هل الهدوء في سوق السندات الأميركية حقيقي أم الذي يسبق العاصفة؟

نسبة بيعها لم تتجاوز 2% رغم توتر أسواق المال

TT

في ظل إخفاق الكونغرس والرئيس أوباما مرة أخرى في كسر جمود الوضع المتعلق بحدود الدَّين، وجهت «وول ستريت» وواشنطن انتباههما إلى سؤال هام، وهو: ما المدة التي سيمهلها لهم المستثمرون؟ وقال ويليام ديلي، كبير موظفي البيت الأبيض في برنامج «فيس ذا نيشين» صباح الأحد على قناة «سي بي إس»: «ربما يكون أمامنا بضعة أيام من التوتر بالنسبة إلى السوق والعالم والأميركيين». ويشير رد الفعل الأوليّ للأزمة إلى قلق في الأسواق العالمية مع فقدان الدولار قوته مقابل العملات الأخرى وتراجع العقود الآجلة في أسواق المال الأميركية وارتفاع أسعار الذهب الذي يعد مخزنا للقيمة خلال أوقات الشك والضبابية.

ولكن رغم ذلك تمتعت سوق سندات الخزانة الأميركية، التي تعتبر منذ مدة طويلة أكثر الملاذات أمانا والتي يتم اللجوء إليها في العالم، باستقرار نسبي لأسابيع.

يقول فريد ديكسون، كبير المخططين الاستراتيجيين في شركة «ديفيدسون كامبينيز» للسمسرة وإدارة الأموال في مونتانا: «ليس من المفاجئ رؤية القليل من ردود الأفعال العالمية على عدم وجود أي مؤشر يدل على قرب التوصل إلى اتفاق. ربما تبلغ نسبة بيع السندات من 1 إلى 2 في المائة». من المبكر جدا معرفة مدى تأثير الجمود على الأسواق خلال الأسبوع وما إذا كان معدل بيع السندات سيزداد أم لا.

وصرحت وزارة الخزانة بأن الحكومة لا بد أن تصل إلى اتفاق بحلول الثاني من أغسطس (آب) وإلا فسوف تخاطر بالعجز عن الوفاء بالتزاماتها مثل الفوائد على الدين أو الضمان الاجتماعي أو دفع رواتب للموظفين الفيدراليين لفترة مؤقتة.

يعتقد بعض المستثمرين أن الولايات المتحدة سوف تتراجع عن موقفها الخاص بالدين. وقد أوضح محللون أن الحكومة أوشكت على التوصل إلى اتفاقات مالية هامة في الماضي دون انهيار كبير في السوق. لكن يظل القلق الأكبر في الأسواق متمثلا في فقدان ثقة المستثمرين في سندات الخزانة والاتجاه نحو بيعها، وهو ما من شأنه أن يقلل من قيمتها ويزيد من أسعار الفوائد عليها. وقال جون كانافان، محلل سوق في شركة «ستون أند مكارثي ريسيرش» البحثية في برنستون بنيوجيرسي، إنه يعتقد أن المستثمرين قد يبيعون بعض سندات الخزانة الأميركية لشراء سندات ألمانية أو أصول في آسيا وفي أسواق الدول ذات الاقتصاديات الناشئة. وأشار إلى أن المستثمرين الأجانب يمتلكون حصة كبيرة من الدَّين الأميركي أكثر مما كان الوضع عليه منذ عدة عقود. ويضيف كانافان: «إنهم لا يمتلكون تلك السندات بدافع الشعور الوطني، لذا سوف يتخلصون منها إذا شعروا أن الاحتفاظ بها يمثل خطرا عليهم». وأجاب كانافان دون تردد عند سؤاله متى سيصبح المستثمرون أكثر عصبية وتوترا، قائلا: «الآن. هناك استثناء في حال ما إذا توصلوا إلى صفقة، لكن بالنظر إلى الإخفاق الذي شهده الأسبوع الحالي، أعتقد أن ثقة السوق تتراجع».

لم يكن هناك رد فعل قوي في الأسواق الآسيوية يوم الاثنين، حيث تراجع كل من مؤشري «ني كاي 225» في اليابان و«ستريت تايمز» في سنغافورة بنسبة 0.8 في المائة. وتراجع مؤشر «ستاندر أند بورز» في أستراليا بنسبة 1.6 في المائة، بينما تراجع مؤشر «شانغهاي كومبوزيت» في البورصات الصينية بنسبة 3 في المائة مع بيع المستثمرين لأسهم البنية التحتية بعد حادث اصطدام قطار هائل في شرق الصين نهاية الأسبوع الماضي.

وارتفعت أسعار الذهب إلى أقصى معدلاتها الاسمية، حيث تجاوز سعر الأوقية 1622 دولارا وبلغ سعر تداوله 1617 دولارا بحلول فترة ما بعد الظهيرة في آسيا. وانخفضت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندر أند بورز 500 ستوك» بنحو 1 في المائة. وتراجعت البورصات الأوروبية بنسبة 1 في المائة أو أقل، بينما تأرجح سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى. لكنه عاود الارتفاع مقابل اليورو والجنيه الإسترليني، لكنه انخفض مرة أخرى مقابل الين وانخفض إلى أدنى مستوياته مقابل الفرانك السويسري، الذي عادة ما يُنظر إليه باعتباره مخزنا آمنا للقيمة. وكثيرا ما يكون من الصعب تحديد لحظة بداية الذعر، فالأزمة المالية عام 2008 على سبيل المثال تعود إلى صيف 2007، لكنها لم تؤدِّ إلى فوضى شاملة في السوق لأكثر من عام. وقال الكثير من المسؤولين الحكوميين خلال تلك الفترة إن الموقف تحت السيطرة.

يشمل الوضع في الولايات المتحدة بعض المكونات الكلاسيكية لاضطرابات عملية البيع على حد قول المؤرخين الماليين. يحدث الذعر أحيانا عندما يحيط الشك بأحد الأصول التي ينظر إليها باعتبارها آمنة للغاية. وتتضمن الحالات الأخرى من الاضطرابات المالية التكهنات المبالغ بها في استثمار بعينه، والذي كثيرا ما يكون آمنا جدا ويتضمن أحيانا أسعار الفائدة المنخفضة. ويعتقد بعض المؤرخين الماليين أن الأسواق أصبحت أكثر عرضة للذعر عما سبق بسبب ضخّ كمية كبيرة من النقود في استثمارات قصيرة الأجل مثل صناديق سوق المال. ويرى ديفيد موس، أستاذ السياسات الاقتصادية بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، أن الوضع الحالي غير عادي، وإن كان ذلك على نحو يتسم بالأهمية. وأوضح أن سندات الخزانة مخزن آمن للقيمة خلال فترات الذعر، لذا ربما لا يهرب منها الناس. وأضاف موس أن النتيجة قد تكون «اندفاعا جنونيا» بعيدا عن سندات الخزانة أو «عدم اتخاذ موقف بسبب عدم اليقين».

لقد كانت سندات الخزانة السبب المحوري للذعر في الولايات المتحدة من قبل، لكن أشار ريتشارد سيلا، أستاذ المالية في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك، إلى أن التاريخ الأميركي يقدم أمثلة لذلك، حيث في عام 1792 عندما عانى أحد متداولي سندات الخزانة من مشكلات، أدى ذلك إلى ارتفاع حاد في السوق وخسرت السندات 25 في المائة من قيمتها.

بعد ذلك بمائة عام اضطر الكونغرس إلى عقد جلسة طارئة بسبب نقص احتياطي الذهب في وزارة الخزانة مع تخلي المستثمرين الأجانب عن الدولارات مقابل الذهب على حد قول سيلا. وأوضح قائلا: «يمكننا الآن التحدث عن الذي يمكن أن يحدث إذا باعت الصين كل ما تملكه من سندات الخزانة الأميركية. في عام 1893 فعل المستثمرون الأجانب هذا بالضبط». تقدير سيلا الأولي للوضع الحالي هو «أنهم يلعبون بالنار في واشنطن العاصمة الآن». وقال كيفين فلاناغان، رئيس الدخل الثابت في «مورغان ستانلي سميث بارني»، عن ذلك: «عندما تكون في مجال السندات يكون التفكير في التخلف عن السداد وكأنه مادة الكريبتونايت التي تضعف سوبرمان، لذا فهي كلمة لا ترغب في سماعها». لكن ربما لأنه لا أحد يريد أن يتحدث بجدية عن الذعر، قال موس وسيلا وفلاناغان إنهم لا يعتقدون في قدرة واشنطن على التوصل إلى اتفاق قبل الثاني من أغسطس (آب) المقبل. وسيؤدي هذا إلى تجنب التخلف الفني عن السداد قصير المدى والتخلف غير الدائم عن السداد الذي يمكن أن يحدث إذا اضطرت الحكومة إلى تأجيل سداد بعض الالتزامات المالية بشكل مؤقت، في الوقت الذي يتم التوصل فيه إلى اتفاق خاص بالميزانية.

إضافة إلى مراقبة مؤشرات السوق مثل أسعار الفائدة على سندات الخزانة. وقال المتداولون إنهم كانوا يتوقون إلى معرفة ما إذا كانت وزارة الخزانة سوف تعلن يوم الاثنين عن خفض حجم مزاد السندات الجديدة خلال الأسبوع الحالي أم لا. وقد خفّضت الوزارة حجم السندات المطروحة في المزاد على مدى الشهر الماضي لإتاحة المزيد من المرونة في حال عدم زيادة حد الدين الأسبوع المقبل.

وقال موس انه لا يعتقد أن الكثيرين كانوا يظنون أن الدولة قد تتجه إلى خطر التخلف الكامل عن سداد ديونها وترفض الدفع. لكنه قال إن الذعر قد «يكتسب حياة قائمة بذاتها» في حال انقضاء المهلة التي تنتهي في الثاني من أغسطس (آب) على سبيل المثال، وفي حال ضرورة فسخ العقود التي تعتمد على السندات. عندما يتعلق الأمر بالمستثمرين الدائمين، لا يرى ديفيد أرمسترونغ، المستشار المالي في واشنطن والمدير التنفيذي لمؤسسة «مونيمينت ويلث ماندجمنت»، الكثير من الذعر، فقد اتصل به عميلان فقط من 125 عميلا الأسبوع الماضي، بينما لم يتصل به أحد خلال نهاية الأسبوع. ويوضح قائلا: «لا يبدو أن الناس يعتقدون أن الأمر سينتهي بالتخلف عن السداد. يتحدث الجميع عن ذلك، بينما لا يشعر أحد بالذعر منه».

* خدمة «نيويورك تايمز».

*ساهم في الإعداد بيتينا وازنر من هونغ كونغ، وديفيد جولي من باريس.