احتمال تباطؤ الاقتصاد الأميركي يزرع الرعب في أوصال منطقة اليورو

أزمة ديون أوروبا ستتفاقم إذا انكمش الاستهلاك الأميركي

TT

يتحمل زعماء سياسيون أوروبيون قدرا كبيرا من المسؤولية عن أزمة اليورو القائمة، وما زالوا عاجزين عن التصرف بالسرعة والحزم الكافيين لتهدئة الأسواق، لكن حالة الذعر الحالية أسهم فيها سياسيون أميركيون؛ حيث صحب خلافهم الصاخب بشأن سقف الدين احتمالية حدوث ركود آخر داخل الولايات المتحدة من شأنه تقويض إمكانية حدوث نمو عالمي.

وتضع هذه الاحتمالية – احتمالية عودة الأميركيين إلى الاقتصاد في المشتريات من جديد ووقف شراء السلع من الصين وأوروبا وأماكن أخرى – ضغطا جديدا على اقتصادات منطقة اليورو المثقلة بالديون، وآخرها إيطاليا وإسبانيا.

وقد كانت خطوط الهاتف مشغولة يوم الأحد؛ حيث كان رؤساء الحكومات ووزراء المالية ومحافظو المصارف المركزية من آسيا إلى أوروبا، وصولا إلى الولايات المتحدة، يتناقشون بشأن الشيء المفيد الذي يمكن ذكره قبل فتح الأسواق أبوابها يوم الاثنين. ويبدو أن الجميع يتفق على شيء واحد: الحاجة للدفاع عن فكرة أن الولايات المتحدة ما زالت محل ثقة، على الرغم من تخفيض تصنيف الولايات المتحدة قليلا من جانب «ستاندرد أند بورز».

لكن مشاكل الولايات المتحدة، بما في ذلك احتمالية حدوث ركود، قد أضفت كآبة على توقعات النمو. ويقول سيدريك ثلير، الاقتصادي بالمصرف الاستثماري الفرنسي «ناتيكيس»: «هذا اضطراب حقيقي، ولكن كل شيء مختلط، ويصنع هذا الأمر مشكلة». ويضيف: «إنه الخوف من الأسواق؛ لذا ترتفع الأسعار وتظهر دوامة سلبية».

وليس واضحا بالقدر الكافي كيف يمكن لأوروبا أن توقف التراجع. ويمكن أن يشتري المصرف المركزي الأوروبي بعض السندات الإيطالية والإسبانية، لكن إيطاليا وإسبانيا سويا أكبر من أن يتم إنقاذهما. ولا تلجأ أوروبا – التي تميل إلى التريث والتدريج وتحتاج إلى إجماع – إلى العلاج بالصدمة. ولدى أوروبا بالفعل نمو أقل من الولايات المتحدة، واحتمالية الاستمرار في التراجع تجعل أزمة الديون أسوأ. ويتفق الجميع على أن أفضل السبل لتقليل الدين السيادي هو النمو الاقتصادي. ومن خلال النمو، يظهر المزيد من الوظائف ويرتفع العائد الضريبي، مما يزيد عوائد الحكومة، بينما يتراجع الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي المتنامي، لكن يضع الركود المزيد من الضغوط على الحكومات الساعية إلى احتواء العجز؛ حيث تتراجع العوائد الضريبية وتزداد النفقات على المساعدات الاجتماعية ويرتفع الدين بدرجة كبيرة، ما لم تقُم الحكومة بتقليل النفقات بدرجة أكبر، مما يؤدي إلى تراجع النمو بدرجة أكبر.

وتعتبر هذه «مصيدة الدين» التي أسقطت اليونان والبرتغال ودولا أوروبية أخرى، وهي الدائرة التي تدفع إسبانيا وإيطاليا، على وجه الخصوص، إلى حافة العجز عن السداد. وترى الأسواق في الوقت الحالي النمو مرتبكا بدرجة أكبر، مما يجعل الديون الكبيرة تزداد ويكون من الصعب تمويلها، ويضع ذلك عددا من المصارف التي تحوز الديون السيادية في خطر. ويمكن لإيطاليا أن تدير دينها بنسبة فائدة تبلغ 4%، ولكن يصبح الدين لا يمكن تحمله عندما يبلغ المعدل 6.5% على دين يمثل 120% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبقدر ما أضافت الدراما الأميركية والحديث عن ركود جديد إلى مشاكل أوروبا، يجب أن يتحمل الأوروبيون أنفسهم الجزء الأكبر من المسؤولية. وكان آخر اجتماع ضمن سلسلة من اجتماعات قمة عاجلة جميعها بهدف تهدئة الأسواق ووضع نهاية للأزمة قبل أقل من 3 أسابيع، وتحديدا في 21 يوليو (تموز). وبدت الخطوات التي اتخذت حينها – بما في ذلك إعادة هيكلة فعالة، على الرغم من تواضعها، للدين اليوناني وسلطات جديدة لصندوق الإنقاذ الذي يطلق عيه مرفق الاستقرار المالي الأوروبية – تهدئ من الأسواق. لكن عرف الجميع أن المشكلة لم يتم حلها، في الواقع، وأن سلطات الصندوق الجديد يجب أن تقرها البرلمانات الأعضاء، الأمر الذي قد يستغرق فصل الخريف، وأن إسبانيا وإيطاليا ما زالتا عرضة للمخاطر.

لكن حينها جاءت أزمة سقف الدين الأميركي وتوقعات نمو سلبية، كما أن زعماء الدول في عطلات أسبوعية، وهامش التداول ضعيف، وللمضاربين تأثير أكبر.

ومع تراجع الأسهم ومتابعة الأسواق لإيطاليا وإسبانيا، كانت هناك أخطاء أخرى؛ إذ أدلى رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروسو، بتعليقات غير موفقة، كما جاء في خطاب يوم الاثنين، عندما دعا إلى «إعادة تقييم سريع لجميع العناصر» المرتبطة بصندوق الاستقرار حتى يكون «مجهزا بالوسائل اللازمة للتعامل مع خطر ينتقل بالعدوى». كما وجه انتقادات لسياسيين أوروبيين بسبب «اتصالهم غير المنظم»، وكأنه لم يقم بنفس الشيء. وقد كان ذلك مناسبا لأن تتراجع أسعار الأسهم ويقبل الناس على البيع، وقد جلب ذلك انتقادا لباروسو من برلين ومن مفوضه الاقتصادي أولي رين.

وقال متحدث باسم وزارة المالية الألمانية: «ليس واضحا كيف أن إعادة فتح النقاش بعد مرور أسبوعين فقط على القمة ستسهم في تهدئة الأسواق». وفي مؤتمر صحافي يوم الجمعة، قال رين: «سيكون علينا جميعا ممن يشغلون مواقع مسؤولة داخل أوروبا القيام بالمزيد لضمان انضباط في الكلام». ويوم الخميس بدأ المصرف المركزي الأوروبي، بتردد، شراء دين سيادي مرة أخرى، ولكن ليس من إيطاليا أو إسبانيا. واعترف رئيس المصرف المركزي، جان كلود تريشيه، بأن المجلس منقسم. وأشار البعض في المجلس إلى أن عدم شراء الدين الإسباني والإيطالي كان وسيلة لإجبار هذه الدول على خفض الميزانية وإجراء إصلاح هيكلي، لكن عندما قالت إيطاليا إنها ستحدث توازنا في ميزانيتها عام 2013 بدلا من 2014، لم يصنع ذلك فارقا كبيرا في الأسواق.

وفي وقت متأخر من يوم الأحد بعد مكالمة جماعية استمرت لساعات، قال مجلس إدارة المصرف المركزي إنه يرحب بجهود استقرار مالي جديدة أعلنت عنها إيطاليا وإسبانيا، داعيا إلى سرعة تنفيذها، كما أشار إلى أن المصرف بدأ في شراء سنداتهم. وكالمعتاد، يتحرك الاتحاد الأوروبي متأخرا، وبصورة تدريجية. وعلى ضوء الضغوط من جانب الأسواق ومشكلة تقدم عمر السكان والديون السيادية وأسواق العمل غير المرنة والنمو الراكد، لا سيما عدم التوازن بين الشمال والجنوب – بوجود دول تنافسية مثل ألمانيا ودول غير تنافسية مثل اليونان والبرتغال – يجب أن يتحرك الاتحاد الأوروبي إما للأمام وإما للخلف.

ويعني التحرك للخلف عملية تفكيك مكلفة ومعقدة وبطيئة لمنطقة اليورو. ويعني التحرك للأمام «بصمة أوروبا أكبر» - من خلال المزيد من التضامن والمزيد من التنسيق في السياسات المالية ومن أعمار التقاعد ومن الضرائب. وفي النهاية، فإنه من أجل الحفاظ على منطقة اليورو، سيكون على الدول الأكثر ثراء وأفضل من ناحية القدرة التنافسية أن تضع مصداقيتها وبعض أموالها وراء دول أفقر، ليس فقط من أجل شراء سنداتها لكن لإعطائها وقتا لإعادة الهيكلة.

وفي مراحل الأزمة كلها، ردت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على دعوات للمزيد من المسؤولية الأوروبية والألمانية بالرفض، وبعد ذلك تحولت إلى الإيجاب بعد ضغوط من السوق والدول الأخرى. وفي هذه اللحظة تقول «لا» لسندات اليورو أيضا – وهي السندات التي ستصدر بمسؤولية جماعية لأعضاء منطقة اليورو كلهم. وهناك أسباب جيدة وراء رفضها، منها: الوضع السياسي داخليا، والمحكمة الدستورية الألمانية، ووعد بأن الألمان لن يطلب منهم إنقاذ دولة أخرى تتمتع بسيادة.

لكن تقوم ألمانيا بذلك بصورة مستترة بدرجة أكبر، على ضوء الشكل الجديد وقدرات صندوق الاستقرار التي وافقت عليها المستشارة الألمانية الشهر الماضي بعد تردد. وقال المفوض الاقتصادي الأوروبي رين، الجمعة، إنه كان يعتقد أن سندات اليورو حاليا فكرة جيدة. ويحتمل أن تكون سندات اليورو الخطوة الإضافية التالية، التي تكون فيها ألمانيا مجبرة على الرد بالإيجاب على الرغم من أنها كانت قد عبرت عن الرفض، لوضع القوة الاقتصادية الجماعية لمنطقة اليورو، بسكانها البالغ عددهم 330 مليون شخص، وراء جميع أعضائها. وكما حذر وزير المالية الإيطالي، جوليو تريمونتي، مؤخرا، فإن الألمان «كما الحال مع السفينة تايتانيك، لا يستطيع حتى ركاب الدرجة الأولى إنقاذ أنفسهم».

* أسهمت في التقرير مايا دي لا بوم