كيف ضغطت شركات «وول ستريت» على قادة الكونغرس لتفادي فوضى الأسواق؟

بعد عام من الصدام مع واشنطن

اللاعبون الكبار
TT

بعد عام من الصدام مع واشنطن حول إصلاحات مالية جديدة، توصل كبار صيارفة البلاد إلى أرضية مشتركة مع الجهات التنظيمية في إطار الجهود الحثيثة الرامية إلى رفع سقف الدين وتجنب عجز البلاد عن سداد ديونها.

ولم تعد وول ستريت تراقب ما يجري من فوق الهامش بينما تجري أكثر الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد منذ سنوات استقطابا داخل الكونغرس «كابيتول هيل». خلال السنوات القليلة الماضية، أجرى مسؤولون تنفيذيون رفيعو المستوى اتصالات وثيقة مع واشنطن في محاولة أخيرة لحث أعضاء الكونغرس نحو التوصل إلى تسوية بحلول الثلاثاء، وهو الموعد الزمني النهائي للإدارة للتوصل إلى اتفاق.

وأثار جامي ديمون، المسؤول التنفيذي لـ«جيه بي مورغان تشيس» يوم الجمعة خلال حديثه مع وزير الخزانة تيموثي إف. غيتنر، المخاوف إزاء حالة التأزم بشأن سقف الدين واحتمالات تسبب ذلك في تعطيل النظام الذي تعمل «جيه بي مورغان ستانلي» ومصارف أخرى من خلاله على توزيع مدفوعاتها الفيدرالية. وأكد غيتنر خلال المحادثة الهاتفية على أن وزارة الخزانة ومصرف الاحتياط الفيدرالي اتخذا خطوات للإبقاء على نظام المدفوعات يعمل بسلاسة، طبقا لما ذكرته مصادر مطلعة.

علاوة على ذلك، كتب العديد من الرؤساء التنفيذيين لبعض أكبر مؤسسات الخدمات المالية بالبلاد خطابا مشتركا موجها للرئيس أوباما وأعضاء الكونغرس، الخميس، يحذرون فيه من تداعيات «شديدة الخطورة» على الاقتصاد وسوق الوظائف حال عدم التوصل إلى اتفاق. والملاحظ أن الحديث حول هذا الأمر لا يقتصر على المسؤولين التنفيذيين، حيث أغرق مصرفيون أعضاء الكونغرس بتقارير وأبحاث ضخمة تتناول التداعيات المظلمة لوصول البلاد إلى حالة العجز عن سداد الديون، أو حتى مجرد تقليص مستوى تصنيف الديون الحكومية الأميركية من قبل وكالات التصنيف الائتماني الكبرى. وفي نسخة أميركية من جهود التعبئة الشعبية، بعث موقع «أولستيت» برسائل بريد إلكتروني إلى 45000 موظف يحثهم من خلالها على الاتصال بأعضاء الكونغرس عن مناطقهم ومطالبتهم بالتوصل إلى اتفاق.

اللافت أيضا أن مديري صناديق التحوط، الذين يمثلون في العادة أكثر قطاعات وول ستريت تمسكا بالسرية، عمدوا إلى الخروج إلى العلن فيما يخص هذه القضية. مثلا، قال مارك ليسري، أحد كبار المسؤولين عن جمع التبرعات داخل الحزب الديمقراطي الذي يتولى إدارة صندوق تحوط «أفنيو كابيتال»، يبلغ رأس ماله 14 مليار دولار، إنه تحدث إلى ستة أعضاء من الكونغرس من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الخميس والجمعة، موجها لهم تحذيرات واضحة من أن الفشل في التوصل إلى تسوية بشأن سقف الدين ينطوي على مخاطرة الإضرار بالمكانة المالية للبلاد بصورة دائمة.

وقال ليسري: «على مدار الأسبوعين الماضيين، افترض الجميع أن الأمر سينجز، لكن خلال اليومين الماضيين بدأ يساورني القلق إزاء إمكانية عدم حدوث ذلك». وتعد تلك المرة الأولى منذ عام 2008 التي يتحالف فيها مسؤولون فيدراليون ومصرفيون بهذه الصورة الواضحة في جهودهم لدفع نفس السياسات. عام 2008، ضغطت الصناعة والجهات التنظيمية على الكونغرس لتمرير تشريع يسمح بتقديم مساعدات مالية لإنقاذ المصارف الفيدرالية في خضم الأزمة المالية.

عن ذلك، قال توم بلوك، مستشار الرئيس السابق بشؤون العلاقات الحكومية لدى «جيه بي مورغان تشيس»: «يسعى كلا الجانبين وراء المصالح ذاتها في النهاية، فكلاهما يرغب في نظام مصرفي آمن وسليم».

بالنظر إلى أن مسألة حدوث اضطرابات في أعقاب عجز الحكومة عن سداد ديونها تبدو حتمية، يرغب مسؤولو وول ستريت أيضا في ضمان أرباح مصرفية والعلاوات الخاصة بهم. ومع ذلك، فإنه على امتداد فترة طويلة من الربيع ومطلع الصيف، بينما أخذت خطوط المعارك بين أعضاء الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين تتضح، أبقى المسؤولون التنفيذيون بالمجال المالي على أنفسهم بعيدا عن بؤرة الجدال. طبقا لما أفاد به أعضاء جماعات ضغط ومسؤولين تنفيذيين، ترى مصارف أن الجانبين داخل واشنطن سيتوصلان في النهاية إلى سبيل لإبرام اتفاق. إضافة إلى ذلك، كانت هناك مخاوف من أن الإفراط في الحديث المعلن ربما ينشر الذعر داخل الأسواق المالية. والأهم من ذلك، مع تردي صورة الصناعة في أعقاب الأزمة المالية وما أعقبها من دفع مساعدات لإنقاذها، خشي بعض المصرفيين من أن مشاركتهم قد تؤدي إلى عواقب سلبية.

وقال مسؤول رفيع المستوى داخل الصناعة المصرفية: «في كل مرة ترفع وول ستريت رأسها، يوجد هناك كثير من الأفراد على استعداد لقطعها». إلا أنه مع اقتراب الموعد الزمني النهائي، تزايد القلق. وجاءت نقطة تحول في 11 يوليو (تموز)، عندما تدفقت مجموعات من أعضاء أقوى جماعات الضغط في وول ستريت داخل قاعة مؤتمرات مقابلة لمكتب غيتنر في الطابق الثالث من مبنى وزارة الخزانة لعرض وجهة نظرهم حيال خطر عدم التحرك.

والملاحظ أن العديد من الممثلين، بينهم فرانك كيتنغ من «اتحاد الصيارفة الأميركيين» وجون إنغلر من «بيزنس راوندتيبل»، كانوا حكام ولايات فيما مضى ويتميزون باتصالات سياسية عميقة. ويعد آخرون، مثل روبرت إس. نيكولز من «منتدى الخدمات المالية» وليف آن بوسي من «اتحاد التأمين الأميركي»، من بين أبرز العاملين بمجال جهود الضغط في واشنطن. عن ذلك اليوم، قال نيكولز: «كان الجميع على نفس الصف. قلنا جميعا إنه من الضروري فعل هذا وإن ذلك أمر ملح».

وحاول مسؤولون بالإدارة التواصل مع مجتمع النشاط التجاري هذا الربيع، وكانوا متوقعين مواجهة معركة سياسية طاحنة. خلال مأدبة غداء في أبريل (نيسان) داخل مؤسسة «كولبرغ كريفيز روبرتس»، حذر غيتنر مسؤولي وول ستريت التنفيذيين من عواقب وخيمة حال الإخفاق في رفع سقف الدين.

وكان من بين الحضور هنري كريفيز، أحد أقطاب صناعة الأسهم الخاصة، وغاري كوهن من «غولدمان ساكس»، وروبرت وولف من «يو بي إس»، واثنان من مديري صناديق التحوط، جون بولسون وبول سينغر. إلا أن خطوات وول ستريت التالية جاءت بعيدة عن بؤرة الضوء، وهو مسار مغاير تماما للجهود القوية التي شهدتها الأيام الأخيرة، وفي تناقض صارخ مع القتال العنيد والأكثر علانية الذي خاضه مصرفيون ضد الإدارة أثناء تطبيقها إصلاحات مالية تنظيمية صدر بها قانون الصيف الماضي.

وجاءت محادثة ديمون الهاتفية مع غيتنر، الجمعة، انطلاقا من القلق المتصاعد خلال الأسبوع الماضي بشأن إمكانية، حتى توقف لفترة وجيزة في المدفوعات الفيدرالية «جيه بي مورغان» والمصارف الكبرى الأخرى، على توجيه مليارات الدولارات لصالح متلقي الإعانات الغذائية وأعضاء الخدمة العسكرية والفئات الأخرى المنتفعة من الحكومة، الأمر الذي يثير قلق مسؤولي المصارف والعملاء على حد سواء.

وفي بيان لها، قالت كولين موراي، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخزانة، إنه: «حال عدم تحرك الكونغرس نحو رفع سقف الدين، أكدت وزارة الخزانة لمصرف الاحتياط الفيدرالي أنه لن نسمح لهم بتقديم مثل هذه الأموال حال وجود أموال كافية لتغطية مثل هذه المدفوعات». وفي اليوم السابق لمكالمة ديمون الهاتفية مع غيتنر، حثت «أولستيت» موظفيها على «إضافة صوتك كفرد لتشجيع المسؤولين المنتخبين الممثلين لك لمضاعفة جهودهم للتوصل إلى تسوية مقبولة على الفور».

في وقت سابق من الأسبوع، ألقت غرفة التجارة الأميركية، التي وجهت تبرعات ضخمة لصالح مرشحين جمهوريين العام الماضي، بثقلها وراء مقترح لرفع سقف الدين يسانده رئيس مجلس النواب، جون إيه. بويهنر. وأعاد بويهنر صياغة مقترحه للفوز بتمريره في مجلس النواب، لكنه قوبل بالرفض داخل مجلس الشيوخ، مساء الجمعة. ومع ذلك، أعدت «فايننشال سيرفيسيز راوندتيبل» حملة للضغط خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع لضمان تمرير أي صورة نهائية تقترح للموازنة. إلا أن بعض أعضاء جماعات الضغط أشاروا إلى أن السوق، وليس المناورات السياسية، هي التي ستجبر الكونغرس في النهاية على التحرك. وقال يجيمي ريان، أحد المعنيين بجهود الضغط ومن بين عملائه «اتحاد صناعة الأوراق والأسواق المالية»، و«سيتي غروب»: «في النهاية، لن يفعل الناس ذلك لرغبتهم فيه، وإنما لخوفهم مما قد يحدث لو أنهم لم يفعلوه».

* أسهم لويز ستوري وجولي كريسويل في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»