تعبئة أوروبية لمواجهة العاصفة التي تهب على أسواق المال العالمية

نمو منعدم للاقتصاد الفرنسي وتنسيق لوقف «البيع على المكشوف»

TT

فيما يشبه حالة تعبئة، يسرع قادة منطقة اليورو جهودهم وتحركاتهم في مواجهة العاصفة التي تهب على أسواق المال العالمية. وقد أوقفت سلطات التداول في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، عمليات اقتراض الأسهم بغرض البيع لأسهم المؤسسات المالية الكبيرة، اعتبارا من أمس (الجمعة)، في محاولة لتهدئة الأسواق المضطربة.

والخطوة تأتي بعد تراجع الأسهم على مدار الأسبوع الماضي بسبب المخاوف المتزايدة بشأن الديون الوطنية التي تعصف بعدة دول في منطقة اليورو. فرنسا من جانبها حظرت عمليات البيع لأسهم أحد عشر بنكا وشركة تأمين لمدة أسبوعين بعد تأثر أسهمها بفعل شائعات بخفض وشيك لتصنيفها الائتماني الممتاز.

وتستخدم عمليات اقتراض الأسهم بغرض البيع من جانب المستثمرين من أجل المضاربة على تراجع أسعار الأسهم، إذ يتفقون على بيع الأسهم بسعر معين، لكنهم ينتظرون إلى حين انخفاض أسعارها قبل شرائها مجددا.

وعانى الاقتصاد الفرنسي من حالة ركود في الربع الثاني من العام الحالي، حيث سجل نموا منعدما (0 في المائة)، مقارنة بنمو الناتج الإجمالي المحلي بقيمة 0.9 في المائة في الربع الأول، وفقا للبيانات التي أعلنها المعهد القومي للإحصاء. ويتعارض ركود الاقتصاد الفرنسي مع توقعات المعهد، الذي قال إنه سيشهد نموا بقيمة 0.3 في المائة في الناتج الإجمالي المحلي بالربع الثاني.

وعلى الرغم من ذلك، أكد وزير الاقتصاد الفرنسي فرانسوا باريون لإذاعة «آر تي إل» أن الحكومة لا تزال محتفظة بتوقعاتها بخصوص إجمالي النمو الاقتصادي وتحسنه من 2 في المائة إلى 2.25 في المائة في 2012. ويأتي ركود الاقتصاد الفرنسي عقب القفزة التي سجلها في أول ثلاثة أشهر من العام الحالي، حينما حقق الناتج الإجمالي أكبر نمو له منذ خمس سنوات.

وكان الاستهلاك الداخلي هو السبب الرئيسي في التراجع الاقتصادي خلال الربع الثاني، حيث تراجع الإنفاق فيه بنسبة 0.7 في المائة، ولكن الاستثمارات الشخصية زادت من ناحية أخرى بنسبة 1.4 في المائة. وبلغ النمو في استثمارات الشركات غير المالية 0.7 في المائة، وهو ما يقل بقيمة 1.2 في المائة عما تم تسجيله في الربع الأول من العام الحالي.

ويشار إلى أن وزارة الاقتصاد الفرنسية نفت مؤخرا التكهنات التي تشير إلى انخفاض محتمل في التصنيف الائتماني لدينها السيادي من جانب إحدى وكالات التصنيف، وهي الشائعات التي كانت أدت إلى هبوط في بورصة باريس وبورصات عالمية أخرى.

وزاد الضغط على الحكومة الفرنسية للبحث عن تخفيض جديد للإنفاق لضمان التزام البلاد بتعهداتها لخفض الدين العام إلى نسبة ثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2013. مؤشرات لم تقنع وزير المالية الفرنسي فرنسوا باروان، وقال: «أنا واثق، لأن لدينا الأسس المتينة في اقتصادنا، لماذا قوية؟ لأن اقتصادنا متنوع، لأن نظامنا البنكي هو من أكثر الأنظمة مقاومة في العالم، لكن الشائعات والتكهنات عن وضع نظامنا البنكي هي أشبه بأفعى تدس سمها في الجسم وتلدغ؛ الرجل تتألم، ينتهي الأمر ولكن السم لا يزال موجودا».

وزير المالية الفرنسي أضاف، أمس الجمعة، أن توقعات الحكومة للنمو للعام الحالي تبقى حول اثنين في المائة، الأسواق المالية عكست في الفترة الأخيرة خوفا حيال فرنسا بشأن تخفيض تصنيفها الائتماني من علامة «إيه إيه إيه»، بعد أن خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية، الأسبوع الماضي.

من جانب آخر، تم الترحيب بالتزام الحكومة البرتغالية الجديدة بتنفيذ برنامج طموح وشامل، جرت الموافقة عليه في مايو (أيار) الماضي، والإشارة إلى أن الحكومة بذلك تسير على المسار الصحيح من أجل استعادة القدرة التنافسية، ووضع الاقتصاد البرتغالي على مسار النمو المستدام، والمالية العامة السليمة، وخلق فرص العمل، هو ما خلص إليه تقرير البعثة التي ضمت ممثلي كل من المصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، التي قامت بزيارة البرتغال خلال الفترة ما بين مطلع الشهر حتى 12 من نفس الشهر، ومن المقرر أن تعود البعثة من جديد لتقييم الأوضاع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومن جهته، أعلن وزير المالية البرتغالي، فيتور جاسبار، عن تقديم تدابير تقشفية جديدة لسد عجز الموازنة العامة، والمقدر بملياري يورو، ويأتي ذلك فيما أوقفت سلطات التداول في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، عمليات اقتراض الأسهم بغرض البيع لأسهم المؤسسات المالية الكبيرة، اعتبارا من يوم الجمعة، في محاولة لتهدئة الأسواق المضطربة.

والخطوة تأتي بعد تراجع الأسهم على مدار الأسبوع الماضي، بسبب المخاوف المتزايدة بشأن الديون الوطنية التي تعصف بعدة دول في منطقة اليورو، وفي إسبانيا، وكمحاولة منها لمنع تكرار مشاهد من الصفوف الطويلة للعاطلين أمام مكاتب التوظيف، نجحت الحكومة في الحصول على الضوء الأخضر من المفوضية الأوروبية لفرض قيود مؤقتة على العمالة المقبلة من رومانيا. وفي إيطاليا وبهدف معالجة الأزمة المالية في البلاد، تعهد وزير الاقتصاد، جوليو تريمونتي، أمام البرلمان باتخاذ إجراءات تقشفية جديدة، هدفها تحقيق موازنة الميزانية بحلول عام 2013.

تريمونتي أعلن عن برنامج لخصخصة بعض القطاعات العمومية وخفض المساعدات المالية الاجتماعية ومعاشات المتقاعدين مقابل الزيادة في الضرائب، وعانى الاقتصاد الفرنسي من حالة ركود في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالأول، حينما نما الناتج الإجمالي المحلي بقيمة 0.9 في المائة، بينما تراجع إجمالي الناتج المحلي لليونان في الربع الثاني من 2011 بقدر 6.9 في المائة مقابل نفس الفترة من العام الماضي، وفقا لبيانات أولية.

وفي بروكسل، صدر بيان مشترك، أمس الجمعة، عن المؤسسات الثلاث، المفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي، والمركزي الأوروبي، بعد قيام بعثة الخبراء المشتركة بمعاينة البرنامج البرتغالي، والعمل الجاري في لشبونة لتصحيح عجز الموازنة، وإعادة وضع الاقتصاد الوطني على الطريق الصحيح، ورحبت المؤسسات الثلاث بالتزام الحكومة (يمين الوسط) البرتغالية الجديدة العمل لتنفيذ البرنامج المتفق عليه في مايو (أيار) الماضي، وكذلك تنفيذ ما يتعلق بها من قرارات قمة الـ21 من يوليو (تموز) الماضي، معلنة «تثمين الإجراءات التي اتخذتها لشبونة من أجل ضبط النفقات العامة وزيادة الإيرادات لخفض عجز الموازنة تدريجيا خلال العام المقبل»، وأوضح البيان أن نجاح برنامج البرتغال يتوقف قبل كل شيء على انفتاح الاقتصاد على المنافسة، والحد من التدخل الحكومي في نشاط القطاع الخاص، وإصلاح سوق العمل، وعليه «نحث الحكومة البرتغالية على إجراء التغيرات اللازمة، على الرغم من وجود الكثير من الأصوات المعارضة»، ومن جهته، أكد الناطق باسم المفوضية الأوروبية، أوليفيه باييه، أن نتائج عمل البعثة ستبلغ لاحقا لمسؤولي دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، إلا أنه أضاف: «نحن نصف بالإيجابية نتائج عمل البعثة، ونرى إمكانية دفع الشريحة الأولى من المبالغ المتفق عليها للبرتغال، التي تصل إلى 15 مليار يورو»، حسب قوله، مشيرا إلى أن المبلغ الإجمالي لمساعدة البرتغال يصل إلى البرتغال مليار يورو كحد أقصى على مدى ثلاثة سنوات.

ومن جهته، أعلن وزير المالية البرتغالي فيتور جاسبار عن تقديم تدابير تقشفية جديدة لسد عجز الموازنة العامة، والمقدر بملياري يورو. وأوضح جاسبار أنه من أبرز هذه التدابير التي من المتوقع أن تطبق في الربع الثالث من العام الحالي هو زيادة في ضريبة القيمة المضافة على الكهرباء والغاز الطبيعي من 5 في المائة إلى الحد الأقصى 23 في المائة لتوفير 100 مليون يورو. ولكنه وعد بأن هذا الإجراء لن يسري على العائلات ذات الدخل المنخفض لأنه سوف يكون لها «تعريفة اجتماعية».

وأضاف أن البلديات والمناطق ذاتية الحكم والقطاع العام ستضطر إلى خفض الإنفاق. وتأمل البرتغال عبر هذه التدابير أن تنهي العام الحالي عند معدل عجز يصل إلى 5.9 في المائة. وجاء تصريحات جاسبار قبيل لقائه وبعثة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لمتابعة التطورات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تلقي البرتغال قرضا بقيمة 78 مليار يورو لإنقاذ البلاد من الانهيار.

وفي مدريد، في محاولة منها لمنع تكرار مشاهد من الصفوف الطويلة للعاطلين أمام مكاتب التوظيف، نجحت إسبانيا في الحصول على الضوء الأخضر من المفوضية الأوروبية لفرض قيود مؤقتة على العمالة المقبلة من رومانيا. وعللت المفوضية الأوروبية قرارها، بنسبة البطالة المرتفعة في إسبانيا والوضع المالي الصعب للبلاد ما سمح بتفعيل فقرة حماية سوق العمل في معاهدة الاتحاد الأوروبي. وحسب المفوضية الأوروبية ببروكسل، فإن «الأعداد المتزايدة من الرومانيين المقيمين في إسبانيا ونسبة البطالة المرتفعة كانت عوامل مؤثرة على قدرة إسبانيا لاحتواء تدفق المزيد من العمالة، لكن من المهم أن نعلم أن القيود المفروضة لن تؤثر على العمالة الرومانية الموجودة بالفعل في إسبانيا»، تقول الناطقة بلسان المفوضية الأوروبية لشؤون الأسواق الداخلية شانتال هيوغ، ويسمح القرار الجديد للحكومة الإسبانية بفرض تصريح عمل للعمالة الرومانية المقبلة حتى نهاية عام 2012. ويوجد في إسبانيا ما يقرب من ثمانمائة ألف عامل روماني يمثلون النسبة الأكبر للعمال المهاجرين، وفي روما ولمعالجة الأزمة المالية في إيطاليا، تعهد وزير الاقتصاد جوليو تريمونتي أمام البرلمان باتخاذ إجراءات تقشفية جديدة، هدفها تحقيق موازنة الميزانية بحلول عام 2013. تريمونتي أعلن عن برنامج لخصخصة بعض القطاعات العمومية وخفض المساعدات المالية الاجتماعية ومعاشات المتقاعدين مقابل الزيادة في الضرائب. والتدابير التقشفية هذه، تهدف إلى خفض العجز المالي بمقدار ثلاثين مليار يورو على مدى ثلاثة أعوام.

وانتقدت الصحافة الإيطالية هذه التدابير التقشفية، كما أنها لم تحظ بقبول معظم الإيطاليين. الإجراءات التقشفية هذه، تأتي في وقت حذر فيه البنك المركزي الأوروبي من أن ضعف النمو هو أساس المشكلات الاقتصادية في إيطاليا.