استقالة جوبز الرئيس التنفيذي لـ«أبل» قد تعطي دفعا لمنافستها «سامسونغ»

الشركتان تخوضان معركة شرسة للسيطرة على قطاع الهواتف الذكية

نموذجان من أجهزة الكومبيوتر اللوحية «غالكسي» لـ«سامسونغ» و «آي باد» لـ«أبل» (رويترز)
TT

فتحت استقالة ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» الباب أمام منافستها «سامسونغ إلكترونيكس» في وقت حاسم في معركة السيادة على قطاع الهواتف الذكية في المتاجر والمحاكم في أنحاء العالم، بحسب تحليل لـ«رويترز».

وسلم جوبز مقاليد الأمور لساعده الأيمن تيم كوك، أول من أمس (الأربعاء)، قائلا إنه لم يعد قادرا على القيام بواجباته، مما أثار مخاوف من أن الحالة الصحية للرجل، الذي أصبح أيقونة لوادي السليكون، قد تدهورت.

وفي حين سلطت «أبل» والمحللون الضوء على خبرات كوك، فضلا عن المنصب الجديد لجوبز كرئيس لمجلس الإدارة وفريق الإدارة الكبير للشركة، فسيكون لرحيل جوبز تأثير عبر المحيط الهادي في «سامسونغ» الكورية.

وحظوظ «سامسونغ» أكثر من أي شركة أخرى مرتبطة بـ«أبل»، باعتبارها منافسا، وأيضا كمورد للمكونات. والمنافسة على أشدها بين الشركتين حيث ينظر إلى سلسلة «غالاكسي» للهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر اللوحية التي تنتجها «سامسونغ»، التي تعمل بنظام التشغيل «أندرويد» الذي تنتجه «غوغل» باعتبارها المنافس الرئيسي لأجهزة «آي فون» و«آي باد» التي تنتجها أبل.

وقال مارك نيومان، مدير الاستراتيجية السابق في «سامسونغ»، التي عمل بها لست سنوات «حتى قبل (استقالة) ستيف جوبز كانت (سامسونغ) تزداد ثقة في أن باستطاعتها فعليا تحدي (أبل) في ساحة الهواتف الذكية».

وأضاف نيومان الذي يعمل حاليا محللا لدى سانفورد برنشتاين: «الكرة الآن في ملعب (سامسونغ).. فهم يكسبون نصيبا من السوق بسبب التغير في العوامل الأساسية في قطاع الهواتف الذكية».

وأخذت الشركة الكورية العملاقة خطوات واسعة وتعزز نفسها للإطاحة بـ«أبل». وكشفت «سامسونغ» هذا الأسبوع عن أربعة هواتف ذكية جديدة أرخص تستهدف الأسواق الصاعدة سريعة النمو، مما يضعها مجددا في مسار تصادمي مع «أبل»، التي تقول مصادر إنها تجهز لإطلاق جهاز «آي فون» سعته 8 غيغابايت.

وعندما سأل المسؤولون التنفيذيون في «سامسونغ» هونج وون بيو، نائب الرئيس التنفيذي لقسم الهاتف الجوال بالمجموعة، في اجتماعهم الأسبوعي أول من أمس (الأربعاء)، عما إذا كانت الشركة قادرة على تجاوز «أبل» في سوق الهواتف الذكية قريبا، قال لهم إنه واثق من ذلك، وفقا لما ذكره شخص حضر الاجتماع.

وكان هونغ يتحدث قبل ساعات من إعلان جوبز استقالته من منصب الرئيس التنفيذي. وتتنافس «أبل» و«سامسونغ» حاليا على الصدارة في سوق الهواتف الذكية، بعدما تجاوزتا في الربع الثاني «نوكيا» الفنلندية، التي كانت في الصدارة طوال العقد الماضي.

وقفزت مبيعات «سامسونغ» من الهواتف الذكية لأكثر من 500 في المائة في الربع الثاني مقارنة مع نمو مبيعات «أبل» 142 في المائة. ونزلت مبيعات «نوكيا» 30 في المائة. وساعدت أنباء استقالة جوبز سهم «سامسونغ» على الصعود 2.4 في المائة في سيول، أمس الخميس، مقارنة مع ارتفاع مؤشر السوق الكورية بنسبة 0.6 في المائة. وقال جيون نام جونج، مدير صندوق لدى كونساس لإدارة الأصول التي تملك أسهما في سامسونغ: «كان المستثمرون قلقين من أن (أبل) ستتفوق على طفرة (أندرويد) لكن استقالة جوبز تتيح فرصا أمام (سامسونغ) لتوسيع نصيبها من سوق الهواتف الذكية في وقت تواجه فيه نوكيا صعوبات».

واكتسحت «سامسونغ» بالفعل منافسات آسيوية سابقة. والقيمة السوقية للعملاق الآسيوي البالغة نحو 110 مليارات دولار تتجاوز بدرجة كبيرة القيمة المجمعة لكل من «سوني» و«توشيبا» و«باناسونيك».

إلا أن حجم «سامسونغ» لا يزال أقل من نصف قيمة «أبل» البالغة نحو 350 مليار دولار. وتنافس «أبل» «اكسون موبيل» على المرتبة الأولى كأعلى الشركات قيمة في العالم.

وعلى الرغم من ذلك ستواجه «سامسونغ» و«أبل» منافسة شديدة متنامية من منافسين جدد في الصين وتايوان.

وتكتسب شركتا «هواوي تكنولوجيز» و«زد تي اي كورب»، وهما أكبر صانعين لمعدات الاتصالات في الصين مكاسب في مجالي معدات الشبكات التقليدية، وعلى نحو متزايد في مجال الهواتف الجوالة المتقدمة.

كما تحقق شركة الهواتف الذكية التايوانية «إتش تي سي» تقدما، ويمكن أن تستفيد من أي تآكل في هيمنة «أبل».

ولا تزال «سامسونغ» متأخرة كثيرا عن «أبل» في أجهزة الكومبيوتر اللوحية. وباعت «أبل» 14 مليون جهاز «آي باد» في النصف الأول مقارنة مع تقديرات لمحللين بمبيعات لـ«سامسونغ» تبلغ نحو 7.5 مليون جهاز في 2011 بأكمله.

ويتوقع البعض أن تتلاشى تلك الهيمنة في مواجهة منافسين، مثل «سامسونغ» و«إل جي إلكترونيكس»، وقال جونج كيون سيك، مدير صندوق لدى يوجين لإدارة الأصول في سيول: «أرباح (أبل) سترتفع إلى منتهاها من خلال الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر اللوحية»، مضيفا أن الشركة لا تملك منتجات عظيمة تتسلم الصدارة من «آي فون» و«آي باد».

وأضاف: «دخلت (سامسونغ) و(إل جي) قطاع تصنيع معدات الهاتف الجوال منذ عقد من الزمن، وستتصدران بمجرد وصول (أبل) إلى ذروة الصعود».

وربما تتحرك «سامسونغ» بنشاط أكثر في سد الفجوة في البرمجيات التي تعد إحدى أضعف الحلقات فيها. وطلب لي كون هي رئيس مجلس إدارة سامسونغ مؤخرا من كبار المديرين بحث إجراءات متنوعة، بينها عمليات استحواذ واندماج، لتعزيز قدرتها في مجال البرمجيات وفق ما ذكرته وسائل إعلام كورية جنوبية.

ولي أغنى رجل في كوريا، وهو الجيل الثاني في إدارة إمبراطورية «سامسونغ» مترامية الأطراف. ومثل جوبز ينظر إلى لي على أنه شخص مثالي مولع بالإتقان.

وهو أيضا مهتم بزيادة قدرة «سامسونغ» التنافسية، من خلال تعميق حيازتها من براءات الاختراع والمواهب والقدرات الخاصة بالبرمجيات.

لكن سامسونغ وردت لـ«أبل» مكونات بتكلفة 5.7 مليار دولار العام الماضي، تشكل نحو أربعة في المائة من إجمالي مبيعاتها. وزادت حصة «أبل» إلى 5.8 في المائة من مبيعات «سامسونغ» في الربع الأول بدعم من انتعاش مبيعات «آي باد» و«آي فون»، التي تورد لـ«سامسونغ» و«توشيبا» رقائق الذاكرة الخاصة بها.

وعلى خلاف «أبل»، لم تكن قوة «سامسونغ» تكمن في الإبداع، وإنما في السرعة والأسعار الرخيصة لكل شيء؛ من التلفزيونات إلى الرقائق والهواتف.

وأثار هذا توترا مع «أبل» التي شكت من أن سلسلة «غالاكسي» استنساخ لجهازي «آي باد» و«آي فون». وتخوض «سامسونغ» و«أبل»، إلى جانب كثير من الشركات الأخرى في سوق أجهزة الهواتف الجوالة سريعة النمو معارك ضارية ومكلفة بشأن براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية في أنحاء العالم. وحصلت «أبل» أمس الأربعاء على أمر قضائي مبدئي من محكمة هولندية يمنع «سامسونغ» من تسويق ثلاثة طرز من الهواتف المحمولة في بعض الشركات الأوروبية.

وقال مسؤول كبير في قسم الإدارة العامة لـ«سامسونغ»، طلب عدم الكشف عن اسمه، نظرا لحساسية المسألة: «من الصعب قياس التأثير بدقة، نظرا لأن علاقتنا مع (أبل) معقدة للغاية ومتداخلة مع أجزاء كثيرة من أعمالنا».

واتفق نيومان، المحلل لدى برنشتاين مع ذلك، وقال: «إنها علاقة معقدة للغاية، وأعتقد أن من المهم للغاية الإشارة إلى أنهما ليستا متنافستين شرستين في السوق فحسب، لكن كلا منهما بحاجة إلى الأخرى. يمكنني القول إن (أبل) تحتاج (سامسونغ) أكثر من حاجة (سامسونغ) لـ(أبل)».

وفي حين لا يتوقع أحد أن تهز استقالة جوبز من منصب الرئيس التنفيذي هيمنة «أبل» بشكل فوري، يجدر تذكر تاريخ «سوني». ففي أواخر السبعينات كان اكيو موريتا ثابتا على رأس «سوني»، وكانت الشركة اليابانية تثير إعجاب العملاء والمستثمرين بمشغل الموسيقى (ووكمان). لكن مع تراجع نفوذ موريتا الطاعن في السن بدأت حظوظ «سوني» تتلاشى أيضا. وفقدت الشركة تصميماتها الرائدة، وقامت بسلسلة من الاستثمارات السيئة.

واتضح مدى تخلف «سوني»، عندما أطلقت «أبل» مشغل الموسيقى الرقمي (آي بود) في 2001. وفي عام 2000 كانت القيمة السوقية لـ«سوني» أكثر من سبعة أمثال قيمة أبل. أما اليوم فالقيمة السوقية للشركة اليابانية لا تشكل سوى واحد على 17 من قيمة «أبل».