طريق الانتعاش الاقتصادي مليء بالأشواك في إيطاليا

تتأرجح على حافة أزمة الديون الأوروبية

TT

قبل 6 سنوات من الآن، كانت شركة «إيكيا» السويدية العملاقة تعتزم إنشاء متجر ضخم بقيمة 60 مليون يورو على بعد أميال قليلة من برج بيزا المائل الشهير. وقال مؤيدو المشروع: إن هذا البناء الضخم وإنشاء طرق جديدة ووجود موجة من المتسوقين سوف تخلق مئات من فرص العمل التي يحتاج إليها سكان إقليم توسكانا.

لكن الأمور تعقدت وتشابكت – كما يحدث في كثير من الأحيان في إيطاليا – حيث يمكن أن تطغى البيروقراطية والسياسة على الاقتصاد بكل سهولة، فكل طلب تتقدم به الشركة يحتاج إلى طلب آخر، وكل دراسة إلزامية تتبعها دراسة أخرى. وبحلول شهر مايو (أيار)، عندما كان عمدة المدينة لا يزال غير قادر على اتخاذ قرار بشأن حصول الشركة على ترخيص للبناء، أعلنت الشركة إلغاء هذا المشروع.

وبينما تتأرجح إيطاليا على حافة أزمة الديون الأوروبية، أصبح من الصعب عليها تحمل المزيد من مثل هذه الإخفاقات. وعلى الرغم من أنها تملك سابع أكبر اقتصاد في العالم، فإن لديها أملا ضعيفا للغاية في التخلص من عبء الديون الهائلة الذي قد يهدد مستقبلها المالي.

وبالفعل، يشكك المستثمرون في قدرة إيطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية، التي تنوء تحت وطأة الديون، على تصحيح أوضاعها، على الرغم من خطة الإنقاذ المالي لليونان التي اتفق عليها الزعماء الأوروبيون الأسبوع الماضي.

ويوم الخميس الماضي قفزت تكاليف الاقتراض في إيطاليا بمقدار ما يقرب من نقطة مئوية كاملة خلال مزاد على سندات أجل 10 سنوات، مقارنة بالوضع قبل شهر واحد فقط. ووصل سعر الفائدة إلى 5.77%، أي أكثر من ضعف ما يتعين على ألمانيا المزدهرة ماليا أن تدفعه على سندات بنفس تاريخ الاستحقاق، وحيث إن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل من الصعب على إيطاليا تقليص ديونها يبدو أن الحل الرئيسي يكمن في تحقيق نمو أسرع. وقال فرانشيسكو جيافازي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بوكوني وزميل باحث في مركز أبحاث السياسة الاقتصادية في لندن: «القضية الكبرى الوحيدة لإيطاليا الآن هي استئناف النمو».

ولا يجب على إيطاليا أن تقوم بتشجيع استثمارات الشركات الكبرى مثل مشروع شركة «إيكيا» فقط، كما يقول الخبراء، لكن يتعين عليها أيضا إزالة العقبات التي تعوق النمو في آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري لاقتصادها.

ويقول ماورو بيلاتي، صاحب إحدى الشركات الصغيرة التي تحمل اسم «أوماب»، إنه تخلى عن عمله في فلورنسا، وأضاف: «البيروقراطية قوية جدا والضرائب مرتفعة للغاية، والعمل أصبح شبه مستحيل».

وقد شهد الاقتصاد الإيطالي نموا ضعيفا ابتداء من أواخر التسعينات، عندما تأثر التصنيع في البلاد نتيجة قوة المنافسة مع المنتجين الآسيويين، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2007، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد الإيطالي بأكثر من 6%. وقد تم استئناف النمو، ولكن يتوقع صندوق النقد الدولي «عقدا آخر من الركود»، وأن يتزايد الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا بنحو 1.4% فقط سنويا خلال السنوات القليلة المقبلة.

جدير بالذكر أن الاقتصاد الألماني، الذي يمثل أكبر نمو في أوروبا، قد نما بقيمة 3.5% عام 2010 وبنسبة 1.5% خلال الربع الأول مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويعتبر توقف النمو بمثابة الدين الحكومي الثقيل لإيطاليا، الذي قدر بنحو 119% من الناتج المحلي الإجمالي ليكون في المرتبة الثانية بعد اليونان بين جميع أعضاء منطقة اليورو. وعلى الرغم من أن الحكومة الإيطالية تدير فائضا في الميزانية وانخفاضا في تكاليف الديون منذ عدة سنوات وأعلنت مؤخرا عن خطة لتخفيض العجز بقيمة 48 مليون يورو، فإنها تنفق الآن 16% من تلك الميزانية على مدفوعات الفائدة، وسوف تتزايد هذه النسبة إذا استمر المستثمرون والدائنون في الخوف من عدم نجاح إيطاليا في الهروب من أزمة الديون في أوروبا. وفي الوقت الراهن، يتعدى مقدار الدين الإيطالي للأجانب - ما يقرب من 800 مليون يورو - نظيره في كل من اليونان وآيرلندا والبرتغال مجتمعة. وفي حال تعثر إيطاليا، سوف تكون التداعيات أكثر ضررا من أي شيء آخر قد عانته منطقة اليورو حتى الآن.

وقد أدت الحواجز الموضوعة في طريق النمو إلى قائمة من المشكلات؛ فبالنسبة للمبتدئين، يميل القادة من أمثال رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني وحتى رؤساء البلديات الصغيرة إلى أن يحصروا أنفسهم في السياسة التي تصرف انتباههم عن المحنة التي يمر بها الاقتصاد. والأكثر من ذلك، ظلت الإنتاجية من دون أي زيادة على مدار 10 سنوات، وتصل الضرائب المفروضة على الشركات إلى نحو 31%، ناهيك عن الضرائب المحلية المفروضة على الشركات.

وبالإضافة إلى ذلك، تعاني إيطاليا فساد السوق السوداء التي تشكل ما يقدر بـ20% من الاقتصاد، كما أن التهرب من دفع الضرائب يحرم الخزينة من إيرادات بقيمة 100 مليار يورو كل عام.

ويرى قليلون أن الحكومة يمكنها بكل سهولة القضاء على بعض المشاكل الكبرى التي تواجهها، مثل المافيا واقتصاد السوق السوداء، غير أن كثيرا من الخبراء يرون أن زعماء إيطاليا لديهم الوسائل اللازمة لتعزيز النمو في الاقتصاد القانوني. وعلى وجه التحديد، يمكن لروما البدء في فك تشابكات البيروقراطية التي أعاقت شركة «إيكيا» ووضعت قبضتها على الآلاف من الشركات الإيطالية الصغيرة.

وقال جيامباولو جالي، وهو المدير العام لاتحاد أصحاب الأعمال الإيطالي: «لكي تقوم بإنشاء شركة عليك التعامل في الغالب مع ما يتراوح بين 10 و20 هيئة، ثم تذهب إلى الحكومة طلبا للمساعدة، لكنك لن تجد أحدا يقدم لك يد العون».

لقد اصطدمت شركة «إيكيا» بعبء البيروقراطية عندما قررت بناء متجر بالقرب من هنا في مدينة فيكيانو. وعلى الرغم من أن شركة «إيكيا» لديها 20 متجرا في جميع أنحاء إيطاليا، فإن مدينة فيكيانو تمثل لها حالة خاصة. لقد استغرق الأمر 5 سنوات منذ اللحظة التي طالبت فيها «إيكيا» برخصة بناء في إيطاليا وحتى يوم افتتاحها، لكن في مدينة فيكيانو مرت حتى الآن 6 سنوات، في حين كان رئيس المدينة، في ذلك الوقت، يدعو إلى إجراء دراسات وعقد اجتماعات في قاعة البلدة. ويبدو أن الكثير من الناخبين لم يكونوا يرغبون في وجود متاجر كبيرة للتجزئة، لكن يرحب كثيرون بإقامة متاجر التجزئة السويدية، حسب ما صرحت به آنا بولاس، وهي صاحبة متجر لبيع الكتب.

وفي حال إقامة المشروع كان من المفترض أن توفر شركة «إيكيا» نحو 350 وظيفة جديدة في منطقة تعاني، بشدة، البطالة وتساعد على تحفيز الاقتصاد في إقليم توسكانا.

وقال فاليريو دي بوسولو، المتحدث باسم الشركة في إيطاليا: «لسنا منظمة غير حكومية غير هادفة للربح، إننا شركة تهدف إلى الربح ونريد شيئا حقيقيا لا ريب فيه بشأن استثماراتنا». وفي اليوم الذي أعلنت فيه شركة «إيكيا» انسحابها من المشروع، سارع رئيس إقليم توسكانا، إنريكو روسي، بتقديم المساعدة. والآن تقوم البلدات القريبة، مثل بيزا وليفورنو، بمغازلة شركة «إيكيا» لافتتاح مشاريع بها.

في الوقت نفسه، يدعو العمدة الجديد لمدينة فيكيانو – رحل رئيس البلدية السابق عن منصبه بعد فشله في الانتخابات – شركة «إيكيا» إلى أن تعيد النظر في إنشاء المشروع، لكن الشركة تقول إنه قد فات الأوان، وإنها تدرس إقامة المشروع في إحدى البلدات القريبة.

لقد تبددت هذه الفرصة الآن من وجهة نظر بولاس، صاحبة متجر بيع الكتب، التي قالت: «إننا بحاجة إلى اغتنام أي فرصة يمكننا الحصول عليها في هذه اللحظة من الأزمة التي تمر بها البلاد». ويعتبر ما حدث مع شركة «إيكيا» مثالا على ما يحدث مع جميع الشركات في جميع التخصصات.

من جهته، يشكو بيلاتي، صاحب شركة «أوماب» في فلورنسا، إلزامه بالحصول على عدد كبير جدا من الأوراق الحكومية المكلفة، بالإضافة إلى عمليات التفتيش والزيارات التي يقوم بها الأطباء للاطمئنان على موظفيه، ويكون ذلك كله على نفقته الخاصة. ولأن إيطاليا تقوم بحماية النقابات، يقول بيلاتي إنه يتعين عليه الاستعانة بمصادر خارجية لكتابة شيكات بنفقات شهرية تبلغ 50 يورو لكل شيك. وأضاف: «تتجاوز تكاليف الأعمال الكتابية في الشركة 20 ألف يورو». ثم تأتي الضرائب بعد ذلك؛ حيث يتعين عليه أن يدفع 10 آلاف يورو ضرائب على ربح بقيمة 20 ألف يورو، حسب قول بيلاتي الذي أضاف: «حتى لو حققت ربحا، فلن أتمكن من توفير نقود لكي أقوم بتطوير الشركة». وإذا قمت بركوب القطار لمدة ساعتين إلى الشمال الشرقي من مدينة بيزا سوف تجد مركزا صناعيا كبيرا يسمى بادوفا، كما توجد هناك مئات الشركات التي تديرها العائلات الصغيرة، وعادة ما توظف 5 أو 6 أشخاص، لكنها تواجه مشاكل مماثلة. وقد نجح ماريو كارارو، وهو واحد من رجال الأعمال القلائل في بادوفا الذين تمكنوا من كسر هذا القالب؛ حيث ركز منذ سنوات – بسبب رؤيته لتحديات العولمة – على تحسين التكنولوجيا والإنتاجية في شركته، التي توظف 2000 شخص في إيطاليا و2000 شخص في الصين والهند. وتحتاج إيطاليا إلى وجود مزيد من مثل هذه الشركات، لكن عندما ينظر كارارو حوله لا يرى سوى الركود، وقال: «اعتدنا أن نطلق على مثل هذه الشركات اسم (بيكولو بيلو) أي: صغيرة وجيدة، لكنها تموت الآن بكل أسف».

* أسهم في كتابة التقرير غايا بيانيجياني من روما

* خدمة «نيويورك تايمز»