ماذا يعنينا من اهتزاز أسعار سندات الخزينة؟

سعود الأحمد

TT

بعد الأحداث الأخيرة التي خلفها صراع الإدارات الأميركية للاختيار بين بدائل حزمة الإصلاحات المتاحة للاقتصاد الأميركي.. كل يريد تحقيق أولوياته، حتى ولو كان ذلك على حساب درجة الثقة في الملاءة المالية للحكومة الأميركية! وما نتج عنه من تغير قناعات خبراء الأسواق المالية العالمية بأن سندات الخزانة الأميركية لم تعد الملاذ الآمن للاستثمار المالي! إلى الحد الذي جعل وكالة التصنيف الأميركية (ستاندرد أند بورز) تقدم على قرار تخفيض مستوى تصنيف سندات الحكومة الأميركية (ولأول مرة في تاريخ أميركا!) إلى درجة +AA.. وتوصل الكثير من المحليين الاقتصاديين بأن الصورة تبدو واضحة بأن الاقتصاد العالمي اليوم مقبل على حالة (أقل ما يقال عنها إنها) تتصف بالغموض. فإن السؤال هنا: ما الذي يعنينا (كدول خليجية) مما يحصل؟

باختصار.. أجد فيما حصل تأكيدا لقناعة سبق أن كتبت عنها أكثر من مرة.. بأن أولوية توظيف العوائد النفطية يجب أن تكون في الإنفاق المحلي.. على مستوى اقتصاد الدولة، ثم على مستوى الإقليم. وأن نبدأ بأوجه البنية التحتية ومشاريع الخدمات التنموية.. من منطلق أن الاستثمار المحلي أرجى وأجدى اقتصاديا واجتماعيا. وهذا نهج كنا ندافع عنه وندفع له الأفراد والمؤسسات! على أساس أن الدول النامية لديها مجالات استثمارية رحبة أكثر عائدا وأقل مخاطرة وأنفع لنمو أفراد مجتمعات هذه الدول واقتصاداتها الوطنية. فلا أحد ينازع على أن الاستثمار المحلي في المشاريع التنموية أقل مخاطرة من الاستثمار في الأسواق العالمية.. بالنظر إلى احتمالات اهتزازات الأصول المستثمر فيها واهتزاز أسعار عملاتها والعوامل الاقتصادية والسياسية الأخرى.

أما عن المجالات الرحبة المتاحة للاستثمار المحلي، فعلى سبيل المثال: يكفي ما أعلنه رئيس ديوان المراقبة العامة السعودية بأن هناك آلاف المشاريع المتوقفة، ومن الطبيعي أن يكون منها مدارس ومستشفيات وطرق وجسور وسكك حديدية وغيرها من المجالات الحيوية المختلفة. وهذه بلا أدنى شك يمكن تحريكها بالمال (على نحو أو آخر). أما على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيكفي ما أعلنه مساعد أمين عام مجلس التعاون بأن دراسة جدوى القطار الخليجي قد حددت نسبة عائد هذا القطار بمعدل عائد 13.5% (ويمكن بالمال دفع عجلة تنفيذ هذا المشروع)، ولا يمكن مقارنة هذا العائد بأي استثمار مالي عالمي في الوقت الراهن، ناهيك عن المخاطرة! ثم إن فلسفة بناء الاحتياطيات المالية تعني في الحقيقة أحد 3 خيارات. إما أن تستثمر هذه الأموال في ودائع لأجل أو سندات أو أسهم ومشتقاتها. وكما هو معروف فإن عوائد الودائع تكون بنسب متدنية لا تستحق معها أن نضحي بالاستثمار المحلي لأجلها. والأمر ينطبق بشكل أوضح على خياري الأسهم والسندات. لأن الاستثمار في الأسهم يعني المشاركة في رؤوس أموال شركات بدول صناعية. وكأننا نعين الدول الصناعية على سبقها لنا في المجال الصناعي. وعن السندات التي هي في الحقيقة إقراض لشركات أو حكومات (سندات خزينة). ومشاكلها كثيرة.. آخرها ما حصل (مؤخرا) لأفضلها، وهي سندات الخزانة الأميركية! ولذلك.. فإن الذي يعنينا مما حصل، أن نكثف من الإنفاق المحلي عوضا عن بناء احتياطيات نقدية.. لنجعلها عرضة لاهتزازات الأسواق المالية العالمية.

* كاتب ومحلل مالي