كيف اختطف «الفيل» و«الحمار» الاقتصاد العالمي؟

أزمة الديون الأميركية «جرس إنذار» لإعادة النظر في المنظومة المالية العالمية

الصين ترى أن تناطح «الفيل» (شعار الحزب الجمهوري الأميركي) و«الحمار» (شعار الحزب الديمقراطي) خطر على الاقتصاد العالمي
TT

تحولت أزمة الديون الأميركية إلى ما يشبه مسلسلا «دراميا» على الطريقة «الهوليوودية» يتابعه العالم بقلق وتوجس.. مع أنه ربما من المبالغة القول إن العالم كله يتابع «بهوس» تطورات الموضوع، فالفزع الأكبر من الموضوع يصيب بشكل مباشر من يضعون «بيض استثماراتهم في السلة الأميركية»، وهم ليسوا مستثمرين خواص فقط (ليسوا بالضرورة أثرياء كلهم، من بينهم المشتركون في صناديق المعاشات)، حيث إن أكبر المستثمرين هم دول، تتقدمهم الصين.

وفي المقابل فإن الملايين من سكان الأرض، الذين يعيشون تحت حد الفقر بأقل من دولارين في اليوم، والذين لا يستطيع عدد كبير منهم حتى فك حروف صحيفة، وإن استطاعوا فلا يقدرون على شرائها، ولا يتوفرون حتى على جهاز مذياع، فما بالك بالتلفزيون والإنترنت، ربما لا يعلم كثير منهم حتى بأزمة «الديون الأميركية» هذه، التي تحولت إلى «قنبلة موقوتة»، قد يؤدي انفجارها إلى عدم «تفكيكها» بسرعة، عبر التوصل إلى رفع سقف الدين الأميركي، إلى انهيار السقف ليس على الاقتصاد الأميركي، فحسب، بل على الاقتصاد العالمي بأكمله. وللمفارقة فقد تطال شظايا هذا الانفجار بشكل أكثر تأثيرا ملايين المساكين غير المعنيين حتى بالموضوع، ولنا في أزمة الرهن العقاري، التي انفجرت في 2008 عبرة، حيث لم تتأثر «القطط السمان» من المصرفيين، الذين تسببوا في أزمة مالية عالمية بممارساتهم غير المسؤولة، بل بالعكس عادوا من الباب الواسع، وعادوا للحصول على مكافآتهم السخية، على الرغم من أن كثيرا من البنوك التي يعملون بها، والتي اضطرت الحكومات لإنقاذها من الانهيار بأموال دافعي الضرائب، مثل «رويال بنك أوف سكوتلاند» البريطاني، ما زالت لا تحقق ربحية بعد. وفي المقابل ما زالت تبعات الأزمة المالية تطال المواطن البسيط، دافع الضرائب! والمخاوف ظلت تدور حول تحول أزمة الدين الأميركي، في حال عدم التوصل إلى حلها، إلى أزمة أكبر من انهيار بنك «ليمان براذرز»، الذي فجر الأزمة المالية العالمية في 2008.

ومع نفاد الوقت لتفكيك «قنبلة» الدين الأميركي بالاتفاق على رفع سقف الدين بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ارتفعت حدة ضغوطات وانتقادات الصين للولايات المتحدة وسياسييها لإيجاد حل سريع للأزمة. وتعتبر الصين، عمليا، أكبر دائن لواشنطن، حيث تحتوي على 1.2 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، مما يعني أنها ستكون أكبر المتأثرين من أي تخلف لأميركا عن سداد ديونها. والأمر لا يتوقف عند ذلك فقط، بل ربما سيطال «حريق» الأزمة أيضا احتياطياتها الضخمة من العملة الأجنبية بالدولار والمقدرة بـ3.2 تريليون دولار، بسبب المخاوف من انهيار قيمة العملة الأميركية.

وفي واحدة من أكثر التعليقات تعبيرا - وإن كان فيها الكثير من السخرية القاتلة و(شر البلية ما يضحك)، قالت وكالة الأنباء الرسمية الصينية «شينخوا» إن الجزء الأقبح - فيما سمته هذه «الملحمة» الأميركية - هو خطورة ذلك «التناطح القاتل» الدائر بين «الفيل» (شعار الحزب الجمهوري الأميركي) و«الحمار» (شعار الحزب الديمقراطي الأميركي) على الاقتصاد العالمي وعلى رخاء الكثير من الدول.

واتهمت وكالة الأنباء الرسمية الصينية السياسيين الأميركيين بـ«اللامسؤولية» وبـ«اختطاف الاقتصاد العالمي» وأخذه رهينة لديهم. وهناك مخاوف من أنه حتى وإن تم الاتفاق على رفع سقف الدين الأميركي، و«تحرر» الاقتصاد العالمي، ولو مؤقتا، من «قبضة» هذا التطاحن السياسي بين «الفيل» الجمهوري و«الحمار» الديمقراطي، فإن الخطر يبقى محدقا بالاقتصاد العالمي، مع وجود غالبية «بيضه في السلة الأميركية»، سواء في سندات الخزانة الأميركية أو الأخطر من ذلك في وضع الدولار كعملة احتياط عالمية رئيسية، وخطر تقلبات العملة الأميركية على الاقتصاد العالمي. ولعل أزمة الديون الأميركية تكون بمثابة «جرس إنذار» لإعادة النظر في المنظومة المالية العالمية، ومعالجة في الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها، وربما تكون أزمة الديون الأميركية، و«رب ضارة نافعة»، تعيد النظر في محل «إعراب» الكثير من الأشياء في الاقتصاد العالمي، وفي مقدمتها «مسلمة» الدولار كعملة احتياط رئيسية في العالم.