مواجهات صعبة بين الحكومة والمعارضة في البرلمانات الوطنية الأوروبية لإقرار خطة الإنقاذ

الحكومة الهولندية آخر الحكومات التي نجحت في إقناع برلمانها

TT

تواجه حكومات الدول الأعضاء في منطقة اليورو صعوبات من المعارضة داخل البرلمانات الوطنية لإقرار الخطط والآليات، المطلوب التصديق عليها في إطار الجهود الرامية لمواجهة أزمة الديون السيادية التي تعانيها منطقة اليورو. بينما نجحت بعض الحكومات، بصعوبة بالغة، في إقناع البرلمانات الوطنية وبعد مواجهات مع الأحزاب المعارضة، بإقرار خطة إنقاذ اليونان والقرارات الأخرى التي تمخضت عنها قمة 21 يوليو (تموز) الماضي التي استضافتها بروكسل.

كانت الحكومة الهولندية آخر الحكومات التي نجحت في ذلك نهاية الأسبوع الماضي، بينما تستعد برلمانات دول أخرى في المنطقة لمواجهات طاحنة مع المعارضة التي لديها مبررات لرفض خطة الإنقاذ الأوروبية. وفي لاهاي بهولندا انعقدت نهاية الأسبوع الماضي أول جلسة نيابية جرت بعد العطلة الصيفية، طرح فيها الحزب الاشتراكي حجب الثقة عن رئيس الوزراء مارك روتا.

صحيفة «دي فولكس كرانت» علقت على الجلسة بالقول: من اليوم وصاعدا على روتا عدم استعمال العبارات ذات المعاني المزدوجة، والتواصل بوضوح مع المعارضة التي يطلب دعمها في أمور لا يستطيع الاعتماد فيها على دعم حزب حليفه خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المتشدد. وتابعت: هذا ما طالبته به المعارضة أثناء مناقشة موضوع الدعم المالي لليونان. لقد قامت المعارضة ومن دون رحمة بتعرية موقف روتا الضعيف. من جهتها صحيفة «تراو» وتحت عنوان «روتا وعد بتقديم رواية صادقة» علقت بالقول: وافق مجلس النواب على دعم اليونان، لكن روتا تلقى الكثير من الضربات. وقالت: لقد طالبته المعارضة بتقديم رواية صادقة.

في وقت غاص رئيس الوزراء عميقا، كالعادة، من أجل الحفاظ على دعم المعارضة للمساهمة المالية في حزمة المساعدات المقدمة لليونان، اضطر مرارا للاعتذار وللتوضيح.

وفي برلين انضم ولفغانغ بوسباك، رئيس اللجنة الداخلية بالبرلمان الألماني (بوندستاج)، إلى صفوف الأصوات المعارضة للمقترحات التي طرحتها المستشارة أنجيلا ميركل بشأن إصلاح خطة الإنقاذ الأوروبية.

وفي تصريحات لمجلة «فوكس» الألمانية، الأحد، قال المسؤول الألماني: «إنني أعلم أنه من المهم للائتلاف أن يحظى بأغلبية لكن إن لم يتم تعديلها بشكل كبير فلن أوافق عليها». وتعتزم الحكومة الألمانية الحصول على موافقة البرلمان في 23 سبتمبر (أيلول) المقبل بشأن إصلاح صندوق الإنقاذ الأوروبي، وفقا لما تم التعهد به خلال قمة قادة منطقة اليورو في 21 يوليو الماضي.

كانت مجموعة اليورو قد اتفقت على زيادة القدرات النقدية لصندوق الإنقاذ إلى 440 مليار يورو، تضاف إلى مساهمات المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي لترتفع إلى 750 مليار دولار، كما وافقت منطقة اليورو على تعامل الصندوق بمرونة مع الأسواق التي تعاني مشاكل الديون مثل اليونان، بما يسهل حصولها على قروض لإعادة الانتعاش للاقتصاد الوطني. وجاء تبني «ميثاق من أجل اليورو» وصندوق الإنقاذ في إطار حزمة من الإجراءات ضد أزمة الدين. ويظهر من بين هذه المبادرات أيضا إنشاء صندوق إنقاذ دائم بدلا من الحالي الذي ينتهي العمل به عام 2013 وإجراء اختبار آخر للملاءة المالية بالبنوك، وتخفيف شروط تقديم خطط إنقاذ لليونان وآيرلندا، وكذلك إصلاح النظام المالي.

وفي مدريد، أعلنت الحكومة الإسبانية عزمها اتخاذ إجراءات جديدة للضغط على المصاريف العامة؛ حيث من المنتظر أن يتم عرضها في غضون أيام على البرلمان للمصادقة عليها. وقد قررت الحكومة خفض قيمة الضريبة على القيمة المضافة من 8% إلى 4% فيما يتعلق بشراء منازل أو شقق جديدة، وهي تهدف، عبر هذه الخطوة، إلى تنشيط قطاع العقارات في البلاد، الذي يعاني ركودا حادا. المتحدث باسم الحكومة جوزيه بلانكو أكد أن هذه الإجراءات تهدف إلى تسهيل بيع الشقق والعقارات الجديدة للمساهمة في إنعاش قطاع البناء وخلق مواطن عمل جديدة في هذا القطاع الذي تضرر كثيرا من الأزمة الاقتصادية. وتسعى الحكومة، بواسطة هذه الإجراءات، إلى الرفع في عائدات الخزينة العامة بزيادة تقدر بـ2.5 مليار يورو. إجراءات لا تقتصر فقط على قطاع البناء وإنما تشمل أيضا قطاع الصحة؛ حيث تسعى الحكومة إلى تشجيع شراء الأدوية الجنسية رخيصة الثمن مقارنة بالأدوية الأصلية. وإسبانيا التي تعيش منذ بضعة أشهر أزمة مالية كبيرة أكدت أنها ليست بحاجة إلى خطة إنقاذ أوروبية لإنقاذ اقتصادها كما كان الحال بالنسبة إلى جارتها البرتغال أو كذلك اليونان وآيرلندا.

وسبق أن رحب رئيس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فان رومبوي، بالقرارات التي اتخذت من أجل إيجاد حلول لأزمة المديونية في منطقة اليورو، ومن خلال بيان خص فان رومبوي بالذكر قرار المصرف المركزي الأوروبي شراء سندات الخزينة الإيطالية والإسبانية، مشيرا إلى أن ذلك «سوف يسهم في تحقيق الاستقرار المالي في منطقة اليورو»، وشدد فان رومبوي على أهمية تعاون جميع الأطراف في دول مجموعة الثماني ومجموعة العشرين من أجل التعامل مع تحديات المرحلة الراهنة، وعبر رئيس الاتحاد الأوروبي عن «التفاؤل» بتصميم جميع قادة دول منطقة اليورو على العمل من أجل تنفيذ قرارات قمة 21 يوليو الماضي بشأن توسيع إمكانية آلية الإنقاذ الأوروبية وتصحيح عجز موازنات الدول الأعضاء، ورأى فان رومبوي أن الوقت «ما زال مناسبا» من أجل تصحيح الأوضاع المالية ودرء المخاطر عن منطقة اليورو والسير في الاتجاه الصحيح.

إلى ذلك، لفت الناطق باسم المفوضية الأوروبية، أوليفيه باييه، إلى أن حالة من الترقب تسود في الأجواء الأوروبية بالتزامن مع استمرار الاتصالات بين مختلف الأطراف المعنية من أجل العمل على عدم حدوث انهيارات مصرفية حادة في الأسواق الأوروبية والعالمية. وعبر الناطق عن قناعة المفوضية الأوروبية بألا حاجة لإيطاليا وإسبانيا لمخططات إنقاذ خاصة، مشيرا إلى أن كل ما أعلنته مدريد وروما كاف لضمان الاستقرار المالي داخل البلدين. كان المصرف المركزي الأوروبي قد أعلن عن شراء سندات الخزينة الإسبانية والإيطالية ضمن شروط واضحة ومحددة سعيا من الأطراف الأوروبية لتهدئة الأسواق العالمية وتجنب انتقال عدوى الأزمة اليونانية لدول أخرى بمنطقة العملة الأوروبية الموحدة. جاء ذلك بعد أن قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل: إن الأزمة الحالية التي تشهدها منطقة اليورو هي عالمية وليست أوروبية الطابع؛ لذلك فهي تستوجب حلا عالميا، وإن هناك اتصالات تنسيقية يقوم بها الاتحاد الأوروبي في هذا السياق من خلال مجموعة 7، ومجموعة 20، مؤكدا أن أوروبا تسهم بما يترتب عليها لمعالجة الأوضاع، وأضافت أن ردود الفعل من جانب الأسواق المالية والمستثمرين لم تكن هي المتوقعة أو المأمولة، بعد أن اتخذ قادة دول منطقة اليورو مجموعة من التدابير خلال قمتهم التي انعقدت 21 من الشهر الماضي، وجاء ذلك على لسان المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، أولي رين، خلال مؤتمر صحافي مطلع الشهر الحالي، بمقر الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي ببروكسل، وأكد خلاله أن إسبانيا وإيطاليا ليستا بحاجة إلى خطط إنقاذ ولديهما الخطط اللازمة لمواجهة أي مشكلات، مشيرا إلى أن الاتفاق بخصوص حزمة الإنقاذ الثانية لليونان وضمان الاستقرار في منطقة اليورو سيتم «الانتهاء منه في غضون أسابيع». وأضاف المسؤول الأوروبي: «نفعل كل ما هو ضروري لتطبيق الاتفاقية بأسرع وأوسع شكل ممكن»، مشيرا إلى أن هيئات المفوضية الأوروبية تعمل «ليلا ونهارا» لإنهاء تفاصيل الاتفاقية. وأعرب المفوض عن ثقته في أن المستثمرين «سيهدأ تفكيرهم» بخصوص تطبيق الاتفاقية بمجرد إدراكهم أن العمل على إتمامها قارب على الانتهاء. وذكر المسؤول أن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو طالب قادة الاتحاد الأوروبي بضرورة بدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أسرع وقت ممكن. وأضاف أنه عقد المؤتمر الصحافي لاستكمال هذه الرسالة، وتوضيح الكيفية التي يمكن أن يتم بها التنفيذ الكامل والسريع لكافة التدابير المتفق عليها في قمة 21 من الشهر الماضي، وكيفية معالجة مخاوف الأسواق حول إدارة أزمة الديون السيادية، وأبرز رين أيضا أن الاتحاد الأوروبي «يجب أن يكون مستعدا للتكيف مع آليات إدارة الأزمة لكي تتمتع هذه الآليات بالمصداقية والفعالية»، في إشارة إلى إمكانية توسيع صندوق الإنقاذ. وقال المفوض: «لكي تكون هذه الأداة ذات فاعلية فيجب أن تتمتع بمصداقية واحترام في الأسواق؛ لذا تجب مراقبة الصندوق وتقييمه وتحديثه بشكل مستمر». وفيما اعتبره الكثير من المراقبين محاولة من قبل المؤسسات الأوروبية للرد على مخاوف المستثمرين والمواطنين بشأن استقرار منطقة اليورو، قال رين خلال المؤتمر الصحافي: «إن الاضطرابات والضغوط التي نشهدها حاليا ترجع أيضا إلى اضطرابات تحصل خارج الاتحاد الأوروبي، خاصة المفاوضات بشأن رفع سقف الدين الأميركي وضعف الاقتصاد العالمي». وأقر رين بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة يوليو الماضي حول مساعدة اليونان وتدعيم قدرة آلية الإنقاذ الأوروبية لم يفلح في تهدئة الأسواق وتبديد شكوك المستثمرين. ونوه: «هذا الاتفاق معقد وسوف يأخذ وقتا ليصبح جاهزا للتنفيذ، ومن غير الواقعي أن تتوقع الأسواق المالية تنفيذا فوريا له»، وتعهد المفوض الأوروبي ببدء تطبيق اتفاق القمة مع بداية شهر سبتمبر المقبل؛ حيث «تحتاج دول الأوروبية لعدة أسابيع لإنهاء العمليات الفنية والقانونية الخاصة بالمصادقة على الاتفاق المذكور»، ورأى أن إعادة ثقة المستثمرين بمنطقة اليورو أمر يستغرق بعض الوقت، مشددا على توافر الإرادة الجادة لدى دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لحماية العملة الأوروبية الموحدة. ووصف المفوض الأوروبي المكلف بالشؤون المالية والنقدية، أولي رين، الاضطرابات في أسواق المال العالمية والضغوط التي تمارس على دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة بـ«غير المبررة»، معربا عن القناعة بأن إسبانيا وإيطاليا ليستا بحاجة لمخططات إنقاذ أوروبية على غرار اليونان، وقال إن الوضع بالنسبة للأخيرة يعتبر حالة استثنائية، ولهذا تحتاج إلى حلول فريدة، مؤكدا أن الحكومة اليونانية تقوم بكل ما هو مطلوب منها وتنفذ التزاماتها المختلفة، وحول الوضع في إسبانيا وإيطاليا، عبر المفوض الأوروبي عن قناعته بألا حاجة لمخططات إنقاذ لهذين البلدين، مشجعا كلا من روما ومدريد على المضي قدما في الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية التي تم الإعلان عنها من أجل تصحيح عجز موازنتيهما وخلق مزيد من فرص العمل في أسواقهما والعودة إلى النمو الاقتصادي. وأوضح أن الأساسيات الاقتصادية لإيطاليا وإسبانيا جيدة، وقال: «يسير البلدان في الاتجاه الصحيح من أجل معالجة مشكلة عجز الموازنة لديهما».