اليمن: أزمة المحروقات تتفاقم بسبب انفجار أنبوب النفط وتردي الأوضاع السياسية

مستشار وزارة التجارة لـ «الشرق الأوسط»: الاستهلاك المحلي زاد بنحو مليون برميل سنويا

أزمة وقود حادة يعاني منها اليمن (رويترز)
TT

كشف آخر تقرير أصدرته شركة النفط اليمنية عن تراجع قيمة الصادرات النفطية بشكل ملحوظ، وجاء في التقرير أن حصة الحكومة من الإنتاج في 2007 وصلت إلى 43 مليون برميل صادرات، إضافة إلى 27 مليون برميل استهلاكا محليا، أما في عام 2010 وصل الإنتاج إلى 25 مليون برميل استهلاكا محليا.

ويشار إلى أن قيمة الصادرات في 2007 بلغت أكثر من ثلاثة مليارات دولار، أما في عام 2010 فقد انخفضت إلى 2.7 مليار دولار، مع العلم أن قيمة الصادرات تعتمد على سعر النفط في الأسواق العالمية، مما يعني إمكانية الانخفاض الحاد في العام الحالي بناء على المعطيات، نتيجة الأزمة التي يمر بها اليمن من مطلع مارس (آذار) الماضي.

واعتبر مصدر مسؤول في اليمن أن الطاقة هي عصب الحياة المعاصرة سواء كانت مشتقات نفطية أو طاقة كهربائية، وتوقفها أو صعوبة الحصول عليها يعطل مجرى الحياة، مؤكدا أن ما يحدث من أزمة في المشتقات النفطية ما هو إلا عقاب جماعي للمواطنين، وأن السبب في تفاقم الأزمة والوصول إلى ما هي عليه هو تكاسل وتباطؤ جهات كثيرة، وعزا عدم إيجاد حلول إلى انشغال المسؤولين بالأوضاع السياسية وعدم شعورهم بالأزمة، نتيجة توفر المخصصات من المشتقات النفطية لهم من قبل الدولة، إضافة إلى المولدات الكهربائية المتوفرة داخل منازلهم الخاصة.

وأبلغ «الشرق الأوسط» الدكتور طه الفسيل، مستشار وزارة التجارة والصناعة في اليمن ومسؤول قطاع الأعمال في الوزارة، أن إنتاج اليمن من النفط بدأ في التراجع بشكل كبير ابتداء من سنة 2005 إلى أن وصل إلى ما بين 280 و300 ألف برميل، والذي تسبب فيه عدم تطور السياسة النفطية الاستثمارية، وبقاؤها على شيخوختها، مبينا أن السياسة النفطية الاستثمارية قائمة على علاقات شخصية أكثر منها علاقات مؤسسية تنظيمية، وعدم وجود كوادر وطنية محلية قوية بحيث يتم الاعتماد عليها في تحديد الكميات الإنتاجية وتحديد الاحتياطيات والجوانب الفنية، إضافة إلى الاعتماد الكلي على الشركات الأجنبية في عمليات الضخ والتوزيع والتسويق على الرغم من وجود الشركة اليمنية.

وقدر زيادة الاستهلاك المحلي بنحو مليون برميل سنويا نتيجة ارتفاع الاستهلاك، مؤكدا أن بيانات شركة النفط اليمنية تشير إلى أن الديزل يشكل 49 في المائة من المبيعات مقابل 30 في المائة من البنزين إضافة إلى 7 في المائة من المازوت، وفي عام 2010 تم بيع نحو 3.6 مليون لتر من الديزل، مؤكدا أن الأزمة الحالية تسببت في ارتفاع سعر الديزل من 50 ريالا إلى 500 ريال يمني، نظرا لاستهلاك معظم المخابز والمصانع والمزارع ومعظم المواصلات العامة والناقلات، وقدر صندوق النقد الدولي معدل التضخم بأكثر من 30 في المائة، مما يشكل خطورة كبيرة. وأقر بأن أزمة الديزل ليست بجديدة على اليمن، وإنما تعتبر مشكلة لا حل لها سوى الاستيراد من الخارج منذ فترة طويلة، مبينا أن كمية الإنتاج في مصفاة عدن ومأرب لا تكفي الاستهلاك المحلي، لذا يتم استيراده من الخارج، مرجعا زيادة الاستهلاك إلى انخفاض سعره. ويرى أن كمية الإنتاج بعد حساب حصة الشريك الأجنبي ضئيلة وبسيطة جدا، التي قد تصل إلى نصف الكميات.

وأكد دكتور طه الفسيل، الذي يشغل منصب أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء أيضا، أن تفجير أنبوب النفط أدى إلى توقف إنتاج اليمن من النفط الخام بخسارة تقدر بنحو ملياري دولار، إضافة إلى قلة إيرادات الحكومة نتيجة الأزمة، مبينا أن اليمن في السابق كان بإمكانه شراء الديزل من السوق الخليجية بالتقسيط أو الآجل، أما الآن نتيجة الأوضاع فلا يمكنه الشراء إلا بالدفع المسبق. وأضاف «أحد العوامل التي تسببت في أزمة مشتقات البترول التي يواجهها اليمن هلع المواطنين»، مبينا أن المواطنين أصبحوا لا يكتفون بملء سياراتهم بالديزل وإنما أصبحوا يلجأون إلى شراء كمية إضافية لتخزينها خوفا من نفاد الديزل، مما أدى إلى زيادة في الطلب وشح في العرض.

وأشار إلى تجاوب مدينة عدن ووضع عدة حلول للحد من هذه الأزمة بملء خطوط المشتقات النفطية من محافظة عدن لتعيدها إلى المحافظات الأخرى، وقد أنشأت محطات خاصة لسيارات الأجرة والنقل العام، وحاولت الحد من بيع القطاع الخاص، بإعطاء المواطن ما يكفيه لتعبئة سيارته من دون تعبئة في جوالين إضافية، وقد نجحت عدن في تخفيف الأزمة، وإن كان لفترة محددة، لافتا إلى تصريحات المسؤولين التي جاءت بانتهاء الأزمة من نحو الشهر ونصف الشهر، الذي يرى الدكتور طه الفسيل أن الأزمة لم يلاحظ فيها أي نتيجة إيجابية ولو بسيطة، ولم يبق للمواطن سوى الشراء من السوق السوداء التي تضاعف سعر البنزين فيها إلى 8 أضعاف السعر الرئيسي.

وتخوف من سيطرة وزيادة سوق مشتقات النفط السوداء في المحطات نتيجة عدم تشديد الرقابة على مالكيها، مؤكدا توقف محطات بيع المشتقات النفطية التابعة لشركة النفط اليمنية، خاصة في مدينة صنعاء، الذي تسبب في أزمة وسيطرة للسوق السوداء، لافتا إلى أن سوء إدارة الأزمة من بدايتها من قبل المسؤولين في الجهات المختصة تسبب في تفاقم الأزمة، على الرغم من أن وضع بعض الحلول قد يحد منها.

وأرجع الحل في إنشاء محطات خاصة لسيارات الأجرة والنقل العام، وصرف كوبونات خاصة لها، وتنظيم العملية للسيارات الخاصة، وإغراق السوق بالمشتقات النفطية وعمل المحطات على مدار 24 ساعة إضافة إلى تأمين عمليات انتقال ناقلات المشتقات النفطية من عدن والحديدة إلى صنعاء كما كان يتم تأمين الأفواج السياحية وتطبيق القانون على كل من يحاول أن يعتدي على ناقلات المشتقات النفطية وتوزيعها بشكل معتدل، مؤكدا أن السبب وراء عدم التفكير في حلول جذرية وتطبيقها هو عدم شعور المسؤولين بهذه الأزمة نتيجة توفر مخصصات من الديزل والبنزين لهم من الدولة إضافة للمولدات الكهربائية في بيوتهم.

واعتبر أن المشكلة الحقيقية ليست في السوق السوداء، وإنما في قيام الكثير من المتعاملين في بيع المشتقات النفطية بخلط البنزين بمشتقات أخرى، مثل المازوت والكيروسين الأقل سعرا من البنزين، حرصا منهم على تصاعد الأرباح، الذي يتسبب في عطل محركات السيارات، مبينا أن أزمة المشتقات النفطية تسببت في إنهاء أرواح الكثيرين من المواطنين، ووجود قطاع طرق لناقلات المشتقات النفطية، خاصة في المناطق القبيلة، مسترجعا آخر حادثة لناقلة تم احتجازها من قبل إحدى القبائل التي قاموا بتوزيع كامل محتوياتها بالمجان على سكان المنطقة، مما تسبب في إحراج لبعض ناقلات النفط التابعة لشركات خاصة لا تخصها الأزمة بأي شكل من الأشكال.

وأرجع مستشار وزارة التجارة والصناعة هذه الأمور إلى تعطل النشاط الاقتصادي، خاصة القطاع الزراعي والقطاع السمكي، إضافة إلى قطاع النقل والمواصلات، الذي أدى إلى ارتفاع كافة الأسعار، مبينا أن أزمة المشتقات النفطية تسببت في ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وتأثر إنتاج اليمن لعسل النحل الذي يتطلب من مربي النحل الانتقال إلى أماكن بعيدة، ونتيجة ارتفاع عمليات النقل تأثر كذلك إنتاج اليمن للعسل الذي سوف يتسبب في فقد اليمن لأسواقه، خاصة في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي وخروج اليمن من أسواق المنافسة.

وأكد أن توقف النشاط الاقتصادي سيؤدي بشكل أكيد إلى زيادة البطالة والفقر، إضافة إلى أزمة إنسانية ومعيشية خانقة، ويرى أن انقطاع الكهرباء وأزمة المشتقات النفطية هما نتيجة للتجاذبات السياسية، مشيرا إلى تساؤل المواطنين عن مصير المكرمة الملكية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي وجه بها مطلع الشهر الماضي بتقديم 3 ملايين برميل من النفط الخام كهبة من المملكة وهدية من الشعب السعودي لأشقائه اليمنيين، معربا عن أسفه لوجود تلاعب قد تكون الدوافع خلفه شخصية.

وقال «إن سعر 20 لترا هو 1500 ريال يمني في السابق، أما الآن وصل السعر إلى 19 ألف ريال يمني، فهامش الربح كبير جدا، مما جعل أصحاب النفوس الضعيفة يجدون ذلك فرصة للكسب، وعلى الرغم من التصريحات التي نسمعها والجهود التي يقال إنها تبذل فإن المواطن يحتاج إلى أن يلمسها على أرض الواقع».

وزاد «على الرغم من الفوضى التي نراها في محطات بيع المشتقات النفطية فإننا من المفترض أن يكون لدينا شرطة وأمن مركزي وقوات مسلحة وغيرها بإمكانها ضبط المسائل وفرض النظام». وأضاف متسائلا بقوله «أين هيبة المواطن وكرامته عندما يقف على مدى 3 أيام، وقد تصل إلى 5 أيام، متواصلة أمام المحطات ليحصل على ما يحتاج إليه من وقود مقابل مشاهدته لعربات المسؤولين تمر أمامه بكل يسر وسهوله، أليس هذا إحساسا بالظلم والمهانة؟».