مسؤول أوروبي: لماذا تعامل أميركا أفضل من البرتغال التي تعاني نفس العجز والديون؟

وسط تزايد القلق العالمي بشأن الخلاف على سقف الدين الأميركي

مخاوف من تأثيرات كارثية لأزمة الديون الأميركية على الاقتصاد العالمي
TT

في الوقت الذي يشغل فيه الخلاف حول رفع سقف الدين في واشنطن أميركا، يثير القلق في أروقة السلطة من بكين إلى بروكسل. ويشعر قادة أكبر اقتصاديات في العالم بالقلق من التوصل إلى حل وسط يحافظ على أموالهم من خطر التعرض إلى دمار شامل. وينبع هذا القلق من الواقع الذي لا يمكن الفرار منه، فبالنسبة إلى الحكومات الأخرى، لا يوجد أي بديل مناسب لحيازة الدولار القوي أو سندات الخزانة الأميركية حتى إذا تلطخت سمعة الولايات المتحدة بخفض التصنيف الائتماني، الذي لم يكن يوما يخطر ببال أحد.

وقد شنت الصين، التي ستتكبد القدر الأكبر من الخسارة، لأنها تمتلك أكبر قدر من سندات الخزانة (1.16 تريليون دولار على الأقل) هجوما كبيرا على أميركا يوم الجمعة الماضي، داعية إياها إلى التحلي بقدر من المسؤولية ووضع حد للخلاف بين الحزبين.

«الجزء الأقبح من هذه الملحمة (الأميركية) هي أن رخاء الكثير من الدول الأخرى يقع في منطقة التأثير حين يتقاتل الحمار (شعار الديمقراطيين) والفيل (شعار الجمهوريين)» بحسب ما أوضح مقال نشرته وكالة الأخبار الصينية الرسمية (شينخوا)، التي تعد الذراع الدعائية للحزب الشيوعي، يوم الجمعة الماضي، في إشارة إلى تجمد الموقف بين الديمقراطيين والجمهوريين.

وصرحت «شينخوا» بأن هذا التصرف «غير المسؤول» في واشنطن يعرض «التعافي الاقتصادي للولايات المتحدة والعالم أجمع الذي لا يزال هشا إلى الخطر». وتمتع المسؤولون في أوروبا بقدر أكبر من الدبلوماسية، لكن تذكروا أن القادة الأميركيين حذروهم منذ أسابيع قليلة، مشيرين إلى ضرورة إصلاح السياسة الفوضوية الخاصة بمعالجة أزمة الديون في أوروبا.

وقال أحد كبار واضعي السياسة الأوروبيين دون الكشف عن هويته: «يمكن للمرء أن يسأل الآن عن سبب التعامل مع الدين الأميركي على نحو أفضل من دولة مثل البرتغال، التي تعاني من القدر نفسه من العجز والديون».

مبعث القلق في أوروبا هو أن يؤدي إخفاق واشنطن في التوصل إلى اتفاق بشأن رفع سقف الدين إلى إضعاف قيمة الدولار، مما سيؤدي إلى ارتفاع قيمة اليورو، ويجعل من الصعب على الأوروبيين العمل على حل مشكلاتهم. وتشاطر اليابان، التي تعد ثاني أكبر جهة ضمن الدائنين الأميركيين، أوروبا في هذا القلق، حيث ستزداد المشكلات الاقتصادية التي أعقبت التسونامي سوءا إذا ارتفعت قيمة الدين مقابل الدولار.

ويبدو أن الكثير من القادة حول العالم يتوقعون أن تنتهي المواجهة في واشنطن بهدنة قلقة بالنظر إلى العواقب السياسية العالمية والمحلية التي ستنجم عن الإخفاق في تنفيذ ذلك. لكن في الوقت الذي لا يبدو أن أحدا يتوقع فيه تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، تتأهب حكومات الدول الأخرى لعواقب تشويه سمعة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة المرتفع.

ويتوقع محللون أن تستمر الصين في شراء الديون الأميركية لأنها تحافظ على فائض التجارة الكبير الذي يدر دولارات، والذي يجب أن يعاد استثماره من خلال طريقة آمنة، مثل سندات الخزانة الأميركية. لكن قد لا تبدو سندات الخزانة آمنة بالدرجة التي كانت عليها في السابق، وهو أمر تدركه الصين جيدا.

وقد حذر المقال الذي نشرته وكالة «شينخوا» الصينية من احتمال أن «تُضطر» الصين إلى خفض مشترياتها من السندات في حال ما إذا خسرت الحكومة الأميركية تصنيفها الائتماني «AAA». لكن هناك حدود لهذا الخفض، لأن أسواق السندات الكبيرة الأخرى في أوروبا واليابان ليست بتلك السيولة. وقال أحد كبار واضعي السياسات الأوروبيين: «طالما ظل الدولار العملة المهيمنة، لن يوجد أمام القطاع العام سوى امتلاك الديون الأميركية». وهذا الشعور سائد. وقال تشوي جونغ كو، مساعد وزير الاستراتيجية والمالية للشؤون الدولية في كوريا الجنوبية: «لا يزال بإمكانك العثور على أصول آمنة، مثل سندات الحكومة الأميركية حتى وإن تم خفض التصنيف الائتماني لها».

لكن لا يعني هذا أن الدول مثل الصين وبعض الدول الأخرى التي أبدت مؤشرات على اتجاهها نحو هذا، لن تحد من شرائها للديون الأميركية طويلة الأجل ولو بقدر قليل. ويثير التساؤل حول ما إذا كان هذا تراجعا مؤقتا أم ستثبت الأيام أنه سيستمر، قلق واشنطن. ويقول بعض الخبراء إن هناك فرصة أمام الصين لتوجيه مزيد من الأموال إلى أوروبا أو اليابان وزيادة شراء المزيد من الأسهم بالدولار لا ديون، في الوقت الذي تتجه فيه إلى إجراء إصلاحات مالية لجعل تراكم الدولارات أكثر بطئا.

فلدى اليابان عدة أسباب مثلها مثل الصين للقلق من أزمة الدين الأميركي. كذلك هناك قلق كبير في طوكيو على سبيل المثال من أن يؤثر خفض التصنيف الائتماني المحتمل سلبا على ثقة المستثمرين في الديون اليابانية التي تتكاثر سريعا، والتي وصلت بالفعل إلى ضعف حجم الاقتصاد البالغ 5 تريليونات دولار.

وقال هيديتوشي كاميزاكي، عضو مجلس إدارة أحد المصارف، الأسبوع الحالي، مشجعا المسؤولين الأميركيين على التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن: «الولايات المتحدة بصفتها أكبر اقتصاد في العالم لها تأثير قوي غير محدود على أسواق المال العالمية، ولا يمكن لليابان أن تهرب من الدمار».

على الجانب الآخر، المسؤولون في أوروبا قلقون فقط من مدى تأثير ذلك على مشكلاتهم. وكذلك ستجد الدول التي تعاني من أزمة ديون، مثل آيرلندا وحتى الدول القوية مثل ألمانيا صعوبة في تحمل التأثير التجاري إذا أصبح اليورو أقوى مقابل ضعف الدولار. الأسوأ من ذلك أن التجمد في مفاوضات رفع سقف الدين جعل الاقتراض أكثر تكلفة للدول الكبرى التي تعاني من ديون كثيرة، مثل إيطاليا وإسبانيا، مما يشعل حريقا يمكن أن يعرض دول منطقة اليورو إلى خطر.

عندما زارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، البيت الأبيض منذ عدة أسابيع، أكد الرئيس أوباما لها أهمية توصل السياسيين الأوروبيين إلى حل لأزمة الديون. يوم الجمعة الماضي، قال متحدث رسمي أن ميركل ما زالت على ثقة في توصل القادة الأميركيين إلى اتفاق، لكنه رفض القول ما إذا كانت ميركل اتصلت هاتفيا بالرئيس الأميركي أوباما لتطلب منه الانتباه إلى نصيحته.

لكن كان اقتراح ولفغانغ شوبل، وزير المالية الألماني، أكثر حسما وصرامة، حيث قال يوم الجمعة الماضي: «ينبغي على الحزبين في الولايات المتحدة أن يكونا على وعي بمسؤوليتهما تجاه أسواق المال العالمية».

وفي بروكسل، حيث مقر الاتحاد الأوروبي، قال أحد مسؤولي الاتحاد الذي رفض الكشف عن هويته: «بالطبع نشعر بقلق من أن يغذي هذا الشعور العالمي بعدم اليقين، الذي يجعل من الصعب تخفيف أزمة الديون الأوروبية».

وتعد المصارف الأوروبية من الجهات الكبرى المالكة للديون الأميركية، وتخطط الكثير منها لحماية أنفسها في حال ما إذا تم خفض التصنيف الائتماني للديون الأميركية السيادية من خلال صناديق تحوط تقي من التقلبات الحادة في سعر صرف الدولار، على حد قول ستيفان شنايدر، كبير الخبراء الاقتصاديين العالميين في مصرف «دويتشه بنك» في فرانكفورت. وتستعد بعض المؤسسات لأيام صعبة. وتوقف فريدريك آيكينر، الرئيس المالي في شركة «بي إم دابليو» المصنعة للسيارات، في إحدى فعاليات الشركة في فرانكفورت، ليفكر فيما يمكن أن يحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق أو تم خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. وقال آيكينر: «قد يؤدي هذا إلى اضطراب خطير في أسواق المال لا يمكن التكهن بعواقبه. وحكومات العالم خاصة في الغرب ليست مستعدة لمواجهة أزمة مالية ثانية».

* أسهم ديفيد باربوزا في إعداد التقرير من شنغهاي وهيروكو تابوتشي من طوكيو وسانغ هون تشوي من سيول وجاك ينغ من فرانكفورت وستيفن كاستل من لندن

** خدمة «نيويورك تايمز»