هل تتجه الولايات المتحدة إلى كساد اقتصادي؟

احتمالات انزلاقها باتجاهه في تزايد مستمر

TT

في حالة كون التاريخ دليلا إرشاديا، فقد ازدادت بشكل حاد احتمالات تدهور الاقتصاد الأميركي ليصل إلى حالة كساد مزدوج في الأسابيع الأخيرة، بل وحتى ربما تكون قد وصلت إلى نسبة 50 في المائة.

إن الاقتصاديات تتسم بطبيعة تدعيم ذاتي قوية. حينما يكون لدى الناس نظرة تفاؤلية، يتجهون للإنفاق، مما يؤدي لزيادة التعيينات، وبالتبعية يزداد معدل الإنفاق. وحينما تنتاب الناس مشاعر القلق، فإنهم يقللون من معدل إنفاقهم، الأمر الذي يؤدي لدورة من تجميد التوظيف، مما يزيد من مشاعر القلق التي عادة ما تستمر لعدة أشهر. يبدو أن الولايات المتحدة قد دخلت شكلا ما من أشكال هذه الدورة المقيتة. وأكثر الأمور التي تنذر بالسوء هو أن معدل النمو الوظيفي قد تباطأ إلى درجة تجسد فعليا بداية كساد اقتصادي.

وعلى مدار الخمسين سنة الماضية، في كل مرة كان فيها النمو الوظيفي هزيلا مثلما كان على مدار الأربعة أشهر الأخيرة، اتجه الاقتصاد إلى حالة كساد، خلال كساد فعلي قائم أو عقب انتهاء حالة كساد مباشرة. وبالمقارنة، فمنذ بداية عام 2010 وحتى ربيع هذا العام، كان معدل التوظيف يرتفع بسرعة كافية لجعل الاقتصاد يبدو كما لو كان في حالة تعافٍ، وإن كان بسيطا.

«تقترب احتمالات أننا في إطار حالة ستبدو أشبه بكساد من نسبة 100 في المائة»، هذا ما قاله جوشوا شابيرو من «إم إف آر» المحدودة في نيويورك، الذي قد شخص الاقتصاد بشكل أكثر دقة من أي محللين وخبراء اقتصاديين آخرين مؤخرا.

وأضاف: «سواء أوصلنا إلى التعريف الفني المتخصص» - الذي حددته لجنة من علماء الاقتصاد الأكاديميين ويعتمد على إجمالي الناتج المحلي ومعدل التوظيف وعوامل أخرى - «أعتقد أنه ربما يقترب من 50 - 50».

وسيتسبب الكساد المزدوج في مشكلات سياسية واضحة ستقع على كاهل الرئيس أوباما، الذي قد هبطت نسبة تأييده بالفعل إلى أقل من 50 في المائة والمقرر أن يلقي خطابا أمام الكونغرس يوم الخميس مستعرضا فيه خطة لخلق فرص عمل جديدة. ومن شأن اقتصاد ضعيف أيضا أن يهدد أصحاب المناصب من كلا الحزبين في الكونغرس، الذين قد تأرجحت نسبة تأييدهم حول 15 في المائة في الاقتراعات الأخيرة.

وبصورة مباشرة، تمثلت الدلالة الأساسية للتباطؤ الأخير في أن الاقتصاد ربما لا يمر فقط بمرحلة ضعف سرعان ما ستزول، مثلما يأمل الكثير من صناع السياسة. لكن يبدو التاريخ وكأنه يشير إلى أن الموقف سيسوء قبل أن يتحسن.

في بحث أجري مؤخرا، أشار جيريمي جي ناليويك، اقتصادي بمصرف الاحتياطي الفيدرالي، إلى هذا المفهوم بمسمى «سرعة الانهيار»: فبمجرد أن يتباطأ نمو الاقتصاد بشكل ملحوظ، عادة ما يستمر على هذا المنحى. وفي حالتي الكساد الحادتين اللتين حدثتا خلال فترة الثمانين عاما الماضية - في الثلاثينات وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي - عانى الاقتصاد من مثل هذه الحالة من تباطؤ النمو ومني بحالة كساد ثانية لم تفصل بينها وبين الأولى فترة طويلة.

واليوم، ما زالت مشكلات أوروبا تعول على البنوك والأسواق المالية. ولا يزال المستهلكون مدينين، وما زالت سوق الإسكان في حالة كساد. وتواصل حكومات الدول خفض الوظائف، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات في القطاع الخاص. ومن غير المحتمل أن يمرر الكونغرس مشروع قانون رئيسيا خاصا بالوظائف.

ومن الممكن أن يتحدى الاقتصاد التاريخ ويتعافى سريعا. في نهاية الأمر، سيبدأ المستهلكون في زيادة حجم نفقاتهم على المساكن والسيارات والأجهزة والخدمات، كما سيشرع أصحاب العمل في تعيين أعداد ضخمة من الموظفين. ومن شأن انخفاض آخر في أسعار الغاز، التي تشهد انخفاضا في المعتاد، أن يعود بالفائدة على الأسر على وجه الخصوص.

إلا أن المؤشرات الأخيرة تدل على أنه حتى إذا لم يستمر الاقتصاد في التدهور، فإنه يبدو ضعيفا جدا، بحيث لا يمكن معه توفير وظائف كافية جديدة كل شهر - تقريبا 125.000 وظيفة - حتى لمواكبة النمو السكاني. وإذا قل عدد الوظائف المتاحة عن هذا العدد، فستستمر نسبة السكان العاملة في الانخفاض.

وعلى مدار الأربعة أشهر الأخيرة، تباطأ معدل خلق الوظائف الجديدة ليصل عدد الوظائف الجديدة في المتوسط إلى نحو 40.000 وظيفة فقط، أو إلى نسبة 0.1 في المائة، وفقا لاستطلاع الرأي الذي أجرته وزارة العمل لأصحاب العمل. وكانت المرة الأخيرة التي لم تتزامن فيها مثل هذه الزيادة الهزيلة مع حالة كساد اقتصادي في خمسينات القرن العشرين. ويعرض استطلاع رأي الوزارة للأسر صورة أكثر تفاؤلا إلى حد ما، ولكنه استطلاع رأي أضيق نطاقا. ويظهر معدل بطالة نسبته 9.1 في المائة الشهر الماضي، بعد أن كانت نسبته 8.8 في المائة في شهر مارس (آذار). وفي الماضي، تزامنت زيادة بنسبة ثلاثة أعشار في المائة على نحو نموذجي مع حالة كساد.

وقال جيمس دي هاميلتون، اقتصادي بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، الذي درس إعداد التقديرات الاقتصادية، إنه يرى أن الاحتمال الأكبر هو استمرار الاقتصاد في تفادي كساد مزدوج.

ولاحظ هاميلتون أيضا أن تقديرات النمو الوظيفي الأخيرة ما زالت قابلة للمراجعة والتنقيح، على الرغم من أن معدل البطالة ليس قابلا للتنقيح. قال هاميلتون: «من الصعب للغاية التنبؤ بحدوث كساد اقتصادي». وأضاف أن النقطة الأكثر أهمية هي أن الاقتصاد ما زال ضعيفا جدا، وأضعف مما قد توقعه عامة الناس.

ربما تكون أفضل إشارة لمدى الصعوبة معرفة اتجاه الاقتصاد هي أن المحللين المحترفين، كمجموعة، قد عجزوا عن التنبؤ بكل حوادث الكساد منذ السبعينات من القرن العشرين، وفقا لبيانات في حوزة المصرف الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا. وفي غضون الثلاثين سنة الأخيرة، لم يزد متوسط الاحتمالية الذي حددوه لدخول الاقتصاد في حالة كساد مطلقا عن 50 في المائة - إلى أن دخل الاقتصاد بالفعل في حالة كساد. إن المحللين، في «وول ستريت» وكل أسواق الأوراق المالية الأخرى، ليسوا غافلين عن التغير الاقتصادي؛ بل هم فقط يعمدون إلى التقليل من قدر حدته. وحينما يكون الاقتصاد على شفا كساد، تتجه احتمالات حدوث الكساد وفقا لتقديرات المحللين إلى الارتفاع بنحو 30 في المائة. كانت هناك حالة واحدة فقط في عام 1988 ارتفعت فيها احتمالات حدوث الكساد وفقا لتقديرات المحللين عن نسبة 30 في المائة ولم يحدث كساد.

وما يشير إليه الكثير من المحللين هو أن ثمة احتمالات لحدوث كساد مزدوج الآن، وتتراوح نسبة هذه الاحتمالات ما بين 25 و40 في المائة.

* خدمة «نيويورك تايمز»