هجرة رؤوس الأموال السورية إلى لبنان تنعش سوق العقار

خبراء لـ «الشرق الأوسط»: تهافت على الشقق في الشمال وكسروان وجبيل

الطلب على العقار في لبنان شهد نموا تزامن مع حركة نزوح مئات العائلات السورية إلى لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

لم تعد السوق العقاريت اللبنانيت جاذبة للاستثمارات الخليجية كما المحلية الضخمة، إذ تشهد منذ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري ركودا ملحوظا ترجم تراجعا قدّره خبراء عقاريون بنسبة 30 في المائة في حركة بيع العقارات والشقق، خصوصا المصنفة درجة أولى في العاصمة بيروت، كما في الضواحي امتدادا إلى جبل لبنان. لكن انتعاشا ملحوظا سجل أخيرا في حركة السوق وارتفع عدد العمليات العقارية المحدودة الحجم في أكثر من منطقة لبنانية خارج العاصمة، وخصوصا في منطقتي كسروان وجبيل، كما في جبل لبنان والمتن الشمالي والشوف، والدافع الأساسي لهذه الحركة كان ازدياد الطلب على الشقق والعقارات من قبل مجموعات سورية وأفراد من الطبقتين الثرية والمتوسطة.

وبحسب تقارير لشركات ومؤسسات عقارية خاصة، فإن الأشهر الثلاثة الأخيرة كرست واقعا ديموغرافيا في لبنان برز من خلال وصول أعداد كبيرة من السوريين، خصوصا ممن هم على صلات قربى مع عائلات لبنانية وباشروا بالإعداد للاستقرار في لبنان من خلال تأمين السكن أولا والانطلاق في الأعمال ثانيا. وعملية الانتقال هذه مرشحة للتحول إلى كرة ثلج نظرا لانعكاساتها المباشرة على القطاع العقاري الذي عرف فورة في الأسعار وارتفاعا تجاوز عشرات أضعاف ما كانت عليه اعتبارا من العام 2006.

المحلل الاقتصادي والمالي الدكتور سامي نادر قال لـ«الشرق الأوسط» إنه بعدما دخلت الأزمة في سوريا في شهرها السادس وبات جليا أن التطورات المتلاحقة مفتوحة على احتمالات التصعيد، فإن حركة النزوح السورية إلى بيروت والإقبال على شراء العقارات بعد «تهريب» أو هجرة الثروات والرساميل السورية هي نتيجة حتمية، خاصة أن هذه الظاهرة شهدها لبنان منذ عشرات السنين عندما حصل التأميم في سوريا وهجرت الرساميل دمشق إلى بيروت.

وأضاف أن هذه الهجرة لم تقتصر فقط على هروب رؤوس الأموال السورية إلى لبنان، بل امتدت إلى الاستثمارات التي كانت استقطبتها دمشق في السنوات العشر الأخيرة. وتوقع استمرارها لوقت طويل في ضوء تدفق الأموال، وبشكل يومي، من سوريا عبر المصارف اللبنانية المنتشرة هناك. وأكد أنه على الرغم من نفي السلطات النقدية في البلدين حصول مثل هذه العمليات، فإن أرقام حجم الودائع الذي تم تسجيله في المصارف اللبنانية، والتي زادت أخيرا، يشكل المؤشر الواقعي على حصول مثل هذه العمليات. ولم يقلل من التأثيرات الإيجابية لحركة النزوح المالي والبشري كونها تدعم مباشرة الحركة الاقتصادية بشكل عام.

ولاحظ أن تهافت رؤوس الأموال السورية على الاستثمار في القطاع العقاري قد رفع الطلب المحلي، وزاد الأسعار في بعض المناطق خصوصا في منطقة الشمال. وأوضح أن الأموال الوافدة، كما المحلية، تفتش عن الاستثمار والكسب السريع عبر التوظيف في العقارات التي ترتفع أسعارها بشكل شبه سنوي منذ عام 2006، خصوصا أن كل التوظيفات الخليجية والعربية السابقة في العقار اللبناني حققت أرباحا خيالية في ظل القوانين اللبنانية التي تعفي المضاربات العقارية من الضرائب إجمالا. وبصرف النظر عن المراوحة التي سجلت مطلع عام 2011 في سوق العقار توقف الدكتور نادر عند مؤشرات تحركات السوق العقارية، موضحا أن المستثمرين بدأوا بالتفاعل مع الواقع المستجد وتوجهوا نحو سوق فاعلة من خلال استبدال الاستثمارات في المشاريع العقارية الضخمة بالاستثمار في مشاريع صغيرة تجاري الطلب الحالي. هذا مع الإشارة إلى أن السوق العقارية تضم قطاعين رئيسيين، الأول هو القطاع السكني الذي يشهد نموا متزايدا، والثاني هو القطاع التجاري الذي يشتمل على المكاتب والمساحات المخصصة لتجارة التجزئة والذي ينمو إنما بوتيرة أبطأ من القطاع الأول.

أما الخبير العقاري ومدير عام مؤسسة «صفير» للعقارات، بشارة صفير، فقد كشف لـ«الشرق الأوسط» أن الطلب على العقار في لبنان شهد نموا تزامن مع حركة نزوح مئات العائلات السورية إلى لبنان، علما بأن عدد العمليات العقارية كان بدأ بالتباطؤ منذ بداية العام 2011 وبنسبة 30 في المائة مقارنة مع السنوات الخمس الأخيرة، لكنه عاد وارتفع اعتبارا من شهر مايو (أيار) الماضي. وأوضح أن غالبية العمليات تتم في مناطق قريبة من الحدود مع سوريا في الشمال كما في أعالي كسروان وقرى جبيل، حيث تتكاثر المشاريع والإنشاءات السكنية وبأسعار معقولة لا تتجاوز الـ 800 أو الـ 1000 دولار للمتر المربع.

أما بالنسبة للميسورين فلفت صفير إلى أنهم يركزون على العاصمة والضواحي، علما بأن نسبتهم متدنية، إذ لم تسجل عمليات شراء بأعداد كبيرة. ومع تراجع حماسة المستثمرين المحليين على الأقل في الوقت الراهن على طلب شراء الشقق السكنية، فقد أكد صفير أن الأسعار بقيت مستقرة نوعا ما، لافتا إلى حصول تبدل في التوجهات العقارية، حيث إن التركيز لم يعد يقتصر على المناطق الساحلية والعاصمة، بل امتد إلى المناطق الجبلية في جبل لبنان.

في المقابل فإن الإحصاءات الرسمية الصادرة في بيروت في شهر يوليو (تموز) الماضي، سجلت انخفاضا حادا في عدد وقيمة المعاملات العقارية المسجلة في مديرية الشؤون العقارية، وذلك بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. ووصل مستوى الانخفاض إلى 5.18 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.

وقد قرأ الخبير صفير في هذه المعطيات تباطؤا في العمليات الرسمية مقابل نمو بعمليات البيع، التي تشمل مشاريع غير منجزة، متوقعا ترجمة هذا النمو في الإحصاءات المقبلة الصادرة عن المديرية.

وشدد على أن الأسعار في سوق العقار ستشهد ارتفاعا إضافيا في العامين المقبلين قد يصل إلى 15 في المائة عن الأسعار الحالية، غير أن هذا الارتفاع سيمس الشقق الصغيرة والمتوسطة استنادا إلى التقارير الصادرة عن مؤسسات عقارية والتي تتحدث عن ركود في مبيع الشقق الكبيرة والفخمة. وأوضح بالتالي أن التوتر السياسي أدى إلى موجة الركود التي طبعت مطلع العام والذي امتد إلى قطاعات اقتصادية عدة وانعكس بشكل خاص على قطاعي السياحة والعقار نتيجة توقف بعض المشاريع وتريث المستثمرين خصوصا الخليجيين منهم.