أي المستثمرين لن يسدد لهم إذا لم يرفع سقف الدين الأميركي؟

الخزانة تدرس الخيارات والمستثمرون يقيمون «الملاذات الآمنة»

TT

تستعد وزارة الخزانة للإجابة عن تساؤل عمدت لتجنبه لشهور: وهو ماذا لو أن الأموال المتوافرة لديها لا تكفي الجميع، فمن من المستثمرين سيترك صفر اليدين؟

في هذا الصدد أفاد مسؤولون، مساء أول من أمس، بأن وزارة الخزانة ستدرس القضية في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلا إذا اتضح أن الكونغرس سيصوت بحلول 2 أغسطس (آب) على السماح للحكومة باقتراض مزيد من المال. ومع ذلك، تبقى الخطوط العامة للإجابة واضحة، حيث ذكر مسؤولون مرارا أن وزارة الخزانة لا تملك سلطة قانونية تخول لها سداد فواتير تقوم على اعتبارات سياسية أو أخلاقية أو اقتصادية. وليس بإمكانها، مثلا، تنحية الفواتير الواردة من شركات الأسلحة لتوفير أموال لصالح برامج رعاية الأطفال.

وتحمل المؤشرات رسالة ضمنية مفادها أن الحكومة سيتعين عليها سداد فواتيرها حسب الترتيب الزمني لوقت استحقاقها. وعليه، حذر الرئيس أوباما من أن الحكومة «لا يمكنها ضمان توفير» أموال لصالح برامج الضمان الاجتماعي والبرامج الأخرى التي تحظى بتأييد شعبي. وعمد مسؤولون إلى تفنيد تأكيد بعض أعضاء الحزب الجمهوري على أن الحكومة بمقدورها منح أولوية لمدفوعات الفائدة. من ناحية أخرى، يقدر بعض المحللين المستقلين أن هناك أموالا كافية لسداد الفواتير الوطنية حتى 10 أغسطس، بينما رفضت وزارة الخزانة الإفصاح عن تقديرها.

من جهته، حذر جاي كارني، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض أمام حشد من الصحافيين، أول من أمس، من أنه: «ستسير البلاد بقوة القصور الذاتي بدءا من منتصف ليلة 2 أغسطس لما بعد ذلك». ومع نفاد الوقت الباقي، تسارعت وتيرة الاستعدادات وازدادت أهمية عملية التخطيط لما بعد 2 أغسطس عبر عقد اجتماعات صغيرة لم يتعامل معها حتى المشاركون على محمل الجد في الأيام الماضية.

وما تزال اللقاءات مستمرة بين وزير المالية تيموثي إف. غيتنر، والمسؤولين المعنيين بقضايا المالية، وخصص الوزير غالبية وقته الآن لتقديم المشورة للرئيس والعمل على دعم وزارته وسط التحديات التي ربما تواجهها خلال الأسابيع المقبلة. الواضح أن التحديات الفنية القائمة هائلة. حيث تحتفظ الحكومة بالنقد المتاح لها في مصارف إقليمية تتبع المصرف الفيدرالي، والتي تصدر مدفوعات بناء على توجيهات من وزارة الخزانة. ويجب تعديل هذه العملية، التي تسير في الجزء الأكبر منها على نحو تلقائي، للسماح بالتدخل البشري.

وبدأ مسؤولون في تناول التداعيات المحتملة لحدوث وقف للمدفوعات. وأعلنت الوكالة الفيدرالية التي تتولى الإشراف على المصارف الوطنية، الأربعاء، أنها ستخطر المصارف بضرورة «التعامل بحكمة» قبل فرض عقوبات على العملاء الذين أفرطوا في السحب من حساباتهم بسبب عدم ورود أموال حكومية في مواعيدها المقررة.

وسط هذه الربكة التي أصابت العصب الحي للتمويلات الأميركية، يسعى مستثمرون للعثور على بدائل لسندات الخزانة الأميركية مع تصاعد القلق من فشل أعضاء الكونغرس في التوصل لاتفاق لكبح جماح العجز ورفع مستوى الحد الأقصى المسموح به للديون خلال الأيام القادمة. وقد حول البعض الأموال إلى سندات شركات، بينما بدأ آخرون في إغفال الأرباح تماما ويخزنون أموالهم في صورة نقد، بينما يتطلع المزيد من المستثمرين نحو ملاذات آمنة ذات طابع أكثر كلاسيكية مثل الذهب والفرنك السويسري. الواضح أن المستثمرين بدأوا يبدون حذرا أكبر إزاء الأسهم. جدير بالذكر أن الأسهم تراجعت الأربعاء في خضم قلق متنامٍ إزاء الورطة التي تجد فيها واشنطن نفسها الآن ومستقبلها الاقتصادي المحتمل. وطبقا لحسابات مؤشر «ستاندرد أند بورز» الذي يضم 500 سهم، أغلقت السوق الأوسع بتراجع بنسبة 2.03%، أو ما يعادل 27.05 نقطة، إلى 1.304.89. وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 198.75 نقطة، أو 1.59%، إلى 12.302.55، في رابع تراجع له على التوالي. ومع ذلك، ظلت أسعار سندات الخزانة متماسكة، الأربعاء، مع ارتفاع أسعار سندات العشر سنوات نقطتين أساسيتين إلى 2.98%. ويكشف ذلك أن الطلب ما يزال صحيا على الديون الحكومية البالغ قيمتها قرابة 10 تريليونات دولار والجاري التداول فيها داخل النظام المالي العالمي.

ويساور المستثمرين القلق إزاء إمكانية أن يسفر تقليل درجة تصنيف ديون الحكومة الأميركية من جانب وكالات التصنيف الائتمانية، أو حتى الاحتمالية الأبعد المتمثلة في عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها، عن تقليص قيمة الأوراق المالية الصادرة عن الخزانة الأميركية، والتي جرى النظر إليها لفترة طويلة باعتبارها تخلو من أي مخاطر. وتكمن المشكلة في النهاية أن الأمان من الصعب العثور عليه.

من جهته، تساءل كارل كوفمان، الذي يساعد في إدارة صندوق «أوسترويز ستراتيجيك إنكوم» الذي تقل أمواله قليلا عن ملياري دولار ويتخذ من سان فرانسيسكو مقرا له: «إلى أين عليك اللجوء؟» وأضاف أنه يكدس سندات مرتفعة العائد، مثل تلك الصادرة عن «إتش سي إيه»، الشركة المسؤولة عن تشغيل مستشفيات، و«دولار جنرال»، شركة بيع التجزئة.

في الوقت ذاته، تتطلع مؤسسات استثمارية أخرى نحو أسواق ناشئة سريعة النمو. مثلا، يستثمر دانييل أربيس، مدير صندوق «زيريون» البالغة قيمة أمواله 3 مليارات دولار والتابع لـ«بيريلا وينبرغ بارتنرز» في نيويورك، في شركات تستفيد من النمو القوي بدول أجنبية، خاصة دول مثل الصين وأسواق آسيوية أخرى. ومن بين الاستراتيجيات الأخرى التي يفضلها الاستثمار في الموارد الطبيعية والمعادن الثمينة مثل الذهب والتي تحتفظ بقيمتها حتى إذا تراجعت قيمة العملات الورقية.

وقال: «تلك هي ملاذاتنا الآمنة، وليس سندات الخزانة الأميركية. عليك أن تتمسك بمواقفك عن قناعة وتركز على نقاط ثابتة في الأفق». وجدير بالذكر أن الذهب، الذي يجري تداوله بأسعار قريبة من المستويات القياسية، تراجع قليلا، الأربعاء، ليغلق عند مستوى 1615 دولارا، بارتفاع بنسبة تقارب 40% عن مستواه منذ عام مضى. وقفز الفرنك السويسري، أحد الملاذات الكلاسيكية الأخرى للمستثمرين المهتمين بالأمان، بنسبة 17% تقريبا هذا العام أمام الدولار الأميركي. وأما الملاذات الآمنة التقليدية الأخرى، مثل أسواق الأسهم والعملات في اليابان وأوروبا التي ربما كانت مغرية للمستثمرين فيما مضى، ففقدت جاذبيتها اليوم، بالنظر إلى بطء معدلات النمو وتفاقم مشكلات الديون بهذه المناطق. عن ذلك، قال توبياس ليفكوفيتش، الخبير الاستراتيجي الأول بشؤون الأسهم العادية لدى «سيتس غروب»: «الأمان مفهوم نسبي. يجب أن تكون هناك بدائل، والبدائل ليست جذابة».

والملاحظ أيضا أن الشركات تتخذ موقفا دفاعيا، حيث تعمد إلى تخزين النقد بمستويات قياسية. ومع اقتراب الموعد النهائي لضرورة توصل واشنطن لاتفاق بشأن رفع حد الدين الأقصى، ربما يقدم الكثيرون على اتخاذ إجراءات عملية، تبعا لما كشفه مسح لـ305 شركات أجراه «اتحاد المهنيين الماليين» هذا الشهر.

وذكرت ربع الشركات تقريبا أنها ستبيع بعض أو كل ما تملكه من سندات الخزانة، بينما قالت 28% أخرى إنها لن تضيف مزيدا من سندات الخزانة إلى محافظها. وأقل قليلا من نصف الشركات قالت إنها لن تتخذ أي تغييرات مهمة فيما يخص مواقفها الراهنة.

وتعمل صناديق الأموال السوقية، التي تملك في العادة كميات ضخمة من سندات الخزانة قصيرة الأجل، على تعزيز مواقفها فيما يخص النقد تحسبا لسعي مستثمرين لاستعادة أموالهم، حسبما أوضح جوزيف أبيت، خبير استراتيجيات أسواق المال لدى «باركليز كابيتال». وتحتفظ الصناديق التي تملك أموالا حكومية فحسب بقرابة 70% من أصولها في صورة أوراق مالية تصبح مستحقة الدفع في غضون أقل من أسبوع، بارتفاع عن نحو 50% منذ ثلاثة شهور.

اللافت أن الصناديق تنقل مزيدا من أصولها لصورة أوراق مالية يبلغ أجل استحقاقها في غضون يوم، بدلا من خوض مخاطرة الاحتفاظ بأوراق مالية لأسبوع أو لفترة أطول. كما تحاول هذه الصناديق التخلص من الأوراق المالية الحكومية المستحقة خلال أول أسبوعين من أغسطس، خشية أن يؤدي انهيار في المحادثات الجارية حول الديون لإجبار الحكومة على تفويت أجل سداد. وتتجلى انعكاسات المخاوف حيال عجز الحكومة عن سداد ديونها على سوق المشتقات أيضا.

مثلا، هناك مشتقات بقيمة 4.9 مليار دولار تعرف باسم مبادلة التزام مقابل ضمان، والتي تحمي من مخاطرة العجز عن السداد فيما يتعلق بالديون الحكومية، وقطعا ستتضرر حال عجز الحكومة عن سداد المدفوعات المرتبطة بسنداتها. ويزيد ذلك بمقدار مليار دولار عمان كان عليه في مايو، طبقا لما ذكرته «ماركيت غروب»، وهي شركة معنية بالبيانات المالية في لندن. مع تقدم الصيف، ارتفعت تكلفة شراء هذا النمط من التأمين، والذي يعد في جوهره رهانا على أن الحكومة الأميركية ستعجز عن سداد ديونها، إلى 84.000 يورو سنويا (121.450 دولارا) لتأمين سندات خزانة بقيمة 10 ملايين يورو، وذلك بارتفاع عن 35.000 يورو (50.600 دولار) في يونيو (حزيران).

* خدمة «نيويورك تايمز»