الأسواق تتعلق بالشائعات بحثا عن النجاة من احتمالات تفكك اليورو

أسهم البنوك تتحسن بعد أنباء عن مبادرة جديدة.. والمستثمرون يترقبون تدخل الصين

مؤشر «داكس» يعكس التذبذب في أسعار الأسهم الأوروبية (رويترز)
TT

تتجه أنظار المستثمرين إلى ألمانيا والصين لإنقاذ منطقة اليورو من الإفلاس وسط ازدياد القلق من احتمالات أن تترك اليونان لتواجه مصيرها. وباتت الأسواق تتعلق بأية شائعة وسط الاضطراب الكبير في التعاملات والتذبذب المتواصل في أسعار الأسهم والسلع والسندات. وفي أعقاب انخفاض اليورو إلى أدنى مستوياته في بداية جلسة التعامل أمس، عاد اليورو لتعويض خسائره بسبب شائعة تحدثت عن مبادرة ألمانية - فرنسية جديدة لإنقاذ اليونان. كما ارتفعت أسهم البنوك الفرنسية بعد ظهر أمس الثلاثاء مع تحقيق سهم «سوسيتيه جنرال» قفزة بأكثر من 7% دفعة واحدة بفعل شائعات عن مبادرة ألمانية - فرنسية جديدة بشأن اليونان، وذلك حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.أ.ب)، كما ارتفع سهم «كريدي أغريكول»، لكن سهم «بي إن بي باريبا»، أكبر البنوك الفرنسية، لا يزال في منطقة سالبة بعد ظهر أمس على الرغم من تحسنه عقب الخسائر الكبيرة في بداية التداول. في الساعة 12 بتوقيت غرينتش، ارتفع سهم «سوسيتيه جنرال» بأكثر من 4%، و«كريدي أغريكول» بأكثر من 2% بينما ظل «بي إن بي باريبا» منخفضا بنسبة 3.4%.

وكانت كل أسهم البنوك الثلاثة منيت أول من أمس الاثنين بخسائر بأكثر من 10% على خلفية تجدد المخاوف بشأن عجز اليونان عن سداد ديونها. والبنوك الفرنسية هي أكثر البنوك الأوروبية انكشافا على الدين اليوناني. وتباطأت مسيرة ارتفاع أمس الثلاثاء نوعا ما بعد أن نفت الرئاسة الفرنسية اعتزام باريس الإعلان عن أي خطة جديدة مع برلين بشأن اليونان. لكن لا تزال هناك مشاعر ارتياح في فرنسا برؤية انتعاش «سوسيتيه جنرال». وكان سهم البنك الذي ينظر إليه على أنه معرض بشكل خاص لخفض تصنيفه من جانب وكالات التصنيف الائتماني، قد خسر نحو 60% من قيمته منذ يوليو (تموز) الماضي.

وفي وقت تجتهد فيه أوروبا لمعالجة التراجع في الثقة المالية العالمية، ينتظر العالم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتتخذ خيارا مهمّا. وسيكون عليها، أكثر من أي سياسي أوروبي آخر، استجماع الروح القيادية لإنقاذ اليورو أو الإذعان بأن الإرادة السياسة ليست مع ذلك. وتواجه ميركل (57 عاما) قرارات لها تأثير واسع النطاق بخصوص كيفية التعامل بحسم مع أزمة الديون داخل أوروبا، والأكثر إلحاحا، ما إذا كانت ستترك اليونان تتعثر أو حتى ترك اتحاد العملة. ويخشى مسؤولون أميركيون من أنها إذا لم تتعامل بقدر أكبر من الحسم، ربما يحدث تجميد لعمليات الإقراض عبر المصارف وستكون النتيجة ركودا ماليا حادا آخر على كلا جانبي الأطلنطي.

وأكد متحدث باسم المفوضية الأوروبية في بروكسل أمس الثلاثاء أن الاتحاد الأوروبي وجه دعوة إلى تيموثي غيثنر وزير الخزانة الأميركي لحضور اجتماع لنظرائه الأوروبيين. ومن المقرر أن يبدأ الاجتماع غير الرسمي الذي خطط له منذ فترة طويلة في مدينة بريسلاو البولندية غدا الخميس.

ولم يصدر عن بولندا التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، التي أعدت لهذا اللقاء أي رد فعل إزاء ما أعلنه المتحدث باسم المفوضية الأوروبية حتى الآن.

وذكرت مصادر دبلوماسية أن المؤتمر الذي سيستغرق يومين من غير المنتظر أن يسفر عن قرارات رسمية، وسيتناول عدة قضايا أهمها أزمة الديون في اليونان وفي دول أوروبية أخرى. كما سيتطرق الوزراء المشاركون في هذا المؤتمر إلى بحث رفع سقف آلية الإنقاذ الأوروبية بالنسبة لدول اليورو الضعيفة، وهو الإجراء الذي كان زعماء مجموعة اليورو أقروه في قمتهم التي عقدت في يوليو الماضي.

وأضاف المتحدث باسم المفوضية أن غيثنر كثف من اتصالاته بنظرائه الأوروبيين منذ مطلع الأسبوع الحالي، حيث عقد اجتماعا لوزراء مالية الدول السبع الصناعية الكبرى في مرسيليا.

وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن التراجع الاقتصادي صار ملحوظا على جانبي الأطلسي، كما أن الجانبين؛ الأوروبي والأميركي يواجهان تحديات متشابهة في الجهود الرامية إلى الحد من الديون.

وارتفعت الأسهم الأوروبية بقوة في مستهل التداول أمس الثلاثاء مدعومة بتقارير بأن إيطاليا طلبت من الصين شراء كميات كبيرة من أدوات الديون الإيطالية، وهو ما قد يساعد على إقناع الأسواق بأن ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو قادر على تحمل أعباء ديونه. وتحولت الأسهم الأميركية للارتفاع في أواخر جلسة أول من أمس الاثنين مدعومة بالتقارير التي جاءت بعد إغلاق الأسواق الأوروبية.

وقال جيريمي باتستون كار المحلل في «تشارلز ستانلي»: «لن تكون المرة الأولى التي تأمل فيها الأسواق أن تتدخل الصين لإنقاذ الموقف. لكن الصينيين ليس لهم سجل قوي. شاركوا في مزادات سندات البرتغال هذا العام وخسروا أموالا». وفي أنحاء أوروبا ارتفعت مؤشرات «فايننشيال تايمز 100» البريطاني 1.2 في المائة، و«كاك 40» الفرنسي 1.4 في المائة، و«داكس» الألماني 1.6 في المائة في مستهل التداولات.

وقد تسببت المخاوف من تفاقم أزمة الديون في تراجع الأسهم الأوروبية يوم الاثنين، لا سيما أسهم المصارف الفرنسية، مما أجبر الحكومة الفرنسية على دعم مؤسساتها المالية الثلاث الأكبر. وجاء هذا الاضطراب إلى جانب مخاوف من أن الأزمة اليونانية قد يصعب احتواؤها دون إجراء قوي من جانب ألمانيا، وبالتبعية، دافعي الضرائب الألمان.

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس إن ثمة خطورة أيضا تتهدد مشروع التكامل الأوروبي، الذي بدأ في الأعوام الصعبة بعد الحرب العالمية الثانية، فإذا اضطرت اليونان للتخلي عن اليورو مثلما تطالب أصوات متنامية من اليمين الألماني، ستكون هذه نكسة للتضامن داخل القارة الأوروبية.

ويقول منتقدون إن ميركل ركزت كثيرا على حماية موقفها السياسي داخل ألمانيا، ووضعت منصبها كمستشارة ألمانية في مكانة أعلى من الحاجة لقيادة جريئة تواجه المخاطر لإنقاذ منطقة العملة الموحدة الأوروبية. ولكن سيعني ذلك دفع المزيد من المال الألماني في اتحاد اقتصادي أبدى الناخبون كراهية له.

ويوجد خلاف بالفعل داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بزعامة ميركل بخصوص إنقاذ اليونان، وقد عانى حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، من نكسات خلال انتخابات الولايات، وكان من بينها نكسة خلال الشهر الحالي في ولاية ميكلينبورغ فوربومرن التي توجد فيها دائرتها البرلمانية. ومات والدها قبل الانتخابات، مما أضاف ألما شخصيا للحظة محتدمة سياسية.

ولم تتمكن جهود ميركل لإرضاء كلا الجانبين في قضية أزمة الديون من إرضاء أي من الطرفين. يذكر أنها تحدثت بقوة عن عجز اليونان وإسرافها من جانب وسلسلة من ضمانات الديون المشروطة لدعمها.

ويقول مناصرون إن ميركل عملت بأسلوب منهجي يعتمد على عدم جذب الأضواء لتحقيق أفضل ما يمكن من موقف صعب، وتمرير عمليات إنقاذ لا تحظى بشعبية مع انتزاع مسؤولية مالية أكبر من الدول المثقلة بديون كبيرة.

ويوم الجمعة ألقت استقالة يورغن ستارك، العضو الألماني بالمجلس التنفيذي للمصرف المركزي الأوروبي وثاني أهم شخصية ألمانية في المصرف يترك مجلس إدارته هذا العام، الضوء على حدة المعارضة الألمانية للخطوات التي اتخذتها ألمانيا والمصرف المركزي من أجل تقديم مساعدات إنقاذ للدول الجنوبية الأضعف. ويقول كورنيليوس أدباهر، الخبير في الشأن الأوروبي بمجلس العلاقات الخارجية الألماني في برلين: «تتسع الهوة بين ما هو مطلوب من ناحية السياسة الاقتصادية وما هو ممكن من ناحية الأوضاع السياسية الداخلية والظروف السياسية المحيطة بالحزب»، وأضاف: «تحتاج إلى أن تبدي روحا قيادية أقوى، ولكنها لم تكشف حتى الآن عن الطريق الذي ترغب الاتجاه إليه.» ويبدو أن الأحداث ستدفع ميركل إلى القيام بما لا تحب. وعلى ضوء الهجوم الأخير داخل الأسواق هذا الأسبوع على مؤسسات مالية فرنسية، نجد أن أثر أزمة الديون قد وصل حاليا إلى الحدود الألمانية. وبعد تأثر إيطاليا وتبعتها فرنسا، نجد أن المشكلات التي قيل من قبل إنها محصورة في محيط اليونان والبرتغال قد وصلت إلى قلب أوروبا، ومعها أسئلة لا يمكن تجنبها عن مستقبل القارة.

ويأمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يجذب ميركل لالتزامات أكبر تجاه حكومة اقتصادية لمنطقة العملة الموحدة، مما يجعل فرنسا وألمانيا مرة أخرى القوة الدافعة للاندماج الأوروبي، وهو دور لعبته كلتا الدولتين منذ تصالحهما بعد الحرب العالمية الثانية. ويرى محللون أنه إذا كانت مشكلات فرنسا ليست كافية لدفع ألمانيا وزعيمتها لاتخاذ إجراء جرئي، فإنه من المحتمل أن لا يحدث شيء.

ويقول غونترام وولف، نائب مدير مؤسسة «بروغل» البحثية داخل بروكسل: «نتظاهر منذ عام ونصف العام بأن الأزمة اليونانية يمكن أن تحل بهذه الطريقة، ولكن ليست هذه الحال، بل هذا يخلق نوعا من الضبابية.» وربما تشير آخر عمليات تقلب في الأسواق الأوروبية إلى نهاية جهود ميركل لدعم كلا الاتجاهين من خلال حماية اليونان من العجز عن السداد وتجنب خطوة لا يمكن الرجوع عنها تجاه اتحاد مالي واقتصادي أعمق بين دول منطقة اليورو. وربما تكون حالة الارتباك والضبابية المستمرة سيئة أو أكثر سوءا من المشكلات المسببة لها. ويقول مايكل شرودر، رئيس قسم أبحاث التمويل الدولي بمركز الأبحاث الاقتصادية الأوروبي في مانهايم بألمانيا: «إذا وافقوا على حل محدد، سأرى احتمالية منخفضة نسبيا لأن تتعثر منطقة اليورو أيضا أو لأن تتعرض للدمار»، وأضاف: «يتمثل مصدر خطر في الفوضى التي لدينا في اللحظة الحالية.» وبالنسبة إلى مراقبين خارج ألمانيا، تبدو المستشارة قوية، ولكنها غير راغبة في التصرف بحسم. وداخل ألمانيا تتزعم ميركل تحالفا منقسما لا يعتمد عليه بصورة متنامية يضم ثلاثة أحزاب؛ الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا، وحزب الديمقراطيون الأحرار الموالي لقطاع الأعمال.

وتعد المشكلات السياسية الداخلية في فرنسا، كجمهورية رئاسية بها حزب أغلبية في البرلمان، أقل مما هي داخل ألمانيا، التي يوجد بها نظام فيدرالي وائتلافات. ولكن يعرف ساركوزي أنه لا يستطيع التحرك من دون ألمانيا. وعلى الرغم من أن الزعيمين لا يحبان كليهما الآخر ولديهما شخصيتين مختلفتين جذريا، فإن ساركوزي قد سعى للتأكد من أن فرنسا وألمانيا تتحركان معا، كما أنه يدعم ظاهريا برلين. ويعتمد الكثير على جعل جميع الدول الـ17 في منطقة اليورو تصدق على قرارات الحادي والعشرين من يوليو (تموز)، مثلما فعل البرلمان الفرنسي، التي تضم زيادة في صندوق الإنقاذ وتوسيعا لسلطاته. وستحدث هذه القرارات تحولا في مواقف ألمانيا المتشددة بخصوص اليورو.

وسيستطيع مرفق الاستقرار المالي الأوروبي بعد توسيعه العمل كمصرف من نوع ما مدعوما بجميع الأعضاء. وستكون هذه خطوة رائعة تجاه استخدام نفوذ أوروبا الجماعي لدى أسواق الدين لإنقاذ البلاد ذات الوضع الأضعف. ويدافع أنصار المشروع الأوروبي المخلصون عن اتحاد مالي مركزي، مثل الولايات المتحدة، ليكون بديلا عن الهيكلة الهجين الحالية داخل أوروبا، التي تستخدم فيه الدول الأعضاء عملة مشتركة فيما يحددون النفقات ومستويات الدين كل على حدة. ولكن ليس واضحا ما إذا كان في مقدور ميركل حشد الأصوات لتمرير صفقة إنقاذ اليونان التي تم التوصل إليها في يوليو وكسب الدعم لخطوات جديدة جريئة.

وخلال الأيام الأخيرة، أصبح الكثير من حلفاء ميركل المحافظين والمؤمنين بالسوق الحرة في البرلمان واقتصاديون ألمان محترمون أقسى في توصياتهم بخصوص اليونان. وقد علت أصوات اليمين المطالبة بمنع تقديم مساعدات بل وإخراج اليونان من منطقة اليورو.

وتعد سندات اليورو - من إصدار دين أوروبي مشترك يمكن لأي عضو بمنطقة اليورو الاستفادة منه - من الحلول الشائعة بين مسؤولين بالاتحاد الأوروبي في بروكسيل. ويقول محللون إنه إذا أجبرت على الاختيار، فإن الديمقراطيين الأحرار في الاحتمالات كافة سيصوتون بـ«لا» عليهم، وهي هزيمة برلمانية يمكن أن تطيح بحكومتها. ويقول أدباهر: «ستكون هذه نهاية الطريق.»