شركات «وول ستريت» مرتاحة لاتفاق سقف الدين.. ارتفاع الدولار والنفط وتراجع الذهب

مصرفيون: لم يكن هناك ذعر مثل الذي حدث عام 2008

أوباما أثناء إعلان الاتفاق الذي أعاد البسمة إلى سوق المال (أ.ف.ب)
TT

تنفس المصرفيون والمستثمرون الصعداء يوم الأحد بعد نهاية أسبوع سيطر عليها التوتر، وحرصوا فيها على البقاء بالقرب من أجهزة الـ«بلاك بيري» والـ«آي فون» الخاصة بهم؛ حيث توصل المشرعون الأميركيون إلى اتفاق يقضي برفع سقف الدين قبل تداولات يوم الاثنين. وسرعان ما تبخرت المناقشات الساخنة التي سيطرت على المحادثات التي استمرت لوقت متأخر بمجرد ظهور إشارة تدل على توصل القادة السياسيين في واشنطن إلى اتفاق مساء الأحد.

لكن ترددت «وول ستريت» في إعلان انتصار كامل؛ لأن المشرعين ما زالوا يواجهون عائقا يتمثل في تمرير القانون في مجلسي الشيوخ والنواب. وتحد التحديات الاقتصادية الأكبر التي ما زالت الولايات المتحدة والأسواق العالمية تواجهها من هذا التفاؤل.

وقال أجاي راجادايكشا، رئيس الدخل الثابت واستراتيجية التوريق في مصرف «باركليز كابيتال»: «انتهت مشكلة سقف الدين، لكن الصورة ليست وردية. النمو الاقتصادي أضعف كثيرا مما كان يعتقده البعض منذ 6 أشهر. نحن في طريقنا نحو فترة من التقشف».

وحذر محللون ومستثمرون من احتمال أن تستمر التقلبات في الأسواق خلال الأسابيع المقبلة، ذلك فضلا عن النمو الاقتصادي البطيء وخطر خفض التصنيف الائتماني لديون الولايات المتحدة واستمرار المشاكل المالية في أوروبا. لكن كانت المؤشرات الأولية لردود الفعل في الأسواق على الاتفاق إيجابية؛ حيث شهدت بورصة اليابان وكوريا الجنوبية ارتفاعا مع إعلان أوباما عن الاتفاق، واقتربت من 2% بحلول الظهيرة، كذلك شهدت العقود الآجلة المتعلقة بالبورصة الأميركية ارتفاعا، في إشارة إلى احتمال أن تعوض «وول ستريت» بعض خسائرها خلال الأسبوع الماضي بمجرد بدء التداولات في نيويورك أمس الاثنين.

وانخفضت أسعار الذهب، الذي يعتبر المخزن التقليدي للقيمة، والذي ارتفع إلى مستوى قياسي وسط حالة عدم اليقين التي سيطرت على الأسواق خلال الأسابيع الماضية، بنسبة 1% بسعر 1610 دولارات للأوقية. وارتفعت أسعار النفط بمقدار دولار واحد؛ حيث وصل سعر البرميل إلى 97 دولارا. وفي سوق العملات، استعاد الدولار قوته أمام الين والفرانك السويسري بعد تراجعه الأسبوع الماضي. لكنه قيمته لم تتغير كثيرا أمام اليورو. لقد كانت نهاية الأسبوع مثل قطار أفعواني بالنسبة إلى مسؤولي «وول ستريت». على الرغم من تفاؤل المصرفيين فيما يخص توصل الكونغرس إلى اتفاق خلال 11 ساعة، فإنهم يستعدون إلى أسوأ الفروض في حال ما لم يتم إقرار الكونغرس للاتفاق.

لكن لم يكن هناك ذعر كبير في السوق يصل إلى درجة الذعر الذي صاحب الأزمة المالية عام 2008 التي التصق فيها المتداولون من المصرفيين بمكاتبهم طوال نهاية كل أسبوع تقريبا. وكان المسؤولون التنفيذيون في مصارف «سيتي غروب» و«غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» يتابعون الأخبار من المنزل.

وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في «وول ستريت»، رفض ذكر اسمه، بعد ظهيرة يوم الأحد: «ما زال الجميع حذرين وعلى أهبة الاستعداد، لكن هناك ارتياحا واضحا ناجما عن الشعور بأن هؤلاء الرجال يسيرون في الطريق الصحيح».

وفي «جي بي مورغان تشيس»، جلس جيمي ديمون محاطا بمديريه في مقر المصرف في بارك أفينيو، وأقام مسؤولو المصرف غرفة لإدارة العمليات في مركز العمليات في كولومبوس وأوهايو للتعامل مع شؤون العلماء التي تنشأ عن التطورات السياسية، كما يفعلون عند وقوع كوارث طبيعية مثل إعصار كاترينا. ابتهج أصحاب جماعات الضغط والمسؤولون الماليون عندما تم الإعلان عن الاتفاق مساء الأحد. وقال سكوت تالبوت، من جماعة المصالح «فاينانشيال سيرفسيس راوندتيبل»: «إنه حدث جلل يقدم يقينا نحن في حاجة ماسة إليه في وقت يغيب عنه اليقين في عالم الاقتصاد». وأوضح أن الجماعة ما زالت تنظر في تفاصيل الاتفاق، لكن من المرجح أن تمضي قدما نحو الضغط باتجاه إقراره خلال اليومين المقبلين. وأضاف: «سوف نوضح الأمر بزيارات إلى مبنى (كابيتول هيل) وإرسال خطابات مشتركة وتشجيع الشركات المشاركة في الجماعة على الاتصال بأعضاء الكونغرس».

وأصدرت «بلاك روك»، كبرى شركات إدارة الأصول، بيانا حثت فيه المشرعين على اتخاذ إجراء سريع. وقالت في البيان: «كل يوم يمر دون حل المشكلة سوف يؤدي إلى تناقص الثقة ويعرض توفير فرص عمل للخطر ويقوض مصداقية الولايات المتحدة في الأسواق المالية العالمية».

وفي ظل عدم إقرار الكونغرس للاتفاق بعدُ، أعلن مصرف «جي بي مورغان تشيس» إعفاء مستحقي الضمان الاجتماعي والأفراد العاملين في الجيش وفي الهيئات الفيدرالية من رسوم السحب على المكشوف ورسوم الحساب الأخرى مؤقتا، إذا لم يتم دفع قيمة الشيكات الصادرة من الحكومة لهم. وتعهد الاتحاد الفيدرالي لائتمان البحرية، الأسبوع الماضي، بدفع رواتب العاملين في الجيش والدفاع المدني مقدما في حال خرق اتفاق سقف الدين. وكان المستثمرون يحدوهم الأمل في أن يؤدي إقرار الكونغرس على الاتفاق إلى انتعاش الأسواق مرة أخرى بعد تراجعها بنسبة 3.9% الأسبوع الماضي.

وقال بايرون فيين، نائب رئيس «بلاك ستون أديفايسوري بارتنرز»: «ليس خفض العجز بالاتفاق الكبير الذي سيكون له تأثير عظيم على السوق». لكنه قال إنه إذا تم إقرار الخطة الحالية، أو على الأقل الاتفاقات الخاصة بسقف الدين، سوف يتم تسديد فواتير الحكومة. وأضاف: «هذا أمر إيجابي، لكن كان هناك زخم سلبي كبير في نهاية الأسبوع». بالتأكيد حذر بعض المستثمرين من كارثية الإخفاق في تمرير الاتفاق، مشيرين إلى التراجع الذي شهدته السوق عام 2008 عندما صوت الكونغرس في البداية ضد خطة إنقاذ كبرى للمصارف الأميركية.

وقال جاك دولارهايد، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «لونغباو أسيت ماندجمينت» في تولسا بولاية أوكلاهوما: «من المتوقع أن نرى مؤشر داو جونز يتجاوز حد الـ10 آلاف نقطة إذا لم يتم التوصل إلى حل خلال فترة قصيرة». سيكون هذا انخفاضا بنسبة 21% مقارنة بمؤشر إغلاق «داو جونز» يوم الجمعة.

وحتى مع تحول الانتباه إلى مشاكل مالية محلية، ما زال الوضع المالي في الاتحاد الأوروبي في تدهور، على الرغم من حزمة الإنقاذ الثانية الخاصة باليونان الشهر الماضي التي جاءت في إطار محاولة مراقبة أزمة الديون السيادية اليونانية.

وفي إشارة تدل على مدى تدهور المشكلة، تقترب عقود مقايضة مخاطر الائتمان المتعلقة بديون إيطاليا وإسبانيا من أعلى مستوياتها لهذا العام. ويراهن المستثمرون على أن تصبح هذه الدول أكثر عرضة للتخلف عن سداد ديونها.

على الجانب الآخر، أوضحت معلومات جديدة تم الكشف عنها يوم الجمعة الماضي أن الاقتصاد الأميركي كان يعاني تباطؤا كبيرا خلال النصف الأول من عام 2011 مع تأكيد ضعف تعافيه. ولم يساعد الخلاف السياسي في واشنطن في دعم ثقة المستهلك التي تعتبر محركا اقتصاديا حيويا.

وقال دانييل أربيس، مدير صندوق «زيريون» في «بيريلا واينبرغ بارتنرز» في نيويورك: إن المشاكل المالية في الولايات المتحدة وأوروبا كانت «مزمنة وسوف تستمر» لبعض الوقت. ويحتاج المستثمرون إلى الاعتياد عليها، على حد قوله. وأضاف: «لن يكون كل توتر هو الأكبر أو الأخير ولن تكون كل رقعة هي الحل النهائي».

* أسهم كل من نيلسون شوارتز وسوزان كريغ وبيتينا واسنر في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»