مزاعم أفول «الإمبراطورية الأميركية» مبالغ فيها

اقتصادها لا يزال 3 أضعاف حجم الاقتصاد الصيني

TT

ربما يحمل قرار تقليص درجة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة أهمية رمزية تفوق أهميته الفعلية، لكنه يعطي بعض الأفضلية للذين يقولون إن أميركا لم تعد بالصورة التي كانت عليها من قبل، وإنها إمبراطورية في مرحلة الأفول.

منذ 70 عاما مضت، طرح مؤسس مجلة «تايم» مفهوم «القرن الأميركي»، وجاء هذا المفهوم مثقلا آيديولوجيا على نحو بالغ، ولم يتقبله أولئك الذين يخشون الهيمنة الأميركية، بدلا من أن يحتفوا بها. واليوم، ظهرت الكثير من الكتب تتناول حقبة «ما بعد الهيمنة الأميركية».

أيضا، هناك سيل من الكتب الصادرة عن سياسيين من الحزب الجمهوري تهاجم الرئيس أوباما، متهمة إياه بعدم الإيمان بـ«التفرد الأميركي»، وهي فكرة تدور حول أن الولايات المتحدة قدر لها، سواء لعبقريتها الدستورية أو جغرافيتها أو ثقافتها أو العناية الإلهية أو مزيج ما آخر، أن تضطلع بدور فريد وهائل في الحضارة الإنسانية.

في كتابه «لا اعتذار.. آمنوا بأميركا»، كتب ميت رومني، الذي يأمل في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسية، أن أوباما يؤمن بأن انحسار أميركا أمر محتوم و«ينظر لمهمته باعتبارها إدارة هذا الانحسار بصورة ما، وجعل مرحلة الانتقال إلى حقبة ما بعد مكانة القوة العظمى سلسة بأقصى درجة ممكنة، ومساعدة الأميركيين على تفهم ذلك والتكيف مع الظروف الجديدة».

ولدى سؤاله خلال رحلة له إلى الخارج عام 2009 حول ما إذا كان يؤمن بالتفرد الأميركي، أجاب أوباما «أؤمن بالتفرد الأميركي، مثلما أعتقد أن البريطانيين يؤمنون بالتفرد البريطاني، واليونانيين يؤمنون بالتفرد اليوناني». وقد أثار تصريحه هذا انتقادات من معسكر الجمهوريين فقط.

ومنذ ذلك الحين، بات أوباما أكثر توكيدا في حديثه عن الدور الأميركي الخاص في العالم. خلال آخر خطاب له حول وضع الاتحاد، تحدث عن الحاجة لـ«الحفاظ على القيادة التي جعلت أميركا ليست مكانا على الخريطة فحسب، وإنما جعلتها نورا للعالم». وأضاف «كل المشككين يتوقعون انهيارنا».

وحاول أوباما، الاثنين، خلال خطاب جرى إعداده على عجل، طمأنة البلاد على أن تراجع التصنيف الائتماني للديون الأميركية لا يعني ضمنيا تراجع مكانة الولايات المتحدة ككل. وقال، بينما استمرت الأسواق في الانحسار «بغض النظر عما تقوله وكالة ما، كنا دوما وسنبقى دوما إيه إيه إيه. ورغم كل التحديات التي نجابهها، فإننا لا نزال نحظى بأفضل الجامعات، وبعض أكثر العاملين إنتاجا، وأكثر الشركات ابتكارا، وأكثر رجال الأعمال جسارة على وجه الأرض».

إلا أن كلمات أوباما لم تحل دون تراجع السوق الاثنين، وانهال خصومه السياسيون على خطابه بالسخرية والاستهزاء. مثلا، عبر رسالة بريد إلكتروني بعث بها صباح الثلاثاء، سخر عضو من اللجنة الوطنية التابعة للحزب الجمهوري بقوله «إن الوضع ليس إيه إيه إيه تماما، سيدي الرئيس».

ومع ذلك، أقرت السوق الحرة، التي تعمل تبعا لنمط ما من العقل الجمعي، التصنيف الذي طرحه أوباما، حيث سارعت لالتهام الديون التي لم يعد تصنيفها رسميا «إيه إيه إيه» تبعا لمعدلات منخفضة قياسيا من المنظور التاريخي.

إلا أن شراء الديون الأميركية يختلف عن الثناء على النظام السياسي الأميركي الراهن. وتتضمن أصول أي دولة ما هو أكثر من مجرد الأرقام التي تظهر في الميزانية. لم تكن الولايات المتحدة أغنى دولة بالعالم لفترة طويلة فحسب، وإنما أيضا الأكثر نفوذا في تجميع صفوف الأنظمة الاقتصادية الدولية.

من جانبه، أعرب آلان ملتزر، بروفسور الاقتصاد بجامعة كارنيغي ميلون، عن خشيته من تعرض النفوذ الأميركي لتقويض خطير خلال السنوات الأخيرة، وتحسر على انتهاء العصر الذي كان بمقدور واشنطن خلاله تكوين تحالفات مع الدول لتمرير اتفاقات تجارة حرة. وأضاف ملتزر «كيف يمكنك قيادة باقي شعوب العالم وإخبارهم بما ينبغي عليهم فعله بينما تبدو عاجزا عن فعل الأمور الصائبة لك؟ قطعا لا يمكنك ذلك. لقد ولى عهد القيادة. والناس يتملكهم الفزع من ذلك».

من جهته، استمع فيليكس روهاتين، المصرفي الاستثماري الأسطوري الذي ساعد في إنقاذ مدينة نيويورك عام 1975 عندما وقفت على شفا الإفلاس، من أصدقائه بالخارج للكثير من مشاعر الصدمة حيال مشكلات أميركا الأخيرة السياسية والاقتصادية. وقال «يشعر الناس بذهول حيال ما يرونه. إنهم مصعوقون بما حدث لتصنيف الديون».

بوجه عام، لا يبدو واضحا قط، في ما يتصل بمصير الأمم وصعود وانهيار الحضارات، أي الفترات تشكل نقطة تحول وأيها لا يعدو كونه عثرة في الطريق. وربما يرى البعض أن المصاعب المالية الأميركية تضخمت جراء غياب الكفاءة السياسية ومبالغات الإعلام.

ويغيب أحيانا عن المناقشات الحجم المستمر للاقتصاد الأميركي، ناهيك عن القوة العسكرية والجيوسياسية الأميركية. جدير بالذكر أن الاقتصاد الأميركي لا يزال تقريبا ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد الصيني. ولا تزال الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي بمقدورها نشر قوة عسكرية في أي بحر وعلى أي قارة.

ورغم أنها تدين لمستثمرين أجانب بعدة تريليونات من الدولارات، فإن هذا لا يعني مطلقا أنها مفلسة تماما، حيث يقدر مصرف الاحتياطي الفيدرالي في أحدث إحصاءاته أن إجمالي قيمة ما تملكه الأسر الأميركية والمؤسسات غير الهادفة للربح يبلغ 58 تريليون دولار.

في هذا الصدد، حذر جوزيف إس ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب «مستقبل القوة»، من القفز إلى نتائج متهورة بشأن انحسار أميركا. وقال «لقد مررنا بفترات تراجع كتلك من قبل. بعد برنامج سبوتنيك، صعد السوفيات بقوة. وفي الثمانينات، صعد اليابانيون بقوة، واليوم، جاء الدور على الصينيين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»