملاذ، إلا أن آراءه تختلف بشدة عن آراء رئيس المصرف المركزي فيما يخص قوله إن السياسة التوسعية التي ينتهجها مصرف الاحتياطي الفيدرالي، المعروفة باسم «التخفيف الكمي»، «لم تنجح». إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يتزايد ضعف ووهن الاقتصاد، وأن تستمر أزمة الديون السيادية الأوروبية «لبعض الوقت، بغض النظر عما يجري اتخاذه من ترتيبات على المدى القصير، وسينتهي بها الحال بإيلام الكثير من المصارف».

وبينما قد تتصاعد مشاعر الارتياح حال تسوية الأزمات الراهنة، فإنه يرى أن هناك «فقدانا عاما للثقة في قدرة المصارف المركزية والحكومات على إدارة الاقتصاد».

وأضاف: «سيستمر ذلك في منح الذهب والمعادن النفيسة الأخرى دفعة».

حتى داخل المصارف المركزية، ارتفعت مكانة الذهب في بعض جوانبها مؤخرا. في يونيو (حزيران) الماضي، عقد «يو بي إس» اجتماعا لمديري المصارف المركزية للاحتياطي، ومؤسسات دولية، وصناديق ثروة سيادية، وخلص إلى أن الأغلبية ترى أن الذهب سيظل أفضل فئة أصول من حيث الأداء حتى نهاية عام 2011.

وأوضح لاري هاثواي، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مصرف «يو بي إس» الاستثماري، أن الأغلبية قالت إنها تتوقع أن لا يستمر الدولار كأهم عملة للاحتياطي على مستوى العالم خلال 25 عاما. بدلا من ذلك، توقعوا أن تحل محله «حقيبة عملات». وتوقع أقل من 10 في المائة منهم احتلال الذهب هذه المكانة.

في المقابل، أعلن المجلس العالمي للذهب، الذي يتابع أسهم الذهب، أن المصارف المركزية على مستوى العالم تملك بالفعل 29000 طن من الذهب تقريبا. يذكر أن حجم الذهب الذي جرى تعدينه على مدار التاريخ العالمي يقدر بنحو 166000 طن، حسبما ذكر المجلس، وتملك المصارف المركزية نسبة كبيرة منه.

لماذا؟ لأن معظمها يعد إرثا ينتمي للفترة التي كانت خلالها العملات الكبرى تربط بالذهب، وذلك في الفترة السابقة لـ15 أغسطس (آب) 1971، عندما أخرج الرئيس ريتشارد نيكسون الولايات المتحدة من نظام غطاء الذهب. مع امتلاكها أكثر من 8000 طن، أصبح لدى الولايات المتحدة مخزونات ذهبية رسمية تفوق أي دولة أخرى، حسبما أعلن المجلس.

ويعتقد جيفري بيل أنه على الولايات المتحدة إعادة الدولار إلى نظام غطاء الذهب، ويحاول بيل من جانبه جعل هذه القضية الفكرة المحورية لحملته الرئاسية لعام 2012. وينادي بيل للعودة لغطاء الذهب منذ سنوات، وهو ما فعله عندما كان مرشحا جمهوريا لمجلس الشيوخ في نيوجيرسي عام 1978.

وقد هزم أمام بيل برادلي، الذي يعرف أحيانا باسم «دولار بيل»؛ بسبب أدائه الممتاز عندما كان في صفوف نادي «نيويورك نيكس» لكرة السلة.

ويتذكر بيل هذه الفترة بقوله: «اعتدت الإمساك بورقة دولار خلال التجمعات الانتخابية، والقول إنه ليس هناك شيء متين خلف هذه الورقة الآن، وعلينا أن نضع وراءها هذا الشيء. ويكشف التاريخ أنني خسرت».

وأوضح لويس إي ليرمان، صديق بيل، أن غطاء الذهب يستلزم من الحكومة موازنة ميزانيتها وحسابها الحالي. وأشار إلى أن هذا النظام كان ليجعل من المستحيل تراكم ديون هائلة للقطاع الخاص على النحو الذي أسفر عن الأزمة المالية عام 2007.

وكان ليرمان، الذي تولى من قبل رئاسة «رايت إيد كوربوريشن»، ومن الناشطين حاليا في مجال العمل الخيري، بجانب كونه مؤرخا، قد ترشح لمنصب حاكم نيويورك عام 1982، لكنه هزم في الانتخابات العامة عام 1982 أمام ماريو كومو. وخلال مقابلة أجريت عبر الهاتف، الأسبوع الماضي، قال ليرمان: «الديون التي تراكمت داخل النظام المصرفي الأميركي لم يكن من الممكن تكومها بهذا الشكل لو أن هناك ربطا بين العملة والذهب».

واعترف بأن العودة إلى غطاء الذهب لن يحدث بين عشية وضحاها، لكنه أضاف أنه سيحدث حتما؛ «لأن فشل جميع التوجهات الأخرى سيتضح قريبا أمام الشعب الأميركي».

وأضاف بيل: «هل نقترب الآن من نقطة تحول؟ يمكن القول بذلك. والتساؤل الأكبر هو هل ستنجح الحكومة ومصرف الاحتياطي الفيدرالي في السيطرة على الاقتصاد من دون العودة للذهب؟».

*خدمة «نيويورك تايمز»