مساع لحل الخلاف بشأن ميزانية الاتحاد الأوروبي

اتفاق على استئناف التفاوض بشأنها

مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

قالت الرئاسة البولندية الحالية للاتحاد الأوروبي، إن معظم الدول الأعضاء أقرت مقترحات المفوضية الأوروبية بشأن موازنة طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي، واعتبروها أساسا جيدا لمزيد من المفاوضات حول هذا الصدد، وجرى ذلك خلال اجتماع غير رسمي لوزراء الشؤون الأوروبية استمر لمدة يومين في مدينة سوبوت البولندية، ونقل بيان وزع في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي عن وزير الشؤون الأوروبية البولندي ميكولاي ديوجلويش قوله «لقد حصلت الرئاسة البولندية للاتحاد على دعم واضح لمواصلة المفاوضات حول الموازنة طويلة الأمد»، ومن خلال البيان قالت الرئاسة الحالية للاتحاد إنه، «إذا كانت المناقشات تركز على الإطار المالي الجديد، وتحديد السياسات لمدة عشر سنوات قادمة، فإن الأمر يقتضي عدم التركيز فحسب على الاحتياجات المالية الحالية مثل تعزيز المالية العامة، ولكن ينبغي أيضا إعطاء أهمية للتحديات التي يمكن أن يواجهها الاتحاد الأوروبي في المستقبل، ولذلك لا بد أن نضمن أن تصبح الموازنة الأوروبية أداة استثمارية فعالة». ومن جانبه، قال ماروش سيفكوفيتش، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، «لقد استمع كل طرف إلى وجهة نظر الآخر، لقد ناقشنا كيفية عرض الموازنة الأوروبية وتوفير القيمة المضافة»، بينما قال يانوس ليفانكوفسكي، المفوض الأوروبي المكلف شؤون الموازنة والبرامج المالية، إن «المفاوضات المتعلقة بالموازنة طويلة الأمد أشبه بسباق الحواجز، ونجحنا في تخطي الحاجز الثاني وعلينا استخلاص الدروس مما حدث في عام 2004، بشأن مقترحات للجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي حول الموازنة». وقال البيان إن المناقشات شهدت اتفاقا على ضرورة أن تحقق الموازنة طويلة الأمد أهدافا استراتيجية 2020، على الرغم من وجود خلافات على بعض النقاط في مقترحات المفوضية حول هذا الصدد، وطالب البعض بزيادة موازنة الاتحاد، لتمويل المهام الجديدة التي تضمنتها معاهدة لشبونة، واتفق الجميع على أهمية السياسة الزراعية ودورها في سير العمل بالسوق المشتركة. وفي ختام الاجتماعات التي شارك فيها أعضاء في البرلمان الأوروبي، جرى الاتفاق على عقد المفاوضات بين الأطراف المختلفة حول الموازنة طويلة الأمد في سبتمبر (أيلول) القادم. وكان مانويل باروسو، رئيس الجهاز التنفيذي الأوروبي، قال في بيان في وقت سابق، إن المفوضية قدمت مؤخرا رؤيتها لموازنة الاتحاد للفترة من 2014 إلى 2020، وقال «ركزنا خلالها على تعزيز الازدهار وخلق فرص العمل وروح التضامن لتحقيق التماسك الاجتماعي والاقتصادي والإقليمي لجميع الدول الأعضاء». وأشار باروسو إلى أن جعل أوروبا أكثر قوة في المستقبل يتطلب تحسين التنسيق والاتصالات والتعاون في المجالات المختلفة، وتقوية السوق الموحدة، والتماسك الإقليمي والاقتصادي، وزيادة الاستثمار في التعليم، والتدريب، والبحث والابتكار، وتحديث السياسات الزراعية، وغير ذلك. يأتي ذلك بينما لاقت اقتراحات رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو المطالبة بإقرار ميزانية أوروبية طويلة المدى، من خلال فرض ضرائب جديدة على مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - انتقادات في ألمانيا. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي في برلين إنه لا حاجة لفرض مثل هذه الضرائب لأن الاتحاد الأوروبي يعاني مشاكل مالية. من جهته، اعتبر الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم ألكسندر دوربينت أن القيام بهذه الخطوة أمر يتعارض مع الاتفاقيات الأساسية للاتحاد الأوروبي. وكانت المفوضية الأوروبية قدمت تصوراتها بشأن الأطر المالية للاتحاد الأوروبي، حيث اقترحت على الاتحاد الأوروبي إقرار ميزانية طويلة المدى للاتحاد الأوروبي، تتطلب جباية ضرائب بقيمة مليار يورو بين عامي 2014 و2020، وذلك من خلال فرض الضرائب على التحويلات المالية، التي يقوم بها مواطنو الاتحاد الأوروبي، وكذلك من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة، وقالت محطة «يورونيوز» الأوروبية حول هذا الموضوع «إنه إعلان حرب صريح على لندن ذلك الاقتراح الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية في بروكسل لفرض ضرائب على المعاملات البنكية لتمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي. يعود أصل الفكرة للاقتصادي جيمس توبين والتي حصل بسببها على جائزة نوبل من ثلاثين عاما. ومن المتوقع أن يصل مردود هذه الضرائب ما بين خمسين إلى سبعين مليار يورو سنويا؛ لكن عواقبه قد تكون مؤلمة، فالبنوك والمصارف ستهجر لندن باتجاه الولايات المتحدة وآسيا. على الأقل هذا ما تقوله السلطات البريطانية التي اعتبرت هذه المبادرة عبثية تماما. فلندن تعتقد أن الأوروبيين لا يمكنهم التصرف بمفردهم في هذا الملف. كما أنها تدرك جيدا أن رفضها سيكون كافيا لوأد المشروع لأن القرار يجب أن يؤخذ بالإجماع. فإذا كان الأمر كذلك فما الهدف من وراء هذا الاقتراح؟ الإجابة لإرضاء الرأي العام كما يقول خورخي فيرير، الخبير بمركز دراسات السياسات الأوروبية: عندما نسمع كل يوم في وسائل الإعلام أن البنوك تحقق أرباحا وأن كثيرا من الناس يحصلون على عوائد من هذا، فلا جدال أنك عندما تأتي لتقول سوف نفعل شيئا حيال ذلك بفرض هذه الضريبة فإن هذا سيؤثر على الرأي العام». وبحسب العديد من المراقبين الأوروبيين، قلق الدول الأعضاء من زيادة الميزانية، دفع جوزيه مانويل باروسو إلى الخروج بفكرة جديدة: استقطاع واحد في المائة من ضريبة القيمة المضافة التي تحصلها الدول الأعضاء وتحويلها مباشرة إلى الميزانية. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الاقتصادات الأوروبية الهشة والمثقلة بخطط تقشف صارمة لن تستطيع تحمل زيادة مقدارها خمسة في المائة، وهي لديها الوقت الكافي للمقاومة فالمعارك من أجل زيادة الميزانية إلى ألف مليار يورو ستظل مستمرة عامين على الأقل قبل اعتماد الميزانية النهائية التي ستغطي الفترة من 2014 حتى 2020. ورحب البرلمان الأوروبي بالمقترحات التي قدمتها المفوضية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد، حول الموازنات المقبلة للفترة من 2014 إلى 2020، ولكن طالب في الوقت نفسه بالحصول على مزيد من المقترحات تتعلق بإيجاد آليات أكثر للحصول على موارد للموازنة، وضمان المزيد من الشفافية والعدالة لتوفير موارد إضافية وتخفيض مساهمات الدول الأعضاء، وفي بيان صدر عن البرلمان الأوروبي في بروكسل، قال رئيسه جيرسي بوزيك، إن المقترحات التي عرضتها المفوضية تعتبر نقطة ذكية لإطلاق مفاوضات، وتأتي في وقت مهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يواجه ظروفا استثنائية، حيث يتعرض لضغوط بسبب أزمة الديون السيادية، وحالة من عدم الاستقرار في مناطق خارج التكتل الموحد، وفي البيان قال ألان ماسور، رئيس لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي، «لن نصفق اليوم من دون تقشف في الموازنة وضمانات مستقبلية للاستثمارات، ونحن سعداء لأننا نرى أولويات البرلمان الأوروبي تعكسها مقترحات المفوضية الأوروبية»، ودعا ماسور إلى ضرورة طرح ملف كيفية توفير موارد جديدة للموازنة من خلال نقاشات موسعة وليست خلف الأبواب المغلقة، ولا بد من مشاركة البرلمانات الوطنية في هذا النقاش». واقترحت المفوضية، وفي محاولة للحد من الإنفاق على الصعيد الاتحادي، اقتطاع جزء من ضريبة القيمة المضافة وضريبة المعاملات المالية المفروضة على الصعيد الوطني لكل الدول وتحويلها مباشرة إلى الصعيد الأوروبي بهدف دعم الميزانية الاتحادية خلال السبعة أعوام المقبلة وبما يجعلها تصل إلى زهاء 1000 مليار يورو. وتتضمن خطة الميزانية اقتراحات لتجميد نفقات الاتحاد الأوروبي الزراعية والإدارية مقابل زيادة نسبية للنفقات في مجال البحوث والتنمية ومشاريع النقل والتكنولوجيا. وسيتم تقنين الاقتراحات التي تخص الضرائب الجديدة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وتهدف الضرائب الجديدة إلى تقليص حجم مدفوعات حكومات الاتحاد الأوروبي إلى بروكسل، في وقت ستزيد ميزانية الاتحاد بنسبة خمسة في المائة، بما يجعلها تتجاوز 970 مليار يورو، بين الفترة الممتدة بين 2014 و2020، مقابل 925 خلال الفترة الحالية. ويأتي ذلك وسط حالة التقشف الحالية التي تطبق على أوروبا، ويتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط من أجل كبح الإنفاق بينما تدعو بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفنلندا وهولندا إلى زيادة الموازنة بهدف السيطرة على التضخم. وتبلغ قيمة الموازنة الحالية التي تمتد من 2007 إلى 2013 للاتحاد الأوروبي 926 مليار يورو (1332 مليار دولار) في شكل نفقات، أي ما يعادل أكثر قليلا من 1% من الناتج القومي الإجمالي للتكتل الموحد.