الخطة الأوروبية الثالثة هل هي لإنقاذ اليونان أم البنوك؟

البنوك والمستثمرون ضحوا بـ78 مليار دولار مقابل ضمان عدم خسارة 200 مليار يورو

وزير المالية اليوناني أثناء وصوله أمس إلى مقر معهد التمويل الدولي لمناقشة تفاصيل مشاركة البنوك في خطة الإنقاذ الثالثة (رويترز)
TT

تبدو آخر الخطط الأوروبية لإنقاذ اليونان من الإفلاس كأنها خطة لإنقاذ المصارف الأوروبية؛ حيث وافقت المصارف على تقديم مبلغ متواضع نسبيا ضمن خطة الإنقاذ، لتحصل على ما هو أكثر قيمة على حد قول محللين. ألقت الخطة الجزء الأكبر من الخطر اليوناني على كاهل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ساعدته في تبديد المخاوف من أن تتحول الديون اليونانية السيادية إلى أزمة مالية ثانية للمصارف في أوروبا.

ربما يثير الاتفاق، الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي في بروكسل، غضب الذين يعتقدون أن أفضال دافعي الضرائب على المصارف كثيرة بما يكفي، لكن طالما كانت أزمة الديون اليونانية متعلقة بالمصارف أكثر مما هي متعلقة باليونان، وإذا تمكن الاتفاق من المساعدة في استعادة الثقة، فستتمكن المؤسسات الصغيرة من الاقتراض مرة أخرى، وبالتالي لا تعتمد على المصرف المركزي الأوروبي في التمويل. يقول كارل فاينبورغ، كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة «هاي فريكوينسي إيكونوميكس» في فالهالا بنيو جيرسي: «أرى هذا توظيفا جيدا للموارد، حيث يحول دون تفاقم الوضع الذي من شأنه أن يسبب شللا في القطاع المصرفي».

الأمر الغريب هو ذهاب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى بروكسل، الأسبوع الماضي، وتعهدها بجعل المصارف تدفع حصة من المعونات المقدمة لليونان، لكن يبدو أنها قد أسدت إليهم صنيعا دون قصد.

تدعو الخطة، التي اتفقت عليها ميركل وقادة دول أخرى، المصارف إلى التطوع بتبديل بعض سندات الحكومة اليونانية التي يملكونها، مقابل أوراق مالية أكثر استقرارا ومدعومة بضمان من دول منطقة اليورو، وعلى الرغم من أن هذه العملية تطوعية، فإن وكالة «موديز إنفيستورس سيرفيس» حذرت، يوم الاثنين الماضي، من احتمال أن يتم اعتبار هذا الإجراء تخلفا لليونان عن سداد الدين. وخفضت «موديز» من التصنيف الائتماني لليونان بمقدار ثلاث درجات، بحيث أصبحت لا يفصلها عن درجة التخلف عن السداد سوى درجة واحدة، وصرحت الوكالة قائلة إن الخطة سوف تفيد أوروبا من خلال «احتواء خطر العدوى الذي من الممكن أن يعقب التخلف عن سداد الديون اليونانية». وسوف يكلف هذا التبادل، الذي دعمه قادة الدول الأوروبية، الخميس الماضي، المصارف والمستثمرين 54 مليار يورو، أي ما يعادل 78 مليار دولار بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي، الذي يمثل مصارف وشركات تأمين في المفاوضات مع الحكومات الأوروبية.

يبدو هذا مبلغا كبيرا من المال، لكن كما قال فاينبورغ، اتجهت أنظار المصارف منذ أسبوع مضى إلى احتمال أن تنزلق اليونان في مأزق التخلف عن السداد؛ بسبب خسائر تقدر بنحو 200 مليار يورو. وقال فاينبورغ: «مقارنة بخسارة الـ200 مليار يورو، يبدو لي أن الاتفاق جيد». وأوضح أنه في كل الأحوال قد يتبين أن تكاليف المصارف أقل بكثير من 54 مليار يورو. ولا تزال المؤسسات المالية تتعامل بشكل كبير مع اليونان، على حد قول تشارلز دالارا، المدير التنفيذي لمعهد التمويل الدولي الذي لعب دورا مهما في المفاوضات. وترى المنظمة أن سندات المستثمرين في القطاع الخاص لا تزال تخاطر بـ200 مليار يورو من خلال أسعار فائدة مستقبلية تدفعها اليونان، إضافة إلى ذلك، سيتم دعم ثلث الأوراق الجديدة التي سوف يحصل عليها الدائنون اليونانيون بضمان، على حد قول دالارا، لكنه يرى أن الاتفاق سوف يساعد في إبعاد مشكلات اليونان عن المصارف. وقال دالارا: «لقد أضفى هذا دعامة استقرار جديدة على المشهد المالي الأوروبي، وهو ما كان يفتقده خلال الأسبوع الماضي». وأشار إلى أن اتفاق بروكسل يأتي بعد أسبوع من إجبار واضعي القواعد المنظمة المصارف على الكشف عن تفاصيل تعاملاتها في السندات اليونانية، وقد ساعد هذا الإجراء على جلاء الشكوك بشأن مكمن المخاطرة.

ويلاحظ أن أسعار أسهم المصارف الأوروبية ارتفعت، الأسبوع الماضي، كثيرًا، حيث بدا أن المستثمرين متفقون على أن المؤسسات أصبحت أقوى بعد محادثات بروكسل، وتراجعت أسهم المصارف يوم الاثنين الماضي، لكن يعود هذا التراجع، على ما يبدو، إلى الجمود الذي شهدته المفاوضات الأميركية الخاصة بالميزانية، أكثر مما يعزى إلى الوضع في أوروبا.

وسيشهد يوم الثلاثاء المقبل اختبارا مهما، عندما يكشف المصرف المركزي الأوروبي عن طلب قروض مدتها أسبوع، من مصارف في دول منطقة اليورو، وقد ازداد حجم تلك المبالغ، الأسبوع الماضي، مما يشير إلى أن الكثير من المصارف تعاني من مشكلات في الاقتراض من مصارف أخرى، وإذا تراجع الطلب يوم الثلاثاء وخلال الأسابيع المقبلة، فسيعد ذلك مؤشرا على بداية تبدد التوترات. وقال فاينبورغ: «تشك المصارف بعضها في بعض؛ لأنها لا تعرف من الذي يتحمل المسؤولية». وسيتضح تأثير اتفاق الديون اليونانية في تقارير المصارف الربع سنوية، وستبدأ المؤسسات في خصم التراجع في قيمة ما تملكه من سندات يونانية من الأرباح، ربما خلال الأسبوع الحالي، على الرغم من أن أكثر المصارف سوف تنتظر حتى يتم تبادل السندات، التي لم يتم تحديد موعد محدد لها بعد، لكن ربما تبدأ في نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، بحسب وكالة «رويترز».

يقول مصرفيون إن تفاصيل تبادل الديون والأمور الأخرى الواردة في خطة الإنقاذ، لا تزال ضبابية وغير واضحة؛ لذا كان من الصعب تقدير التأثير الحقيقي للاتفاق، ولا تزال الشكوك تساور الكثير من المحللين. وقال لورانس غودمان، مدير مركز الاستقرار المالي في نيويورك، في بيان: «سوف يثبت توجه أكثر عمقا الحاجة إلى استعادة النمو في اليونان، والحد من خطر انتشار العدوى». وتظل بعض المصارف متشككة في قدرة الاتفاق على التعامل مع الديون اليونانية. وقال كارلوس سانتوس فيريرا، الرئيس التنفيذي لمصرف «ميلينيوم بي سي بي»، أكبر مصرف خاص في البرتغال، خلال مقابلة، يوم الاثنين الماضي، إنه يشعر بـ«مشاعر مختلطة» بخصوص ما إذا كان ينبغي على مصرفه ومصارف أخرى في البلاد، وهي بحاجة إلى إنقاذ هي أيضا، الانضمام إلى اتفاق تبادل الديون أم لا. ويعد مصرف «ميلينيوم بي سي بي» من الجهات التي تملك الجزء الأكبر من الديون السيادية لليونان وقدرها 700 مليون يورو، ومن المقرر أن يناقش مجلس إدارة هذا المصرف هذا الأمر خلال الأسبوع الحالي، وقال: «أعتقد أن الموقف مختلف بالنسبة إلى المصارف وشركات التأمين في البلاد التي تحتاج إلى خطة إنقاذ».

ومن الأسئلة المهمة الأخرى: كيف سيؤثر الاتفاق على المصارف اليونانية التي تعاني من ضغوط، والتي تعد من الجهات التي لها النصيب الأكبر من الديون اليونانية؟ لكن كما أوضح ارتفاع أسعار السندات السيادية لليونان، الأسبوع الماضي، يعيد الاتفاق بعض القيمة إلى الديون اليونانية، وهذا يعني أن المصارف الموجودة في أثينا قد تكون قادرة على استخدام السندات اليونانية، كضمان للاقتراض من مصارف أخرى، والتقليل من الاعتماد على المصرف المركزي الأوروبي، ودعم إقراض القطاع الخاص اليوناني المتعطش للقروض.

*خدمة «نيويورك تايمز»

*ساهم رافاييل مايندر في إعداد هذا التقرير من لشبونة