«غوغل» تراهن على مستقبل شركات الإنترنت وتدخل سوق الهواتف الجوالة بقوة

تحركت لمقارعة منافستها اللدود «أبل»

TT

أعلنت شركة «غوغل» الاثنين الماضي أنها ستشتري شركة «موتورولا موبيليتي هولدنغز» مقابل نحو 12.5 مليار دولار، وهو ما يعني أن الشركة قد راهنت على أن مستقبلها - ومستقبل شركات الإنترنت الكبيرة - يكمن في مجال الحوسبة الجوالة، وتحركت «غوغل» لمقارعة منافسها اللدود في سوق الهاتف الجوال وهي شركة «أبل». وقد هزت شركة «غوغل» العملاقة، والمعروفة بمحرك البحث وبرامج أجهزة الهاتف الجوال (أندرويد)، عالم التكنولوجيا من خلال إعلانها أنها ستستحوذ على شركة «موتورولا موبيليتي هولدنغز»، وهو ما يسمح لها بالدخول في مجال صناعة الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية.

وبفضل هذه الصفقة، التي تعد أكبر صفقة تقوم بها شركة «غوغل» حتى هذه اللحظة وتم دفع قيمتها نقدا، ستصبح «غوغل» قادرة على منافسة شركائها التجاريين بقوة والعديد من شركات تصنيع الهواتف الجوالة التي تستخدم برامج أجهزة الهاتف الجوال (أندرويد)، وكذلك شركة «أبل».

وسوف تعطي هذه الصفقة، التي تتطلب موافقة الجهات التنظيمية، لـ«غوغل» أكثر من 17 ألف براءة اختراع وهو ما سيساعد الشركة على الدفاع عن أجهزة الهاتف الجوال (أندرويد) ضد وابل الدعاوى القضائية المتعلقة ببراءات الاختراع.

وفي مقابلة شخصية معه، قال لاري بيج، وهو المدير التنفيذي لشركة «غوغل»: «تنتقل الحوسبة إلى أجهزة الهاتف الجوال. حتى لو كان لدي جهاز كومبيوتر بالقرب مني، سأظل أعمل على جهاز الهاتف الجوال الخاص بي». وما زال تأثير الصفقة غير واضح على المستهلك حتى الآن. ولكن في الماضي، هزت شركة «غوغل» قطاع الهواتف الجوالة من خلال دفع شركات الهاتف الجوال على فتح شبكاتها وزيادة المنافسة بعدما قامت بترخيص نظام الهاتف الجوال (أندرويد) من دون أي رسوم. وقال محللون إن الصفقة قد تمكن «غوغل» من تسريع الابتكار في مجال الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

وقال ستيف واينشتاين، وهو محلل في مصرف «بيسيفيك كريست سيكيوريتيز»: «بالنسبة لـ(غوغل)، هناك أمر مهم وهو أن تتأكد أن فضاء الجوال لا تهيمن عليه شركة واحدة وهي شركة (أبل)»، وأضاف: «من خلال الاستحواذ على (موتورولا)، يمكن لـ(غوغل) تخفيض التكاليف وتصنيع منتج يكون رائدا في الخدمات التي تقدمها (غوغل)». وسيكون لهذه الصفقة تأثير كبير على صناعة التكنولوجيا، حيث ستعطي قوة لـ«موتورولا» في وقت كان تتعثر فيه شركة «ريسيرش إن موشن» وشركة «نوكيا». وقالت شركة «غوغل» إنها ستواصل ترخيص نظام «أندرويد» لصانعي الهواتف الذكية مثل «إتش تي سي» و«سامسونغ» و«إل جي». وقال بيج على إحدى المدونات التي أعلنت عن الصفقة: «العديد من شركاء الأجهزة ساهموا في نجاح نظام (أندرويد)، ونتطلع إلى مواصلة العمل مع كل منهم». وفي حين أعلن العديد من شركاء «غوغل» عن تصريحات إيجابية يوم الاثنين الماضي الذي تم الإعلان فيه عن الصفقة، أشار محللون إلى أن الاستحواذ سوف يخلق جوا من التوتر لأن «موتورولا» ستحظى بوضع خاص بكل تأكيد، وهو ما سيدفع شركات الهواتف الجوالة الأخرى إلى اللجوء إلى شركة «مايكروسوفت» التي تقدم نظام تشغيل منافسا.

وقال كولن جيليس، وهو محلل في شركة «بي جي سي بارتنرز»: «إذا استيقظت اليوم وأصبحت واحدا من شركاء شركة (غوغل)، فسوف تشعر بالرهبة الشديدة. وإذا كنت شريكا في نظام (أندرويد)، فسوف تبدأ في إعادة النظر في استخدام منصة الويندوز». وردا على هذه المخاوف، قال بيج إن «موتورولا» سوف تعمل على نحو فعال وكأنها شركة قائمة بذاتها. وسوف يظل سانجاي جها، الرئيس التنفيذي لشركة «موتورولا موبيليتي» الذي كان مسؤولا عن تطوير الشركة، في منصبه. ويقوم المنظمون الفيدراليون بالتحقيق بالفعل في هيمنة «غوغل» على عدة مجالات، ومن شأن الصفقة المزمع عقدها أن تثير المطالبة بمراجعات إضافية لقوانين مكافحة الاحتكار، غير أن خبراء قانونيين قد صرحوا بأنه من غير المرجح أن يتم وقف الصفقة، لأن كل شركة من الشركتين تعمل في مجال مختلف، حتى وإن كان بينهما صلة، ولذا فإن هذا الاندماج لن يزيد من حصة «غوغل» في أي من السوقين. وقد أصبحت الهواتف التي تعمل بنظام «أندرويد» تحظى بشعبية متزايدة، حيث أصبحت تشكل 43.4 في المائة من الهواتف الذكية التي تم بيعها في الربع الثاني، وفقا لمؤسسة «جارتنر» العالمية للأبحاث، ولكن يشكو العديد من العملاء من أن استخدام الهواتف يمكن أن يكون مربكا ومعقدا. وقال ريتشارد دوهرتي، وهو مدير الأبحاث بمجموعة «إنفيجينييرينج للأبحاث والاستشارات»، يحدث هذا الارتباك لأن «غوغل» تعمل مع 39 شركة مصنعة للهواتف التي تستخدم كل منها إصدارات مختلفة من نظام «أندرويد» عبر برامجها، وهو ما يؤدي إلى تغير الأداء. وفي المقابل، تقوم شركة «أبل» بالسيطرة على المنتج بالكامل، بما في ذلك الأجهزة والبرامج. ويمكن لشركة «غوغل» أن تفرض مزيدا من السيطرة على منتجاتها بعد استحواذها على شركة «موتورولا».

ولكن من غير الواضح ما إذا كانت شركة «غوغل»، التي تبلغ قيمة الأعمال التجارية لها 179 مليار دولار وتقوم في الأساس على حسابات البحث المتقدمة والإعلان على شبكة الإنترنت، قادرة على التحول إلى صناعة الأجهزة أم لا، حيث إن العمل مكلف للغاية في حين تكون هوامش الربح ضئيلة، حسب ما صرح به غوردن روهان، وهو محلل في شركة «ستيفل نيكولاس». وأضاف روهان: «يمكنك الحصول على كثير من الأموال إذا كان لديك الهاتف الأكثر مبيعا، ولكن الشيء غير الواضح بالنسبة لي هو كيف تحقق الشركات التي تبيع بضعة ملايين من الأجهزة كثيرا من الأرباح». وفي عام 2009، صرح أندي روبين، وهو رئيس شركة «أندرويد»، بأن الشركة لم تكن «تصنع أجهزة».

وبعد أن دخلت شركة «غوغل» سوق مصنعي الهواتف الجوالة، ربما أصبح بإمكانها زيادة نفوذها على مشغلي الشبكات اللاسلكية التي تتحكم في تسعير وتوزيع الهواتف الجوالة.

وقال آفي سيدمان، وهو أستاذ نظم المعلومات في جامعة روتشستر: «إنها بمثابة فرصة لـ(غوغل) لتحريك السوق، من حيث التسعير والابتكار».

وتأتي صفقة استحواذ «غوغل» على «موتورولا» بعد أسابيع فقط من خسارة «غوغل» لعرض في كونسورتيوم تقوده شركة «أبل» و«مايكروسوفت» لـ6.000 براءة اختراع من شركة «نورتل» الكندية للاتصالات التي أعلنت إفلاسها في عام 2009. وكانت هذه الخسارة بمثابة ضربة موجعة لـ«غوغل»، التي تواجه عددا متزايدا من الدعاوى بأنها تنتهك براءات الاختراع بسبب نظام «أندرويد».

وفي وقت لاحق، اتهم ديفيد دروموند، المدير التنفيذي للشؤون القانونية لشركة «غوغل»، الشركات الفائزة بالتورط في سلوك مناهض للمنافسة ووصف الصفقة بأنها «حملة عدائية منظمة ضد (أندرويد) من قبل (مايكروسوفت) و(أوراكل) و(أبل) وغيرهم من الشركات، وأن الحملة قد شنت من خلال براءات اختراع وهمية». وتعد المعارك من أجل الحصول على براءات الاختراع شيئا مألوفا في صناعة التكنولوجيا وتتسبب في مخاطر كبيرة، وغالبا ما تضطر الشركات إلى دفع رسوم الترخيص للاستمرار في استخدام التكنولوجيا بعد خسارة الدعاوى المرفوعة عليها، كما تمنع مثل هذه الشركات في كثير من الأحيان من بيع منتجاتها. وفي الوقت الذي يشكو فيه دروموند من ذلك، كان هو وغيره من المسؤولين التنفيذيين يعملون في صفقة الاستحواذ على شركة «موتورولا».

وقال هربرت هوفينكامب، وهو أستاذ القانون في جامعة ولاية آيوا: «إن أفضل طريقة لمكافحة مجموعة كبيرة من براءات الاختراع هو أن يكون لديك محفظة كبيرة من براءات الاختراع، وهو ما تقوم به شركة (غوغل) هنا. إنها تسلح نفسها ببراءات الاختراع لتكون قادرة على الدفاع عن نفسها في هذه السوق التي تشهد نموا سريعا». وتأتي محاولة «غوغل» للاستحواذ على شركة «موتورولا» كامتداد لما وصفه إيريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق للشركة، العام الماضي بأنه استراتيجية التحرك أولا. ومن خلال اتباعها لهذا النهج، سخرت «غوغل» ملايين الدولارات وطاقة هندسية كبيرة لتطوير مجموعة واسعة من خدمات الهاتف الجوال، ولكن الاستحواذ على «موتورولا» يعد هو التحرك الأقوى لـ«غوغل» في هذا المجال.

وقال بن شاشتر، وهو محلل في شركة «ماكواري كابيتال»: «إنه أمر مثير للعجب بشكل لافت أن تصبح (غوغل) شركة للهواتف الجوالة. لقد أظهر هذا مدى أهمية أندرويد بالنسبة لـ(غوغل)». وبموجب شروط الصفقة، التي من المتوقع أن تتم قبل مطلع عام 2012، ستدفع «غوغل» 40 دولارا للسهم بعلاوة 63 في المائة عن سعر إغلاق «موتورولا موبيليتي» يوم الجمعة الماضية في بورصة نيويورك. وعلى الرغم من المحادثات التي كانت تجريها «موتورولا» مع المشترين المحتملين في وقت سابق من هذا العام، فإن بيع براءات اختراع «نورتل» مقابل 4.5 مليار دولار قد شجع مديري «موتورولا» على مواصلة البيع بشكل أكثر نشاطا، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمور داخل الشركة. وفي الأسبوع الماضي، ظهرت «غوغل» بقيادة بيج لتكون المرشح الأوفر حظا، وبحلول يوم الأحد، أعطى مجلس إدارة شركة «موتورولا» الضوء الأخضر لإتمام الصفقة.

وهبط سعر سهم «غوغل» بنسبة 1.16 في المائة يوم الاثنين ليغلق عند 557.23 دولار، في حين ارتفعت أسهم «موتورولا موبيليتي» بنسبة 55.78 في المائة ليغلق السهم عند 38.12 دولار، كما ارتفعت أسهم «نوكيا» و«ريسيرش إن موشن»، وسط تكهنات بأنهما أهداف للاستحواذ أيضا. وارتفعت أسهم «نوكيا»، التي دخلت مؤخرا في شراكة شاملة مع شركة «مايكروسوفت»، بنسبة 17 في المائة.

* خدمة «نيويورك تايمز»