اليمن مع دخول رمضان.. أسواق بلا زبائن

ارتفاع الأسعار إلى معدلات قياسية

الأزمة السياسية أثرت بشكل كبير على قيمة الريال اليمني («الشرق الأوسط»)
TT

على غير ما جرت العادة من اكتظاظ الأسواق وازدحامها بالمشترين والمتبضعين في مثل هذه الأيام، قبيل حلول شهر رمضان المبارك، تبدو الأسواق في صنعاء والمدن اليمنية الأخرى، شبه خالية وبلا زبائن، إلا في مستويات محدودة.

ولما اعتاد المستهلك اليمنى، شأنه شأن المستهلك في البلدان العربية والإسلامية، حشد قدراته وإمكانياته لتأمين مستلزمات شهر رمضان من السلع الاستهلاكية، نظرا لتبدل أنماط الغذاء وطبيعة المأكولات خلال هذه الشهر، فإن عملية التبضع، كما اعتاد الناس، تبدأ منذ مطلع شهر شعبان وتصل إلى ذروتها في الأسبوع الأخير منه، حيث تزدحم الأسواق والمجمعات الاستهلاكية بالمشترين، على نحو تضطر معه الأسواق للعمل على مدار الساعة في أواخر شعبان، لتلبية متطلبات زبائنها من سلع وبضائع، لكن الأمر يبدو مختلفا هذا العام؛ فخلو الأسواق من المشترين، يرجع بدرجة أساسية للأزمة السياسية التي يعيشها اليمن منذ فبراير (شباط) الماضي، بكل تداعياتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وما ترتب على ذلك من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، مما يعنى أن حالة الكساد المخيمة حاليا على الأسواق حتى قبيل رمضان، أحد تجليات هذا الارتفاع الجنونى في الأسعار.

جولة «الشرق الأوسط» في أسواق صنعاء لم تكشف فحسب عن إحجام الناس عن التدافع لشراء احتياجات رمضان، كما اعتادوا، لكنها كشفت أيضا عن محدودية الكميات المشتراة من قبل الزبائن، والسبب يرجع كما يرى سعيد العريقي (40 عاما)، موظف، إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، كالسكر والدقيق والأرز والزيت والألبان والتمور، وغيرها من المواد التي هي أكثر استهلاكا في رمضان بنسبة 35 في المائة هذا الأسبوع، بخلاف الزيادات التي طرأت منذ اندلاع الأزمة، وهو ما يجعل المشتري يخفض كمية احتياجاته الرمضانية إلى النصف تقريبا، ويعمد إلى ترشيد نفقاته حتى يفي باحتياجات العيد التي لا تقل تكلفة عن احتياجات رمضان.

والواقع أن الأزمة السياسية بتداعياتها المختلفة، وخاصة الاقتصادية منها، أدرجت نحو 9 ملايين يمني (40 في المائة من السكان) ضمن قوائم الجوعى، بحسب تقرير للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بصنعاء، وعصفت بالقوة الشرائية للمستهلك اليمني إلى أدنى مستوياتها، بسبب انخفاض قيمة صرف العملة اليمنية أمام الدولار، حيث فقد الريال اليمني 30 في المائة من قيمته أمام الدولار منذ انطلاق الاحتجاجات في فبراير الماضي، بالإضافة إلى تراجع عائدات البلاد من العملة الصعبة إثر توقف صادراتها النفطية، عقب تخريب خط أنابيب تصدير النفط، على يد عناصر قبلية مسلحة في أبريل الماضي. وأدى توقف إنتاج النفط اليمني ومغادرة عدد من الشركات العاملة في هذا المجال، إلى انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها بشكل قياسي، وصل إلى عشرة أضعاف السعر الرسمي، الأمر الذي اعتبره مسؤول في الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة، سببا مباشرا في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فارتفاع أسعار المشتقات النفطية نتج عنه ارتفاع تكلفة إنتاج الكثير من السلع، خاصة الزراعية منها، فضلا عن ارتفاع تكلفة النقل والترحيل، مما يعني زيادة أسعار معظم السلع، سواء المنتجة محليا أو الواردة من الخارج، يضاف إلى ذلك زيادة الطلب على كثير من المنتجات خلال رمضان، فترتفع أسعارها لقلة المعروض منها، مؤكدا أن مجلس إدارة الغرفة التجارية اتخذ قرارا بعدم احتساب الزيادة في تكاليف النقل والترحيل، وإبقاء الأسعار على مستوياتها السابقة قدر الإمكان، إسهاما من القطاع الخاص في تخفيف الأعباء عن المستهلكين خلال رمضان، على الرغم من الانعكاسات الجادة للأزمة السياسية ودورها في جمود الإنتاج المحلي، وتراجع حركة التجارة، وارتفاع معدلات التضخم.

وعلى الرغم من توارد أنباء عن إصلاح خط الأنابيب واستئناف عملية تصدير النفط من حقول الإنتاج في محافظة مأرب (شرق البلاد)، ووصول 3 ملايين برميل نفط كمنحة من المملكة العربية السعودية دعما لليمن، فإن أسعار المشتقات النفطية ظلت مرتفعة، مما يشير إلى استمرار معاناة المواطنين من عدة أوجه خلال شهر رمضان، فإنتاج معظم السلع والخدمات وتوفرها مرهون بتوفر المشتقات النفطية.

ويضاعف من معاناة اليمنيين وتراجع قدراتهم على الوفاء بمتطلبات شهر رمضان هذا العام أيضا، غياب برامج الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تنشط بصورة استثنائية خلال رمضان من كل عام، وتحشد التبرعات لتقدم مساعدات عينية للأسر الفقيرة والمحتاجة، وتسهم في تخفيف حجم معاناتها، والملاحظ غياب هذه البرامج هذا العام إلا في مستويات محدودة، في الوقت الذي يتسع فيه نطاق الفقر وتزداد شرائح الفقراء في بلد يعيش فيه 47 في المائة من السكان تحت خط الفقر العام، يضاف إلى ذلك وجود مئات الآلاف من النازحين من محافظات أبين وصنعاء وصعدة؛ بسبب تداعيات الأزمة الأمنية، الذين يعيشون في مخيمات إيوائية مؤقتة تفتقر إلى الكثير من الخدمات، وهم بحاجة إلى الدعم والمؤازرة، خاصة خلال شهر رمضان، كما تسهم الزيادة المطردة في معدلات البطالة؛ نتيجة تسريح شركات القطاع الخاص نحو 60 في المائة من موظفيها، في زيادة أعداد الفقراء والمحتاجين.

لكن ما ينقص الناس أيضا بجانب عدم قدرتهم على تحمل نفقات الشهر الكريم، هذا العام، هو الشعور بالأمان كما تقول أم سامر (موظفة ثلاثينية)، موضحة أن استمرار الأزمة السياسية دون أن تلوح بوادر انفراج، ووجود الكثير من مظاهر التوتر، يشعر الناس بالقلق والخوف، ويمكن أن يحرم الناس من التمتع بأجواء رمضان الروحية والتعبدية هذه المرة، كما أن هذه الأوضاع يمكن أن تقلل من فرص التواصل والتواشج الاجتماعي، كسمة رمضانية، بسبب الحالة الأمنية وصعوبة التنقل.