مصلحة البريد الأميركية على حافة الانهيار

تواجه خطر الإغلاق الكامل بحلول فصل الشتاء المقبل

تعاني المصلحة من عجز مالي كبير («نيويورك تايمز»)
TT

ظلت مصلحة البريد الأميركية على حافة الانهيار المالي لفترة طويلة من الزمن، لكنها لم تكن أبدا أقرب إلى الهاوية كما هي اليوم، حيث تعاني المصلحة من عجز مالي كبير لدرجة أنها أصبحت غير قادرة على دفع مبلغ 5.5 مليار دولار مستحقة الدفع خلال الشهر الجاري، وربما يؤدي ذلك إلى إغلاق المؤسسة بشكل كامل خلال الشتاء الحالي ما لم يتخذ الكونغرس إجراءات طارئة لتحقيق الاستقرار في شؤونها المالية.

وفي مقابلة شخصية معه، قال مدير المصلحة باتريك دوناهو: «وضعنا خطير للغاية»، وأضاف: «إذا لم يتحرك الكونغرس، فسوف نتخلف عن دفع الدين المستحق علينا».

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، يتخذ دوناهو سلسلة من التدابير الشديدة لخفض التكاليف بهدف التغلب على العجز المالي للهيئة الذي سيصل إلى 9.2 مليار دولار خلال العام المالي الجاري. وتشمل هذه التدابير إغلاق نحو 3700 موقع للبريد وتسريح 120000 عامل – وهو ما يقرب من خمس قوة العمل في المصلحة – رغم وجود بند في عقود النقابات يمنع تسريح العمالة.

وتنبع مشاكل مكتب البريد من حقيقة واحدة وهي حجم الإيرادات والتكاليف، فكما يعرف أي مستخدم للحاسب الآلي، فقد مكنت الثورة الإلكترونية الأفراد والشركات من إرسال البريد بصورة أسرع وأيسر من البريد التقليدي.

وفي الوقت نفسه، زادت تكاليف مكاتب البريد نتيجة لزيادة عدد العاملين على مدار عقود طويلة ووجود شروط في العقود تمنع تسريح العمالة، ويكفي أن تعرف أن العمالة تستهلك 80% من نفقات المصلحة مقابل 53% في شركة «يونايتد بارسل سيرفيس» و32% في شركة «فيديكس»، وهما اثنان من أكبر المنافسين لمصلحة البريد من القطاع الخاص. وعلاوة على ذلك، يتمتع عمال البريد برعاية صحية أفضل من معظم الموظفين في الهيئات الفيدرالية الأخرى.

وسوف تعقد لجنة الأمن القومي والشؤون الحكومية بمجلس الشيوخ جلسة يوم الثلاثاء لمناقشة المأزق الذي تعاني منه المصلحة. وحتى الآن، فشل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس في الاتفاق على أي حل لهذه الأزمة. وتعد الكثير من الخيارات المتاحة لإنقاذ مصلحة البريد غير مستساغة من الناحية السياسية.

وقال توماس كاربر، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير ويترأس اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ التي تشرف على الخدمة البريدية: «إن الوضع خطير»، وأضاف: «إذا لم نفعل شيئا وإذا لم نستجب بطريقة ذكية وملائمة، يمكن أن تنهار خدمة البريد في وقت لاحق من العام الجاري».

ولن تحدث أي كارثة فورية نتيجة لعدم سداد الدين البالع 5.5 مليار دولار والمستحق دفعه في الثلاثين من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري والذي يهدف إلى تمويل الرعاية الصحية للمتقاعدين، ولكن ستعاني المصلحة في بداية العام المقبل من عدم القدرة على دفع رواتب موظفيها وتموين شاحناتها، وهو ما سيضطرها إلى التوقف عن تسليم نحو 3 مليارات رسالة بريدية أسبوعيا. وتعد الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة معروفة للجميع، ولكنها صعبة الحل، حيث انخفض حجم البريد العادي نتيجة لزيادة البريد الإلكتروني ودفع الفواتير عن طريق الإنترنت وانتشار مواقع الويب التي تمكن الفرد من الحصول على أي شيء بدءا من كتالوجات الموضة والأزياء وحتى الأخبار. وسوف يقوم البريد العادي بتوصيل نحو 167 مليار رسالة بريدية خلال العام المالي الحالي، بنسبة انخفاض تبلغ 22% مقارنة بما كان عليه الوضع منذ 5 سنوات.

ومن الصعب أن نتصور انخفاض حجم البريد العادي إلى 118 مليار رسالة بحلول عام 2020، كما أن القانون يمنع مكاتب البريد من زيادة رسوم البريد عن معدل التضخم.

وفي الوقت نفسه، مرت المصلحة بوقت عصيب وهي تقوم بتخفيض التكاليف لكي تتماشى مع انخفاض الإيرادات، وذلك بسبب عقود العمل التي تكفل للعاملين امتيازات صحية واستحقاقات تقاعدية جيدة ومكاتب البريد التي لا تعمل بكثرة والقوانين التي تحد من قدرتها على اتخاذ قرارات أساسية.

ويقوم الكونغرس حاليا بدراسة مقترحات كثيرة أبرزها السماح لمكاتب البريد باسترداد مليارات الدولارات التي تقول الإدارة إنها دفعت بشكل مبالغ فيه لصناديق المعاشات التقاعدية. وسيساعد هذا القرار المصلحة على التغلب على الأزمة على المدى القصير.

ويقر مديرو المصلحة بأنه يتعين عليهم إيجاد طريقة لزيادة الإيرادات، وهو الأمر الذي سيكون أكثر صعوبة من مجرد تقليل التكاليف.

وتقوم مكاتب البريد في بعض البلدان بدور البنوك أيضا أو تبيع وسائل التأمين أو الهواتف الجوالة، ولكن في الولايات المتحدة يتم منع مصلحة البريد من الدخول في الكثير من المجالات. ومع ذلك، تدرس المصلحة بعض الأفكار مثل الحق في تقديم النبيذ والبيرة، وهو ما يسمح بنشر الإعلانات التجارية على شاحنات البريد وداخل مكاتب البريد.

ويأمل دوناهو في خفض 20 مليار دولار من التكاليف السنوية البالغة 75 مليار دولار بحلول عام 2015. وحتى يمكنه القيام بذلك، يريد دوناهو أن يغلق الكثير من مكاتب البريد ويقلل عدد مرافق الفرز من 500 إلى 200 وتسريح نحو 220000 عامل من قوة العمل الحالية والتي تصل إلى 653000 عامل. (منذ عقد من الزمان، قامت المصلحة بتعيين نحو 900000 عامل).

ومن الجدير بالذكر أن مصلحة البريد لديها سلطة قانونية لإغلاق المرافق، رغم صعوبة تحقيق ذلك نتيجة للمعارضة المجتمعية. وحتى يتم استرضاء النقاد وخفض التكاليف، صرح المسؤولون بأنهم سيسعون لتشغيل بعض العمليات البريدية من متاجر مثل وول مارت أو تقاسم الأماكن مع مكاتب حكومية أخرى.

وتعد قضية خفض قوة العمل أكثر صعوبة، حيث تنص عقود العمل على عدم تسريح الغالبية العظمى من العاملين، كما وافقت الإدارة على وضع شرط جديد ينص على عدم تسريح العمالة في أحد العقود النقابية في شهر مايو (أيار) الماضي.

ولكن الآن، تطلب المصلحة من الكونغرس سن التشريعات التي من شأنها أن تلغي حماية العاملين وتسمح لها بتسريح 120000 عامل، بالإضافة إلى تقليل 100000 وظيفة. وتطلب مصلحة البريد من الكونغرس الحصول على إذن لإنهاء القانون الذي ينص على تسليم البريد بحد أقصى يوم السبت من كل أسبوع، ونظرا لوجود مجموعة كبيرة من أصحاب المصالح، فإن الوصول إلى توافق في الآراء بشأن خطة الإنقاذ سيكون شيئا صعبا للغاية.

ومثلها مثل الكثير من نواب المناطق الريفية، تعارض سوزان كولينز، وهي عضو في مجلس الشيوخ، اقتراح إنهاء تسليم البريد بحد أقصى يوم السبت، وهو ما سيقلل 2% فقط من ميزانية المصلحة. وقالت كولينز، وهي نائبة جمهورية بارزة في اللجنة المشرفة على خدمة البريد، إن ذلك سيكون صعبا جدا على الناس في المدن الصغيرة الذين يحصلون على الوصفات الطبية والصحف عن طريق البريد. وقالت كولينز: «ركز مدير مصلحة البريد على الكثير من الحلول التي ستأتي بنتائج عكسية من وجهة نظري».

وتشعر النقابات القوية لمكاتب البريد بالغضب والقلق بشأن تسريح العمال. وقال كليف غوفي، وهو رئيس نقابة عمال البريد الأميركيين التي تمثل 207000 عامل من فارزي البريد وكتبة مكاتب البريد: «سوف نواجه ذلك بكل قوة»، وأضاف: «إنه شيء غير قانوني أن يقوموا بإلغاء العقد المبرم بيننا».

ويؤيد كل من كاربر وكولينز الكثير من الاقتراحات الرئيسية التي تدرسها مصلحة البريد لتجنب عدم الوفاء بسداد الديون، بما في ذلك استعادة نحو 60 مليار دولار يقول بعض الخبراء إنها قد دفعت بشكل مبالغ فيه لصندوقين من صناديق المعاشات. ورغم أن إدارة أوباما تعمل عن كثب مع أعضاء مجلس الشيوخ لإيجاد حل لتلك الأزمة، فإنها قد أشارت إلى عدم الارتياح للمقترحات التي تتعلق بالمعاشات التقاعدية وتساءلت عما إذا كانت مصلحة البريد قد كانت دفعت بالفعل مبالغ مالية مبالغ فيها لصناديق المعاشات أم لا.

وفي الوقت نفسه، قال داريل عيسى، وهو نائب جمهوري عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، إن المقترحات التي تتعلق بالمعاشات لا مبرر لها ولن تؤدي إلى حل المشاكل الأساسية للمصلحة. ويضغط عيسى في اتجاه تمرير مشروع قانون من شأنه أن يخلق مجلس رقابي طارئ قادر على خفض التكاليف وتجنب عقود مصلحة البريد – وهو الاقتراح الذي تم رفضه ليس فقط من قبل النقابات، ولكن أيضا من قبل كاربر وكولينز.

وحذر فريدريك رولاندو، وهو رئيس الرابطة الوطنية لناقلي الرسائل، من حدوث كارثة إذا ما أعاق التحزب الكونغرس من القيام بدوره. وقال رولاندو: «يتعلق الأمر بواحدة من أقدم المؤسسات في الولايات المتحدة. لقد نجت هذه المؤسسة من التليغراف ومن الهاتف، وعلينا أن نفعل كل ما بوسعنا للحفاظ عليها».

* خدمة «نيويورك تايمز»