الأسعار القياسية تطلق موجة استثمارات صينية جديدة في الذهب

الحكومة تقول إن ضغوط التضخم ما زالت كبيرة

الأسعار القياسية للذهب شجعت المستثمرين الصينيين على ضخ المزيد من الأموال في السبائك («الشرق الأوسط»)
TT

قالت أعلى هيئة للتخطيط الاقتصادي في الصين اليوم الاثنين إن استمرار ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأولية وغيرها يغذي التضخم في الصين، وقد يجعل هدف بكين لنسبة التضخم على مدى العام بأكمله بعيد المنال.

وقالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إن السبب الجذري لارتفاع أسعار السلع الأولية هو السياسات النقدية الميسرة للدول المتقدمة، التي قالت إنها أفضت إلى تضخم مستورد في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبحسب «رويترز» قالت اللجنة في بيان بموقعها على الإنترنت: «حالة التيسير النقدي العالمي من المستبعد أن تتغير في المدى القصير، وأسعار السلع الأولية العالمية ما زالت مرتفعة ومن ثم لم ينحسر أثر التضخم المستورد».

وأضافت أن ارتفاع أسعار مدخلات أخرى للشركات مثل المواد الخام وسائر الموارد، فضلا عن أثر بعض الكوارث الطبيعية، قد يرفع توقعات التضخم أيضا. وحددت بكين سقفا للتضخم السنوي عند أربعة في المائة هذا العام، لكن الأسعار تواصل ارتفاعها، ويقول اقتصاديون كثيرون إن من الصعب تحقيق ذلك الهدف.

ورغم أن بكين لا تتوقع خروج التضخم عن السيطرة فإنه يظل مرتفعا، وقد سجل أعلى مستوى في ثلاثة أعوام عندما بلغ 6.5 في المائة في يوليو (تموز). واتخذت الحكومة عدة إجراءات، من بينها الرفع المتكرر لنسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك وأسعار الفائدة، وذلك في محاولة لكبح ارتفاع الأسعار.

وحذرت اللجنة أيضا من أن أزمة الديون في منطقة اليورو «تتفاقم وتنتشر»، مما قد يزيد من عدم التيقن الذي يشوب التعافي الاقتصادي العالمي. وقالت إن الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط وخفض «ستاندرد أند بورز» التصنيف الائتماني للولايات المتحدة قد أثر أيضا على الأسواق المالية العالمية، وقد يكون له وقع سلبي على الاقتصاد العالمي.

وفي تحليل لـ«رويترز»، بدلا من أن تحد الأسعار القياسية للذهب من حماس المستثمرين الصينيين له، شجعتهم على ضخ المزيد من الأموال في السبائك وعقود المشتقات التي تنطوي على مخاطر أكبر.

وعادة ما تتباطأ مشتريات الحلي والمشغولات الذهبية في الصين في شهر أغسطس (آب)، لكن الكثير من المتاجر التي زارتها «رويترز» في شنغهاي أشارت إلى ارتفاع مفاجئ في المبيعات في الأسابيع القليلة الماضية.

وقالت لوي مديرة أحد متاجر «لاو فينغ شيانغ» الكبرى للحلي في شنغهاي: «ارتفاع الأسعار أثار موجة شراء جديدة للذهب. السبائك زنة 50 غراما ومائة غرام تباع مثل الكعك الساخن»، وقال المتجر إن مبيعاته هذا الشهر زادت بنسبة 30 في المائة على الأقل عن الشهر نفسه من العام الماضي.

وسيكون لسلوك المستهلكين في الصين، التي المتوقع أن تتجاوز الهند لتصبح أكبر مشترٍ للذهب في العالم، تأثير كبير على الاتجاهات المستقبلية. فالطلب من أكبر دول العالم سكانا، التي تضيف مئات الألوف سنويا إلى صفوف المستهلكين من الطبقات العليا والمتوسطة، يعني أن الذهب في طريقه إلى الاستقرار على مستويات مرتفعة في الأجل الطويل.

كما أن هذا الطلب من شأنه أن يخفف من الانخفاضات المؤقتة في الأسعار. وتراجع سعر الذهب في السوق الفورية عن ذروته البالغة 1900 دولار للأوقية (الأونصة) التي سجلها الأسبوع الماضي فنزل إلى نحو 1820 دولارا للأوقية، وهذه الانخفاضات تشجع أكثر على الشراء. وقال هو شينغ كيانغ، محلل الذهب في «جينروي فيوتشرز»: «الكثير من المستثمرين والمستهلكين الصينيين يرون تصحيحات الأسعار باعتبارها فرصا للشراء. فالاعتقاد بأن الذهب مخزن للقيمة متأصل في الثقافة والعادات الصينية».

وأضاف: «وكان من شأن ارتفاع أسعار الذهب على مدى العامين الماضيين والمخاوف من الديون في الغرب تعميق اعتقاد المستثمرين الصينيين بأنه يتعين عليهم امتلاك المعدن كأصل استثماري».

وتتوقع وول ستريت استمرار ارتفاع الذهب، فيقدر بنك جيه بي مورغان أن يصل سعره إلى 2500 دولار للأوقية على الأقل بحلول نهاية العام. ووسط موجة شراء الذهب سارعت البنوك وشركات السمسرة الصينية بعرض أوراق مالية للاستثمار في الذهب للاستفادة من الاتجاه الصاعد. وتقول مصادر من بنك الصين والبنك الصناعي والتجاري الصيني أن الطلب على أدواتهما المرتبطة بالذهب ارتفعت، في حين يقبل جيش متنامٍ من المستهلكين على الاستثمار في أوراق الذهب. وشجعت توقعات بأن الذهب سيواصل ارتفاعه المستثمرين كذلك على الإقبال على سوق المشتقات الوليدة في البلاد مثل عقود الذهب الآجلة في بورصة شنغهاي للذهب وبورصة شنغهاي للعقود الآجلة.

وسجلت أحكام التعاملات على عقود الذهب الآجلة في بورصة شنغهاي للذهب ارتفاعا قياسيا إلى 350 ألفا و670 غراما في أغسطس، أي ما يعادل مثلي مستواها في يوليو.

وقال هي ووي، محلل الذهب في «نانهوا فيوتشرز»: «يقبل المزيد من المستثمرين على أوراق الذهب بسبب انخفاض تكلفتها الرأسمالية. وفرص تحقيق مكاسب كبيرة بالمضاربة على صعود الذهب بدأت تعتبر وسيلة سهلة نسبيا لتحقيق المكاسب»، غير أن ذلك يخلق مخاطر أخرى بمرور الوقت تعمل السلطات على تجنبها، فالمستثمرون الذين يشترون عقود الذهب عادة ما يفعلون ذلك بأموال مقترضة فلا يقدمون بأنفسهم سوى نسبة ضئيلة من المبلغ، ما يعرضهم لخسائر أكبر بكثير في حال خالفت السوق توقعاتهم. ورفعت البورصة القلقة من الارتفاعات والتي تخشى أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى الإقبال على مخاطر أكبر هامش ضمانات التداول مرتين هذا الشهر إلى 12 في المائة. ودفع الإقبال الشديد على الاستثمار في الذهب المستثمرين كذلك إلى الانتقال إلى مشتقات تعرضها البورصات بشكل غير رسمي ظهرت في السنوات القليلة الماضية، ما أثار مخاطر جديدة نظرا إلى انخفاض هامش ضمانات التداول.

وشهدت بورصة تيانين للمعادن النفيسة التي تأسست عام 2010 ارتفاعا كبيرا في الطلب على العقود. وفي حين تتخذ الحكومة اتجاها متحفظا بعض الشيء فإن تعطش الناس لأدوات استثمارية جديدة سيسرع دون شك بفتح الصين لقطاع الذهب، وهي خطوة تنتظرها البنوك الأجنبية منذ فترة طويلة. وقال مسؤول تنفيذي بارز في بنك أجنبي: «هذه ستكون الخطوة التالية التي ننتظرها جميعا».