هل أدى «غياب التنسيق» إلى تفاقم أزمة الديون في منطقة اليورو؟

مشاورات على مستوى القادة بين العواصم الأوروبية

TT

تستمر الاتصالات الأوروبية خلال الأيام القليلة القادمة بين الاقتصاديات الكبرى في دول منطقة اليورو، وقالت مصادر المؤسسات الاتحادية ببروكسل إن قمة مرتقبة ستجمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع القادم، ولم تستبعد المصادر أن تتوسع المحادثات بين الجانبين لتشمل قادة دول أخرى ولو عبر الهاتف، كما توقعت أن تستمر المشاورات بين روما وبرلين وباريس وبروكسل خلال الساعات القليلة القادمة، للتشاور حول التطورات التي تشهدها منطقة اليورو، التي تعاني من أزمة ديون في بعض الدول، مثل اليونان وآيرلندا والبرتغال، وهناك محاولات لتفادي انتقال العدوى لدول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وقبرص. ويأتي ذلك في الوقت الذي خرجت فيه تصريحات من عواصم أوروبية وغير أوروبية تلقي باللوم على غياب التنسيق بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو - واعتبرت ذلك أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الأزمة التي اختلف البعض في تسميتها بأزمة اليورو أو أزمة الديون، وجاء هذا بعد ساعات من تصديق الحكومة الإيطالية على خطة تقشف جديدة، تهدف إلى توفير نحو 45 مليار و500 مليون يورو، وذلك في محاولة منها لتهدئة الأسواق بشأن الوضع المالي في إيطاليا. وفي أعقاب ذلك لفت وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي إلى أن التفاقم الأخير للأوضاع في بلاده «كان لا يمكن التكهن به»، واعتبر أن الوسيلة لتلافي أزمة منطقة اليورو الراهنة كانت تكمن في إصدار السندات الأوروبية الموحدة. وجاء رد الفعل من برلين على لسان وزير الخارجية الألماني غويدو فيسترفيله الذي أكد على أن الصعوبات المالية الحالية في أوروبا، لا تعكس وجود أزمة في اليورو، ولكن أزمة على صعيد الديون، وأوضح رئيس الدبلوماسية الألمانية أن الصعوبات الراهنة «جاءت نتيجة عدم الحضور القوي لأوروبا، والتي افتقدت التنسيق والتوافق حتى قبل الأزمة، في مسألة المالية السليمة والمالية العامة المتماسكة» ولفت الوزير الألماني إلى أن بلاده «نجحت في جلب جميع دول الاتحاد الأوروبي من أجل مناقشة التوحيد الضريبي، وأن تجعل ذلك النقاش إيجابيا» ودعا «الآن إلى ضرورة أن تكون أوروبا قادرة على تحسين القدرة التنافسية فيها» وأضاف «إن أي عملة لن تكون قوية إذا لم تكن الاقتصادات التي تقف وراء هذه العملة كذلك» و«لهذا يمكن أن يكون لتعزيز معايير الاستقرار والقدرة التنافسية والانضباط في الديون أثر حاسم جدا»، من جانبه قال وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن إن منطقة اليورو بحاجة إلى التحرك باتجاه نوع من وحدة مالية أكبر لمعالجة أزمة الديون التي تقوض منطقة العملة الموحدة. ويؤيد الاتجاه بأن الحل الوحيد من أجل سلامة منطقة اليورو هو نوع من الوحدة المالية، وكان أوزبورن حث في وقت سابق هذا الشهر دول منطقة اليورو على إقامة نظام لسندات مشتركة لمنطقة اليورو لاحتواء أزمة ديون متفاقمة تهدد مستقبل منطقة العملة. وقال أوزبورن «كنت ضد انضمام بريطانيا للعملة الموحدة. أحد الأسباب.. هو أنني رأيت أن المنطق القاسي لعملة موحدة هو أن ينتهي بك الأمر إلى شيء قريب من سياسة موحدة للميزانية. لا يمكن الحصول على واحد دون الآخر. يورو غير مستقر هو نبأ سيئ جدا لنا وينبغي أن نضمن عدم تقويض دورنا في قرارات مهمة مثل الخدمات المالية. لكن نعم ينبغي أن نسمح بوحدة مالية أكبر وفي نفس الوقت حماية مصالحنا القومية».

وفي روما لفت وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي إلى أن التفاقم الأخير للأوضاع في بلاده «كان لا يمكن التكهن به»، واعتبر أن الوسيلة لتلافي أزمة منطقة اليورو الراهنة كانت تكمن في إصدار السندات الأوروبية الموحدة ونوه الوزير بأن «خطة يوليو (تموز) الماضي التقشفية (48 مليارا على ثلاث سنوات) وجدت قبولا واسعا من جانب المصرف المركزي الأوروبي وألمانيا، ولكن الأيام التي تلت ذلك غيرت تماما المشهد المالي وعلى المستوى العالمي»، وعزا تريمونتي استحالة التنبؤ بمسار الأوضاع المالية إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية والمضاربات التي واكبت شائعات تعرض فرنسا لخفض مماثل.

وأضاف الوزير في مؤتمر صحافي أثناء عرض خطة التقشف الجديدة للعامين المقبلين ويبلغ حجمها 45 مليار يورو، «هذه هي الأسباب التي فرضت خطة إقرار تقشف جديدة»، وأضاف «لم نكن هنا مجددا، إذا كنا تمكنا من إصدار سندات أوروبية» موحدة، وأشار تريمونتي إلى أن «هناك ترقبا كبيرا لما يخرج عن القمة الألمانية الفرنسية الأسبوع القادم، ولدي شعور بأن الأوضاع ستعتمد على الخيارات التي ستتخذ من أجل أوروبا» وتأمل الحكومة الإيطالية من خلال هذه الحزمة الجديدة ضبط الموازنة الإيطالية بحلول عام 2013، وذلك بعد أن تجاوز الدين العام 120% من إجمالي الناتج المحلي. وقال رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إن خطة التقشف «تسير في نسق» مطالب البنك المركزي الأوروبي مقابل شراء دينها العام، وذلك للتخفيف من الضغط الذي تمارسه الأسواق على البلاد. ومن المتوقع أن توفر خطة التقشف 20 مليار يورو في عام 2012 و25 مليارا و500 مليون في عام 2013 بهدف ضبط الميزانية عام 2013، أي قبل عام من الموعد المحدد في خطة التقشف السابقة التي تم التصديق عليها شهر يوليو الماضي. وبهذا تهدف الحكومة الإيطالية إلى تخفيض العجز العام من نسبة 3.9% المتوقعة لهذا العام إلى 1.6% في 2012 بهدف التوصل لضبط الميزانية عام 2013. وتم التصديق على خطة التقشف من خلال مرسوم قانون لتعجيل تمريرها للبرلمان، بشكل يجعل الخطة تصل إلى مجلس الشيوخ 22 من الشهر الجاري، وفقا لوسائل الإعلام المحلي وأعرب رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عن اعتقاده بعدم ضرورة طرح الثقة على خطة التقشف، التي أقرتها الحكومة للتصدي للأزمة المالية التي تعيشها إيطاليا ودول جنوب المتوسط بمنطقة اليورو وقال برلسكوني للصحافيين «لا ضرورة للثقة البرلمانية، فقوى المعارضة أثبتت مسؤوليتها المطلقة» خلال النقاش السياسي بشأن سبل التصدي للأزمة، يذكر أن الحزب الديمقراطي المعارض أعرب عن رفضه للخطة، وتعهد بالإعلان عن أخرى بديلة، وذلك باعتبار أن خطة التقشف الحكومية تستهدف محدودي الدخل والخدمات وتفتقر في ذات الوقت إلى إجراءات في البنى التحتية الاقتصادية لإعادة تحريك عجلة النمو الاقتصادي في البلاد.

الخطة الجديدة تجمع بين خفض الإنفاق العام، بما في ذلك على أجهزة الدولة ومؤسساتها، وزيادة الضرائب على المداخيل العالية. وذلك، من أجل الاستجابة إلى مطالب الشركاء الأوروبيين والبنك المركزي الأوروبي. رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني يقول إنه يتألم لاضطراره لاتخاذ مثل هذه التدابير الصعبة: «من الواضح أن هذه الوضعية تجعل قلوبنا تنزف دما، لا سيما عندما نتذكر أن حكومتنا كانت تعتز بكونها الحكومة صاحبة الشعار (لن نضع أيادينا أبدا في جيوب الشعب الإيطالي). لكن الوضع العالمي تغيَّر، ولا مفرَّ من هذه التدابير». سنوات عجاف، إذن، تنتظر الإيطاليين بمقتضى الخطة التقشفية الجديدة التي سيجري التصويت عليها خلال شهرين. الخطة أعدت في ظرف 7 أيام من أجل تلبية شروط البنك المركزي الأوروبي الذي يرفض شراء الديون الإيطالية دون اعتماد تدابير تقشفية أكبر. بقي أن نعرف أن ديون إيطاليا بلغت 1900 مليار يورو، أي ما يعادل 120 في المائة من الناتج الخام الداخلي.