الاقتصادات الأوروبية تواجه التقشف وأزمة تراجع ثقة المستثمرين

عشية جلسة استثنائية في البرلمان الأوروبي لمناقشة أزمة منطقة اليورو

أزمة الديون السيادية ألقت بظلالها الكثيفة على العملة الأوروبية الموحدة (رويترز)
TT

أكد مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس الخميس، انعقاد الجلسة الاستثنائية المخصصة لبحث أزمة منطقة اليورو وذلك بحضور الكثير من الشخصيات والفعاليات الأوروبية المعنية بالأمر للتباحث مع أعضاء اللجنة الاقتصادية والنقدية في المؤسسة التشريعية الأعلى في الاتحاد الأوروبي ومن بين الشخصيات التي ستشارك في الجلسة المقررة 29 من الشهر الحالي، جان كلود يونكر رئيس مجموعة اليورو، واولي ريهن مفوض الشؤون النقدية والاقتصادية، وكلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي، فضلا عن ممثل الرئاسة البولندية الحالية للاتحاد الأوروبي، وبالتزامن مع إعلان مقر البرلمان الأوروبي في بيان صدر ببروكسل عن انعقاد الجلسة الطارئة، شهدت عدة عواصم أوروبية الإعلان عن إجراءات تقشف وبيانات اقتصادية تظهر تراجع ثقة المستثمرين، ففي باريس أكدت وزيرة الموازنة الفرنسية فاليري بيكريس الخميس أن الإجراءات الجديدة، التي أعلنت عنها الحكومة الفرنسية لخفض العجز العام بمقدار بـ12 مليار يورو بين عامي 2011 و2012، لن تؤثر على النمو الاقتصادي ولا التوظيف. وفي تصريحات لإذاعة «فرانس إنتر» المحلية، قالت بيكريس إن جهود الحكومة موزعة بشكل عادل بين خفض العجز وحماية النمو والتوظيف. وتجنبت المسؤولة الحديث عن «إجراءات صارمة»، وشددت على أن الحكومة لن تطبق «زيادات عامة»، بل ستقتصر على «إزالة عدد محدد من الثغرات الضريبية». وكان رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون قد قدم حزمة من الإجراءات الإضافية، لضمان إنجاز أهداف خفض العجز العام. ويتمثل الإجراء الأكثر جذبا للانتباه بين هذه المجموعة في فرض ضريبة استثنائية بمقدار 3 في المائة على من يزيد دخلهم على 500 ألف يورو سنويا. ويرى الكثير من المراقبين الأوروبيين أن قصر الإليزيه تحول إلى خلية أزمة لتقديم الإسعافات الضرورية للاقتصاد الفرنسي الذي باتت تتهدده مخاطر حقيقية، بسبب ثقل الديون. في اجتماع، خصص للإعلان عن سلسلة تدابير جديدة للتقشف وشد الحزام، بعد أن باتت فرنسا مرشحة لفقدان درجة الائتمان التي تتمتع بها على غرار الولايات المتحدة، بعد أن بلغت ديونها نسبة 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والرئيس أكد مجددا عزم الحكومة بلوغ أهدافها التي حددت لها لتخفيف العجز في الميزانية تماشيا مع خطط الحكومة والقوانين التي يؤطرها تحركنا العام وتتعرض البنوك الفرنسية للديون الإيطالية بنحو 268 مليار يورو، كما أثقلتها مساهمتها في أعباء أزمة اليونان، إضافة إلى عمليات البيع واسعة النطاق للسندات الحكومية الفرنسية، كلها عوامل باتت تخيف المستثمرين في بورصة باريس رغم تفاوت أدائها. وتعرضت المصارف الفرنسية لهجمات المضاربة في البورصات، كما ظهرت شكوك في شأن قدرة فرنسا على الاحتفاظ بتصنيفها الائتماني الممتاز (AAA) الذي تمنحه وكالات التصنيف الائتماني للدول الأكثر موثوقية على صعيد الديون. وتضاف هذه المخاوف إلى الوضع في إيطاليا وإسبانيا، الذي أرغم البنك المركزي الأوروبي على التدخل في الأسواق لإعلان استعداده لإعادة شراء سندات ديونهما.

وفي مدريد، وقف رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس ثاباتيرو في البرلمان، لإقناعه بالقبول بالمزيد من خطط التقشف وشد الحزام، بهدف خفض عجز الميزانية إلى 6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي هذا العام بالمقارنة مع 9.2 في المائة في عام 2010. وقال ثاباتيرو «الهدف من هذه المبادرات مطابق لجميع الخطط التي أعلنا عنها سابقا، وتهدف إلى تعزيز التزامنا مع حاجيات عمليات الدمج النهائي مع الاتحاد الاقتصادي النقدي». وهاجم رئيس الوزراء الإسباني من بوابة البرلمان مخاوف الأسواق التي دفعت تكلفة الاقتراض إلى الارتفاع، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك ما يبرر هذا الارتفاع. وكانت إسبانيا الغارقة في الديون، قد نهضت في الربع الأول من عام 2010 من مرحلة ركود اقتصادي ناج عن تأثير الأزمة المالية العالمية. كما نجح بتحقيق نسبة نمو قدرها 0.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، فيما من المتوقع أن تنمو بنسبة 1.3 في المائة مع نهاية العام.

وفي برلين، تراجعت ثقة المستثمرين في الاقتصاد الألماني مع هبوط مؤشر رئيسي صدر بمقدار 22.5 نقطة عن شهر أغسطس (آب)، بسبب اضطراب الأسواق المالية العالمية. وتراجع مؤشر مركز «زد إي دبليو» للأبحاث الاقتصادية الأوروبية ومقره مانهايم بمقدار كبير إلى منطقة سالبة هذا الشهر لينخفض بأكثر من المتوقع إلى 37.6 نقطة مقابل سالب 15.1 نقطة في يوليو (تموز) الماضي. وقاد مؤشر داكس الرئيسي لبورصة فرانكفورت اتجاه الهبوط في الأسهم الأوروبية وسط مخاوف بشأن انكشاف القطاع المصرفي، بسبب أزمة الديون في منطقة اليورو.

وأكدت البيانات الاقتصادية ثبات قطاع الخدمات في أداء قطاع منطقة اليورو خلال الشهر الماضي، أي أنه أفضل من التوقعات التي أشارت إلى تباطؤ في وتيرة النمو، أما عن أداء القطاع الصناعي فقد شهد انكماشا في أداء القطاع لأول مرة منذ عامين، ولكن هذا الانكماش جاء أخف من التوقعات التي أشارت إلى انكماش أعمق. وصدرت بيانات مؤشر مديري المشتريات لمنطقة اليورو خلال شهر أغسطس، حيث أظهرت القراءة المتقدمة للمؤشر الصناعي انكماشا عند 49.7 مقارنة مع القراءة السابقة 50.4 التي كانت من المتوقع أن تصل إلى 49.5، كما أظهرت القراءة المتقدمة للمؤشر الخدمي نموا وصل إلى 51.5 مقارنة بالنمو السابق 51.6 الذي كان من المتوقع أن يتباطأ إلى 50.9، وفي الوقت نفسه أظهرت القراءة المتقدمة للمؤشر المركب ثباتا عند القراءة السابقة 51.1 والتي كانت من المتوقع أن تأتي عند 50.0 الذي هو الحد الفاصل بين الانكماش والنمو. ويرى الكثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين أن هذه البيانات التي جاءت أفضل من التوقعات لا تستطيع نكران حقيقة أن قطاعي الخدمات والصناعة قد تباطآ مقارنة بالأشهر الماضية، وهذا بدوره يؤكد أن منطقة اليورو قد فقدت العزم الكافي لمواصلة مسيرة الانتعاش الاقتصادي وسط زحام تفاقم أزمة الديون السيادية في المنطقة.

وتأثرت القطاعات الاقتصادية في منطقة اليورو الأشهر القليلة الماضية بقيام الحكومات بإقرار خطط تقشفية صارمة لمواجهة الارتفاع في الديون العامة لتجنب ما حصل في كل من اليونان، والبرتغال، وآيرلندا، وهذا ما كان له الأثر السلبي الواضح على الإنفاق الاستهلاكي لدى الأفراد.