أميركا تسابق الزمن لرفع سقف الدين

وسط ترقب عالمي لتحقيق اتفاق حوله

أسواق العالم تحبس أنفاسها ترقبا لما سيقره الكونغرس (أ.ف.ب)
TT

أعلن زعيم الأقلية بالحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أمس (الأحد) متحدثا لشبكة «سي إن إن»، أن الكونغرس بات «قريبا جدا» من التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين لرفع سقف الدين يجنب الولايات المتحدة التعثر في سداد مستحقاتها. وقال ماكونيل «إننا قريبون جدا من اتفاق. كان لنا يوم ممتاز بالأمس»، مبديا ثقته في قدرته على إقناع الجمهوريين في مجلس الشيوخ بتأييد هذه الخطة. غير أنه لم يبد أي رأي في المقابل بالنسبة إلى الموقف الذي قد يتخذه أعضاء مجلس النواب حيث الغالبية جمهورية، في وقت يترتب على النواب التصويت على نص تسوية.

ورفض عشرات النواب الجدد القريبون من حركة «حزب الشاي» المحافظة المتطرفة، حتى الآن أي تسوية طرحت عليهم. ولم يكشف ماكونيل أي تفاصيل حول التسوية التي يجري التفاوض بشأنها، مكتفيا بالقول إن الخطة ستنص على تخفيض في النفقات بمقدار 3000 مليار دولار، 3 تريليونات دولار على مدى عشر سنوات. كما قال إن التسوية لا تنص على أي زيادة في الضرائب بأي شكل من الأشكال. وقال «أعتقد أنه يمكنني القول بثقة إن هذه الزيادة في سقف الديون ستجنب التخلف عن السداد، ومن المهم أن يعلم الجميع في أميركا أننا لن نتخلف لأول مرة عن السداد، وأننا لن نعمد فيه إلى زيادات ضريبية تقضي على الوظائف، وسوف نعالج المشكلة، وهي أن الحكومة كانت تنفق أكثر مما ينبغي».

غير أن السيناتور الديمقراطي النافذ تشاك شومير، أعلن من جهته الأحد أنه «ليس هناك أي اتفاق تم إنجازه»، مناقضا بذلك تفاؤل ماكونيل. وقال شومير متحدثا لشبكة «سي إن إن» إنه «ليس هناك اتفاق تم إنجازه»، مضيفا أنه «ما زال هناك الكثير من الثغرات التي ينبغي ملؤها». ولم يعلق بشكل واضح على موقف حزبه من تسوية لا تتضمن زيادات ضريبية، علما بأن مسألة زيادة الضرائب على الأكثر ثراء وعلى بعض الشركات الكبرى كانت في طليعة مطالب النواب الجمهوريين والرئيس أوباما نفسه.

وقال شومير إن الجمهوريين وافقوا على آلية تضمن زيادة سقف الدين إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 2012 بعدما كانوا يصرون حتى الآن على خطة على مرحلتين تنص على زيادة أولى فورية تليها زيادة جديدة في مطلع العام المقبل في خضم الحملة الانتخابية، الأمر الذي رفضه أوباما والجمهوريون. ورفع سقف الدين سيمكن الخزانة الأميركية من الحصول على قروض جديدة. ويتوقع أن تستمر الاتصالات حتى ساعة متأخرة من الليل (أمس)، مع احتمال الاتفاق على مشروع قانون مشترك يقره مجلسا النواب (يسيطر عليه الحزب الجمهوري) والشيوخ (يسيطر عليه الحزب الديمقراطي).

وبدأت تفاصيل اتفاق محتمل ليلة السبت بعد أن صرح في مجلس الشيوخ زعيم الأكثرية الديمقراطية هاري ريد بأن الجانبين يحاولان إكمال تفاصيل في مشروع قانون كحل وسط. وقال: «أنا سعيد لرؤية هذا التحرك نحو التعاون والتوافق. وآمل أن يثمر هذا التحرك». وقال مسؤول في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي إن الجانبين على أعتاب التوصل إلى اتفاق. وقال مسؤول في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إن هناك إجماعا على المفاهيم العامة. لكنه حذر من أنه لا توجد أي ضمانات بالاتفاق النهائي.

وقال المراقبون إن مشروع القانون يقدم انتصارات للجانبين. بالنسبة إلى الجناح اليميني (حزب الشاي) في الحزب الجمهوري، يقدر على أن يقول إن خفض الإنفاق الحكومي سوف يكون قدر كمية رفع سقف دين الحكومة. مع تجنب أي زيادة في الضرائب. وبالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما والديمقراطيين، فلن يكون هناك قرار «الخطوتين»، أي تقسيم زيادة سقف الدين إلى جزء في هذه السنة، وجزء في السنة القادمة، وذلك لأن الديمقراطيين يخشون أن يستغل الجمهوريون الموضوع في السنة القادمة خلال حملة رئاسة الجمهورية لتحميل أوباما المسؤولية.

لكن، إذا تنازل الديمقراطيون ووافقوا على حل «الخطوتين»، فسيزيد سقف الدين تريليون دولار هذه السنة، وتريليون ونصف تريليون في السنة القادمة.

وقال المراقبون إن الأيام القليلة الماضية قللت الشرخ وسط الجمهوريين. وكان قاد الانقسام جون بوينر، زعيم مجلس النواب، وهو لا يعتبر من المعتدلين داخل الحزب، مثل السيناتور جون ماكين والسيناتور رتشارد لوغار. وهو قريب إلى الجناح اليميني منه إلى المعتدلين. ولهذا، يعتبر بوينر أهم شخصية في الحزب في الوقت الحاضر، للوصول إلى اتفاق مع الرئيس أوباما وقادة الحزب الديمقراطي. ورغم أن بوينر تحدث كثيرا عن «وحدة الحزب» وعن «مناورات أوباما»، كان واضحا أنه يريد إقناع الجناح اليميني بقبول الخطة التي وضعها للخروج من مشكلة دين الحكومة.

في الوقت نفسه، زاد قلق البنوك والمستثمرين في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك). وانخفضت أسعار سوق الأسهم، وانخفضت قائمة «ستاندارد بور» بنسبة أكثر من 2 في المائة.

والآن، في آخر لحظة، تتركز الأنظار على «خطة بوينر»، وهي تخفيض قرابة تريليون دولار من الصرف الحكومي، مقابل زيادة سقف دين الحكومة لسنة واحدة فقط، بنفس مبلغ التريليون دولار، هذا إذا تنازل أوباما والديمقراطيون. لكن، ربما يتم الاتفاق على «خطة ريد» بمضاعفة الرقمين تقريبا.

وقال مراقبون في واشنطن إن المناورات بين الحزبين كانت وصلت إلى حدود الشتائم.

وهدد البيت الأبيض بأن الرئيس أوباما سوف يستعمل «الفيتو» ضد أي مشروع قرار من الكونغرس لا يرفع سقف الدين إلى سنوات، وليس إلى سنة واحدة. وقال وزير الخزانة تيموثي غايثنر إنه في الإمكان جمع خطة الإدارة والخطة التي قدمها قادة الحزب الجمهوري. وأشار إلى الخطة باسمها «غراند بارغين» (المساومة الكبرى)، التي قدم فيها الجمهوريون، لأول مرة، تنازلات وافقوا فيها على زيادة العائد من الضرائب، ليس بزيادة الضرائب ولكن بإلغاء ثغرات في قانون الضرائب.

لكن، قال بوينر إن أوباما يريد «استغلال الوضع لمصلحته السياسية». وأضاف: «أعرف أن الرئيس قلق إزاء انتخابه مرة أخرى في الانتخابات القادمة. ولكن، بحق الله، ألا ينبغي أن نكون قلقين على مصلحة الوطن؟!» وقال: «لدينا دين وطني يزيد على 14 ونصف تريليون دولار. لقد حان الوقت لنتصرف تصرفات جادة لوقف هذا النزيف الذي يبدو أن لا نهاية له».

وقال تيم بولنتي، من قادة الحزب الجمهوري الذي ترشح لرئاسة الجمهورية، إن أوباما «جبان». وأضاف: «حان الوقت للرئيس باراك أوباما ليخرج من المخبأ الذي هو فيه» بسبب موقفه من حل المشكلة الاقتصادية. وتساءل: «أين هو رئيس الولايات المتحدة في وقت التحديات المالية في وطننا؟! أين إصلاحاته في البرنامج الصحي؟! أين اقتراحاته لإصلاح نظام الضمان الاجتماعي؟!».

وأجاب عن أسئلته قائلا: «الإجابة هي أنه ليس لديه أي اقتراح أو برنامج. إنه يتهرب. إنه يناور. إنه يهتز يمينا وشمالا».