هل سيعاد انتخاب أوباما؟.. الاقتصاد يحمل الإجابة

ارتفاع معدل البطالة يؤثر على فرصه في فترة رئاسية ثانية

الرئيس الأميركي باراك أوباما («الشرق الأوسط»)
TT

دافع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أول من أمس، السبت، عن اتفاق تخفيض العجز الذي تم التوصل إليه، الأسبوع الماضي، في أول تعليق له منذ تخفيض إحدى وكالات «وول ستريت» للتصنيف الائتماني (الجدارة الائتمانية) لحكومته بشكل غير مسبوق.

وكانت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني خفضت تصنيف ديون الحكومة الأميركية في وقت متأخر الجمعة إلى «إيه إيه موجب» من التصنيف الممتاز القائم منذ فترة طويلة «إيه إيه إيه».

وأعلنت أن اتفاق رفع الحد الأقصى للدين، الذي جرى التوقيع عليه، الثلاثاء الماضي، يصبح قانونا، وتضمن تخفيضات في الإنفاق بمقدار 2.1 تريليون دولار على الأقل على مدار السنوات العشر المقبلة «يقف دون» إيجاد وسيلة للسيطرة على الديون.

وخفضت الوكالة تصنيف الدين الأميركي الممتاز المستمر منذ مدة طويلة وهو «إيه إيه إيه» إلى «إيه إيه موجب» على السندات طويلة الأجل في ظل استمرار وجود توقعات «سلبية». وقد أبقت الوكالة على هذا التصنيف الممتاز قائما منذ عام 1941. وقالت «ستاندرد آند بورز» في بيان إن «خفض التصنيف يعكس رأينا في أن خطة التعزيز المالي، التي وافق عليها الكونغرس، والإدارة لا ترقى، في رأينا، إلى ما هو ضروري لتحقيق الاستقرار في حركة الدين الحكومي على المدى المتوسط».

وقال البيت الأبيض في بيان إن «التسوية التي توصل إليها الحزبان (الجمهوري والديمقراطي) حول تقليص الديون تشكل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح».

وأضاف أن أوباما «دعا مرارا إلى تقليص كبير للعجز من خلال تغييرات في الاستحقاقات بعيدة المدى، ومن خلال إيرادات من الإصلاح الضريبي، وتدابير إضافية لتوفير فرص عمل وتعزيز تعافينا (الاقتصادي)». وبحسب وكالة الأنباء الألمانية قال توم ماير، كبير الاقتصاديين في مصرف «دويتشه بانك» الألماني لصحيفة «بيلد آم زونتاج» إنه من المرجح أن تستأنف عمليات البيع (في أسواق المال) اليوم الاثنين. وتابع: «الخبر السيئ يكون دائما غير مريح بالنسبة للأسواق». وقال إنه لا يتوقع انهيارا عالميا، ولكن «قد تكون هناك خسائر».

وبعد أن احتفل أوباما بعيد ميلاده الـ50 يوم الخميس الماضي، كان يقضي عطلة نهاية الأسبوع في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، في ميريلاند الغربية، خارج واشنطن. وقال ميت رومني، أحد المتنافسين على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية ضد أوباما في العام المقبل، إن خفض التصنيف الائتماني للديون الأميركية هو «مؤشر مقلق للغاية على تراجع بلادنا» في عهد أوباما. وأضاف: «الجدارة الائتمانية لأميركا أصبحت أحدث ضحية في سجل فشل قيادة الرئيس أوباما للاقتصاد».

وهل سيعاد كتابة مصير باراك أوباما بالأرقام؟ هكذا تساءلت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها.

وقد تراجع مؤشر «داو جونز» مؤخرا بمقدار 513 نقطة، في أعقاب يوم من التراجع في مستوى التصنيف الائتماني للبلاد. واليوم، تعادل قيمة المنازل أقل مما كانت عليه منذ خمسة أعوام ماضية بمقدار الثلث. ويقل نصيب الأميركيين في سن العمل داخل قوة العمل، عند مستوى 58 في المائة فقط، عما كان عليه الحال منذ عام 1983. ويبلغ معدل النمو الاقتصادي أقل من 2 في المائة، وهو معدل بالغ البطء، وعليه تبدو إمكانية التعرض لركود مزدوج محتملة.

وبحسب الصحيفة، يعد مثل هذا النمط من البيانات الاقتصادية عائقا كبيرا في طريق رئيس يأمل في الفوز بفترة رئاسة ثانية. ويساور الديمقراطيين القلق من أن الوقت المتاح لتغيير مسار العاصفة.

عن ذلك، قال خبير الاستراتيجيات بالحزب الديمقراطي، مارك ميلمان: «الأنباء السارة بالنسبة للرئيس هي أن الانتخابات لن تجري اليوم، لكن إذا تطلع الناس قدما ورأوا ما نراه اليوم، فسيصبح الأمر عسيرا بالنسبة له. الأمر الأكثر أهمية هو تبديل الظروف القائمة على الأرض، وهذا هو أصعب شيء على الإطلاق».

خلال الحملات الانتخابية للتجديد النصفي، العام الماضي، أكد أوباما مرارا على أن الجمهوريين أضروا الاقتصاد، والتساؤل الذي يفرض نفسه من الآن فصاعدا: لماذا لم يعالج الاقتصاد؟ ويرى مفكرون استراتيجيون وعلماء سياسة أنه إذا نظرنا إلى الانتخابات الماضية كمؤشر، فإن الوقت المتاح أمام أوباما لتحقيق ذلك - ربما حتى الصيف المقبل فقط - محدود.

بحلول الشهور الأخيرة السابقة للانتخابات الرئاسية، سيكون الناخبون قد اتخذوا قرارهم بالفعل بشأن مرشحهم، حسبما أوضح روبرت جيه شابيرو، الذي كان كبير المستشارين الاقتصاديين لبيل كلينتون في حملته الانتخابية عام 1992، ويترأس حاليا شركة استشارات اقتصادية. وقال مسؤول استطلاعات الرأي لدى الحزب الديمقراطي، جيوف غارين، إن مؤشرات ظهرت مؤخرا توحي بأن المجموعات الانتخابية القادرة على حسم النتيجة تتفهم مدى تعقيد المشكلة، لكن صبرهم بدأ في النفاد.

وأضاف: «لا أحد يلومه عن المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد، ولا يزال الناس يأملون فيه، وفي قدرته على دفع البلاد باتجاه أفضل، لكن مقابل ذلك يشعر الناس بإحباط شديد بالوتيرة البطيئة للتغيير، ولا يرون مؤشرات كافية في الوقت الراهن توحي بأنهم على الطريق نحو أيام أفضل». من جهته، أعلن البيت الأبيض أنه من الضروري تركيز جل اهتمامه على الاقتصاد والوظائف، لكن خطاب إدارة أوباما ركز على قضايا أخرى، آخرها المفاوضات الطويلة حول رفع سقف الدين، الأمر الذي يستمر في اعتراض الخط الرئيسي للاهتمام.

وتبقى دائما احتمالية التعرض لانتكاسة بسبب صدمة أجنبية، ربما جراء أزمة ديون أوروبا. في تلك الأثناء، سيتشارك أوباما الساحة السياسية مع خصومه من الحزب الجمهوري، الذين سيركزون عليه سهام نقدهم. ومن جانبه، صرح حاكم ماساتشوستس السابق ميت روني، الجمعة، بأن «تقرير البطالة الصادر اليوم يمثل الشهر الـ30 على التوالي الذي تتجاوز فيه معدلات البطالة 8 في المائة. وعندما ننظر لما حققه هذا الرئيس للاقتصاد في غضون ثلاث سنوات فحسب، تدرك لماذا لا ترغب أميركا في معرفة ما يمكنه فعله في ثمانية سنوات».

ومن العسير تخيل ما يمكن لأوباما فعله تحديدا لتغيير دفة المسار الاقتصادي عند هذه النقطة. وتتعارض الضرورة السياسية لتقليص الإنفاق الحكومي، التي هيمنت على المفاوضات التي جرت حول رفع سقف الدين، ودفعت البلاد لحافة العجز عن سداد الديون، تماما مع ما يعتقد كثير من الخبراء الاقتصاديين أنه سيعزز النمو الاقتصادي على المدى الاقتصادي.

وعليه، يدعو الرئيس لإجراءات ربما تفيد على المدى القصير، مثل تمديد التخفيضات الضريبية على الرواتب وإعانات البطالة الطارئة المقرر انتهاء سريانها في ديسمبر (كانون الثاني). ومن بين المؤشرات المثيرة للقلق بالنسبة لأوباما أنه خلال اثنتين فقط من الانتخابات الرئاسية التي أجريت منذ مطلع خمسينات القرن الماضي كانت مؤشرات ثقة المستهلكين على نفس القدر من البطء الذي تتسم به اليوم. وهذان العامان هما 1980 و1992، وتصادف أن هاتين هما المرتان اللتان هزم فيهما رئيس في الانتخابات الرئاسية لفترة الثانية.

بطبيعة الحال، لكل انتخابات قضاياها وشخصياتها، لكن خبراء وجدوا صلات بين الأداء الاقتصادي لأي رئيس وأدائه الانتخابي. ومن بين النماذج المرتبطة بهذه الصلات، والتي نالت إشادة كبيرة من قبل علماء السياسة ما يدعى نموذج «الخبز والسلام» الذي صممه دوغلاس هيبز من جامعة غوتنبرغ في السويد. وتوصل عبر هذا النموذج إلى أن إمكانات إعادة انتخاب رئيس ما ترتبط بالنمو في الدخل المتاح للتصرف، وعدد الضحايا العسكريين في حروب أجنبية بدأتها الولايات المتحدة.

وقال هيبس: «إذا راهنت اليوم فسأراهن على خسارته».

وبالمثل، تزايد شعور راي فير، بروفسور الاقتصاد بجامعة ييل الذي طور نموذجا شهيرا للتكهن بنتائج الانتخابات، بالتشاؤم إزاء إمكانات فوز أوباما في الانتخابات المقبلة.

وقال: «يجب أن يتحرك سريعا. وبخلاف العمل على ضرائب الرواتب، ربما سيعجز عن تحقيق الكثير ما بين الآن وموعد الانتخابات بحيث يؤثر في الاقتصاد».

أغلقت «وول ستريت»، الجمعة، من دون تغيير، وهو أمر جيد بالنظر للهبوط الذي منيت به اليوم السابق. وأعلنت الحكومة عن مؤشرات أخرى أكثر إيجابية ومنها تراجع معدلات البطالة وخلق الاقتصاد عدد وظائف أكبر عما سبق له تحقيقه منذ أبريل (نيسان).

ومع ذلك، فإنه حتى في الوقت الذي أشار فيه أوباما لتحسن الوضع قليلا على صعيد الوظائف، أشار إلى أنه «علينا خلق مزيد من الوظائف شهريا لتعويض أكثر من 8 ملايين وظيفة التهمها الركود. نريد خلق دورة اقتصادية قادرة على الاستمرار بالاعتماد على ذاتها، حيث ينفق الناس وتستعين الشركات بموظفين وينمو اقتصادنا»، ومن الأفضل له تحقيق ذلك قريبا.