عجز البنوك الأوروبية 273.2 مليار دولار ولاغارد تكذب التقارير ثم تتراجع

وسط مخاوف من قيام موديز بتخفيض قيمة أسهمها

TT

خلال عطلة نهاية الأسبوع، كانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد تحاول التراجع عن موقفها، بعد أن كشف أحد التقارير عن وثيقة من داخل صندوق النقد الدولي تفيد بأن المصارف الأوروبية تعاني من نقص في رأس المال بصورة يرثى لها – وصل العجز إلى مبلغ ضخم يصل إلى 273.2 مليار دولار.

وكانت لاغارد قد أصرت على أن هذه «التقارير كاذبة»، قبل أن تتراجع وتقول إن هذا الرقم «مؤقت»، ثم ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين قالت إن الرقم «لا يمثل اختبار تحمل بالنسبة لصندوق النقد الدولي ولا يعبر عن رأس المال العالمي الذي تحتاجه المؤسسات المصرفية الأوروبية». وأضافت لاغارد: «إننا نجري مناقشات في الوقت الحالي مع شركائنا الأوروبيين لتقييم المنهجية العالمية حتى نصل إلى مشروع قانون مبدئي وسيتم نشره قبل نهاية شهر سبتمبر (أيلول)».

وقد تصرفت لاغارد وكأنها قد فوجئت بهذا الرقم – وحاولت التقليل من أهميته – وكان يجب عليها ألا تقوم بذلك. ويبدو أن تغيير نبرة لاغارد في الحديث هو ما قد يفسر إحساسها الزائف بالصدمة. وقد دقت لاغارد أجراس الخطر الشهر الماضي بشأن ما وصفته بضرورة «إعادة رسملة مصارف أوروبا بشكل عاجل»– وتم انتقادها بشدة نتيجة لذلك. وقالت لاغارد في ذلك الوقت: «لقد كشفت التطورات التي حدثت خلال هذا الصيف أننا نمر بمرحلة جديدة وخطيرة». وقد كانت تصريحات لاغارد صادقة لدرجة جعلت بعض المصرفيين ينتقدونها بسبب تقويض الثقة في المصارف الأوروبية.

بالطبع، كسرت لاغارد الشفرة السرية للصمت بين المصارف الأوروبية الكبرى – وهو الصمت الذي تحلت به هي نفسها لفترة طويلة جدا عندما كانت تعمل بالسياسة. وخلال الصيف الجاري وقبل أن يتم تعيينها في منصب مديرة صندوق النقد الدولي في أعقاب الفضيحة التي أطاحت بدومينيك ستروس - كان من منصبه، كانت لاغارد تحاول أن تجعل العالم يعتقد أن المصارف الفرنسية التي أشرفت عليها عندما كانت وزيرة الشؤون الاقتصادية والمالية والصناعية وتلك المصارف التي تحتل عناوين الصحف كل يوم الآن – بي إن بي باريبا وسوستيه جنرال – هي مصارف مستقرة.

(تراجعت أسهم تلك المصارف بما يصل إلى 12% يوم الاثنين وسط مخاوف من أن تقوم وكالة موديز بتخفيض قيمة هذه الأسهم بسبب تعرضها إلى كم كبير من الديون اليونانية المتعثرة). وفي مقابلة مع مجلة «ذي إيكونومست» حتى قبل الإعلان عن نتائج «اختبارات التحمل» للمصارف الأوروبية خلال الصيف الجاري، قالت لاغارد: «بقدر ما تشعر المصارف الفرنسية بالقلق، بقدر ما أشعر بالثقة من النتائج؛ والشيء الثاني وربما الأهم من ذلك هو أن المعايير التي شاهدتها ونوع الاختبارات التي يتم تطبيقها على 91 مصرفا في أوروبا يوضح أن المعايير التي تطبق هي معايير صارمة للغاية. وأنا أقول ذلك لأنني شهدت بعض الادعاءات هنا وهناك، كما تعلمون، وتلميحات قليلة وتعليقات مختلفة، ويقول المحللون (إننا لسنا متأكدين من هذه الاختبارات). حسنا، دعونا نذهب إلى مزيد من التفاصيل التي تبين أن الاختبارات هي اختبارات صعبة للغاية في واقع الأمر».

عليكم تذكر أن 8 مصارف أوروبية فقط هي التي فشلت في الاختبار (لا تشمل أي مصرف فرنسي)، ولم تقم الاختبارات بقياس قدرة المصارف على الإدارة – وهو وما كان أمرا مفاجئا. وعلى خلاف لاغارد، التي تخلت عن جهودها لتحسين حالة المصارف الفرنسية بمجرد تعيينها في منصبها الجديد كمديرة لصندوق النقد الدولي، واصل محافظو المصارف المركزية في أوروبا الدفاع عن اختبار التحمل الوهمي.

وحتى وقت متأخر من الأسبوع الماضي، أكد محافظو المصارف المركزية في أوروبا على أن «الكشف الفردي عن المخاطر السيادية كان يشكل عنصرا أساسيا وتعزيزا كبيرا للشفافية». وامتنع المتحدث الرسمي لصندوق النقد الدولي عن التعليق باسم لاغارد. وكثيرا ما نلوم السياسيين والمنظمين في الولايات المتحدة نتيجة لعدم اعترافهم بمشاكلنا الاقتصادية إلا بعد فوات الأوان، ولكن الأوروبيين حاولوا الحفاظ على وهم قوتهم الاقتصادية لفترة أطول من ذلك بكثير. وفي حين كانت الولايات المتحدة تضخ رؤوس أموال في المصارف وتضمن الديون وتحاول زيادة متطلبات رأس المال، كان المنظمون الأوروبيون يقاتلون وراء الكواليس للحفاظ على متطلبات رأس المال منخفضة. وعوضا عن ذلك، استغل المنظمون الأوروبيون، بما في ذلك لاغارد، قضية تعويضات المصرفيين التي قد تفوز ببعض النقاط السياسية، ولكن يبدو الأمر الآن وكأنهم نجحوا في إبعاد الرأي العام عن القضية الكبرى التي تتلخص في وجود نقص مروع في رؤوس الأموال في المصارف الأوروبية، وهو ما تعرفه كافة الهيئات التنظيمية جيدا. أتذكر أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي وإدارة أوباما كانوا يشكون بشكل خاص منذ أكثر من عام – وهو ما تم نقله من خلالنا ومن خلال وكالات الأنباء الأخرى – من أن الهيئات التنظيمية في أوروبا كانت تمنعهم من رفع متطلبات رأس المال، وذلك لأن المصارف الأوروبية لا يمكنها تحمل ذلك. وبالعودة إلى شهر فبراير (شباط) الماضي، قال وزير الخزانة الأميركي تيموثي جيثنر: «تعد أوروبا هي الأكثر استعدادا لإدارة نظام بمتطلبات رأسمالية أقل من الولايات المتحدة».

وفي مقال حماسي ضد ترشيح لاغارد لمنصب مدير صندوق النقد الدولي، كتب سايمون جونسون، وهو أستاذ في كلية سلون للإدارة، على مدونته في شهر مايو (أيار) أن «فرنسا عملت طويلا وبجد لمنع الزيادة في رأس المال المصرفي خلال مفاوضات بازل 3 للإصلاح المصرفي التي اختتمت مؤخرا. ويعد رأس المال المصرفي بمثابة حاجز أو عازل ضد الخسائر؛ وطالما ظل ذلك في مستوى أقل مما تريده الحكومة الفرنسية، فلن يكون هناك أي وسيلة آمنة لأي دولة في منطقة اليورو لإعادة هيكلة ديونها. ويؤدي انخفاض رؤوس أموال المصارف إلى حدوث مخاطر مالية نظامية لأوروبا والعالم أجمع».

ولن يتم حل المشاكل الاقتصادية في أوروبا حتى تعترف المصارف – والهيئات التنظيمية الخاصة بها – بأنها بحاجة إلى المزيد من رؤوس الأموال ويتم التوصل إلى حل يتعلق ببنية الاتحاد الأوروبي. (من المحتمل أن يحدث هذا في نظام الاتحاد). وتكمن القضية الآن، بالطبع، في أن لاغارد قد خرجت عن صمتها، فهل تنجح في إقناع بقية نظرائها الأوروبيين في أن يقوموا بنفس الشيء؟

* خدمة «نيويورك تايمز»