أميركي داخل «بنك إنجلترا» ينصح: أغرقوا العالم بالمال حتى تنجوا من الكساد

دعا أميركا وبريطانيا ومنطقة اليورو إلى المزيد من التحفيز وإنشاء بنوك مشتركة

الاقتصادي بوش يلقي كلمة أمام لجنة النقد ببنك انجلترا المركزي («نيويورك تايمز»)
TT

تنفذ حكومات إجراءات تقشفية، وتقوم مصارف بتجميع النقد لديها، ويلوح في الأفق ركود داخل الولايات المتحدة وأوروبا. ويوجد حل لدى آدم بوسن: إجراءات منسقة تقوم بها مصارف مركزية بهدف إحياء اقتصادات متعثرة.

يعمل الاقتصادي الأميركي بوسن في لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا، ولذا فهو شخص داخل المؤسسة المصرفية المركزية. وكخبير بارز فيما يُطلق عليه العقد الضائع داخل اليابان، لديه مخاوف خاصة من أن المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل الولايات المتحدة والمصرف المركزي الأوروبي يرتكبان نفس الأخطاء في السياسة النقدية التي جعلت الاقتصاد الياباني راكدا خلال التسعينات وحتى القرن الحادي والعشرين.

ومنذ أشهر وحتى الآن يحذر بوسن، الذي حصل على منصبه داخل بنك إنجلترا من خلال الرد على إعلان نُشر في «ذي أكونوميست»، من أن صناع السياسات داخل واشنطن وفي أوروبا متفائلون بصورة مبالغ فيها إزاء سرعة تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية. يوافق بوسن على الجهد المشترك من جانب مصارف مركزية يوم الخميس بهدف تسهيل قيام المصارف الأوروبية الضعيفة باقتراض دولارات، ولكنها ما زالت بعيدة كل البعد عن برنامج شراء سندات موحد أو تسهيل كمي يدعو إليه بوسن.

وعندما يجتمع مسؤولو الاحتياط الفيدرالي الأميركي هذا الأسبوع، من المتوقع على نطاق واسع أن يتخذوا إجراءات أخرى لتخفيض معدلات الفائدة على المدى الطويل، ويعد ذلك تحولا مهما بعد أشهر من الإشارة إلى أن ثمة انتعاشة قادمة. ولم يذهب المصرف المركزي الأوروبي إلى هذا الحد، ولكن أشار مسؤولون أخيرا إلى انفتاح جديد بهدف تقليل معدلات الفائدة أو على الأقل وقفها من الارتفاع. وبصورة بسيطة، يرغب بوسن في أن تقوم المصارف المركزية بطبع المزيد من المال. ومن المحتمل ألا يصل الاحتياط الفيدرالي لعمليات شراء السندات الجريئة التي يدعو إليها بوسن. ويرى بعض المسؤولين داخل الاحتياط الفيدرالي – ومعظمهم قيادات من الحزب الجمهوري بينهم ريك بيري وميت رومني، الطامحان إلى الترشح للرئاسة – أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه خطر احتمالية حدوث تضخم من جديد.

ولكن لم يوقف ذلك بوسن عن الترويج لرأيه. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، تناول بوسن وجبة الغداء مع كيوهيكو نيشيمورا، نائب محافظ بنك اليابان، وتشارلس إيفانز، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل شيكاغو. ويوم الثلاثاء الماضي، سافر إلى هذه القرية الصغيرة في جنوب شرقي إنجلترا ليطلق الصيحة الأكثر عاطفية حتى الآن. وقال بوسن داخل غرفة تعج بقيادات شركات صغيرة ومصرفيين: «أنا هنا لأحذر صناع السياسات داخل الولايات المتحدة وأوروبا وفي كل مكان من أننا لا يمكننا رفع أقدامنا عن الدواسة. يبدو المشهد كئيبا – والشيء الصحيح الذي يجب القيام به في الوقت الحالي هو تقديم المزيد من التحفيز النقدي».

وعلى الرغم من حبات العرق القليلة التي ظهرت على جبهته، دافع بوسن عن وجهة نظره برباطة جأش – وجمع بين تعليقات فيها نكران للذات مع تحليل واضح للمشاكل العديدة في الاقتصاد (النمو الراكد والزيادة في معدلات البطالة ومصارف لن تقدم قروضا) وأثنى مستمعوه على مقترحه الذي يدعو إلى أن يقوم بنك إنجلترا ووزارة الخزانة البريطانية بإنشاء مصرف مدعوم من الحكومة ليقدم قروضا للشركات الصغيرة. ولكن في يوم ارتفعت فيه معدلات التضخم إلى 4.5 في المائة، لتكون من بين أعلى المعدلات السنوية داخل أوروبا، لم تلق دعوته لاستخدام أسلحة نقدية ردة فعل متحمسة.

ويقول جون ثورستون، رئيس شركة «واتس» المحلية التي تقدم قطع غيار وخدمات لمركبات تجارية «أشعر بالقلق الشديد إزاء تداعيات تسهيل كمي». وقد شعرت شركة «واتس» بتأثير تراجع النشاط التجاري، ولكن الأثر التضخمي لشراء المزيد من السندات الحكومية يشعره بالقلق الشديد. ويقول «لا أعرف كيف ستتعامل مع ذلك».

ولا يعد ثورستون الوحيد الذي يشعر بالقلق. وفي لجنة السياسة النقدية المكونة من تسعة أفراد ببنك إنجلترا، كان بوسن الشخص الوحيد الذي صوت الشهر الماضي لاستئناف المصرف برنامج شراء السندات، وفقا لما أفاد به محضر الاجتماع. وبالإضافة إلى تردد الاحتياط الفيدرالي في بدء محاولة أخرى لشراء السندات، من غير المتوقع أيضا أن يستمر المصرف المركزي الأوروبي في برنامجه الحالي لشراء سندات الاقتصادات الضعيفة بمنطقة اليورو لفترة أطول. ويرى بوسن أن حكومات اليابان وأوروبا والولايات المتحدة قد تكرر الأخطاء السياسية التي تعود للثلاثينات من القرن الماضي عندما دعت الحكمة التقليدية إلى سياسة نقدية حازمة وتخفيضات في الميزانية، ولم يفض ذلك إلا إلى تفاقم حالة الركود.

ولم يقف جميع المصرفيين المركزيين مكتوفي الأيدي. فمن الواضح أن جهودهم ساعدت على منع الركود الحاد في 2008-2009 من أن يتحول إلى ما هو أسوأ، وقام الاحتياطي الفيدرالي والمصرف المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان بشراء كميات كبيرة من السندات الحكومية للمساعدة على تخفيض معدلات الفائدة. والآن مع اقتراب معدلات الفائدة إلى الصفر، ثمة رأي يقول إن القيام بالمزيد يطرح احتمالية حدوث تضخم والإضرار بمصداقية مصرفيين مركزيين.

ولكن بالنسبة إلى بوسن، فإن التعبير المبالغ فيه عن القلق إزاء التضخم في وقت تزداد فيه معدلات البطالة داخل دول متقدمة لا يقف عند كونه سلوكا خاطئا، بل يعد سلوكا غير مسؤول. وقال بوسن، متحدثا بشكل واسع عن مواقف المصارف المركزية «أشعر بالغضب الشديد – فنحن نستخدم هذه المبررات الجبانة من أجل التقاعس عن العمل». وأضاف قائلا «اقتراحي يدعو إلى أن يقوم بنك إنجلترا بشراء سندات قدرها 50 مليار جنيه استرليني مع أنه ربما يذكر مبررا جيدا للقيام بالمزيد»، في إشارة منه إلى السندات الحكومية البريطانية.

وعلى ضوء العالم السري داخل الصيرفة المركزية، يقدم بوسن تناقضا لافتا للنظر. يتسم بوسن بالفصاحة، كما أنه متحمس لإسعاد الآخرين وليس محصنا من بعض النميمة، وعليه منع نفسه من كشف تفاصيل عن الأعمال الداخلية بالمصرف تكون الأسواق حساسة لها. وقد استخدم بوسن عمله في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية داخل واشنطن للترويج لفكرته الأساسية المصبوغة بلمسة «كينزية» عن أن الحكومات والمصارف المركزية يجب أن تعطي دفعة لاقتصادات متعثرة عندما يبدو أن المصارف والقطاع الخاص لا يستطيع القيام بذلك.

وقد أكسبته مجموعة من الأوراق البحثية حول هذا الموضوع نوعا من الشهرة، وأشار خلال هذه الأوراق إلى تردد السياسات داخل اليابان. كما أظهر بوسن قدرة على التعاون مع اقتصاديين بارزين وصناع سياسات على كلا جانبي الأطلنطي. ويأتي بين أوائل الأنصار رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بن برنانكي، عندما كان في برنستون، ومارفين كينغ، قبل أن يصبح محافظا لبنك إنجلترا.

وفي عام 2009 انضم بوسن إلى بنك إنجلترا، وهناك حصل على فرصة لأن يطور آراءه من داخل المعبد نفسه. وعلى عكس الاحتياطي الفيدرالي والمصرف المركزي الأوروبي، يبقي بنك إنجلترا عدة أماكن في لجنة صنع السياسات لشخصيات من الخارج.

لدى بوسن مكتب في المقر الفخم للبنك المركزي في شارع تريدنيدل، وقد تراه هناك ثلاثة أيام في الأسبوع على الأكثر، ويوجد اقتصاديان مدربان يساعدانه في دراسته للأمور وإعداد الخطابات.

ويقول بوسن «وكأنك محافظ للاحتياطي الفيدرالي، وربما أفضل لأنك لا تنشغل بالعمل غير المهم». ولدى بوسن خبرة كبيرة في توضيح ألغاز السياسة النقدية بصورة يمكن فهمها. ويقول تشارلس غوودهارت، الخبير المختص بالمصارف المركزية في كلية لندن للاقتصادات والذي كان مشرفا على بوسن «لدى آدم ثقة كبيرة بأن معدلات التضخم ستنخفض، وقال إنه سيأكل قبعته إذا لم يحدث ذلك. وربما يكون على صواب – ولكن لا يشاركه الرأي الكثير من زملائه».

ومع أنه متوقع أن يصبح اقتصاديون مروجين لسياسات معينة، إلا أنه من غير المعتاد أن يقوم مسؤولون بمصرف مركزي بالتعبير عن ميولهم الفلسفية بهذه الطريقة المتحمسة التي عبر بها بوسن. ويقول هانز-هلموت كوتز، عضو مجلس الإدارة السابق بالبوندسبنك الألماني «يظهر آدم بازغا وسط ثقافة تشتهر بالتفكير الجماعي». ويعترف بوسن بحديث صاخب حتى وقت متأخر من الليل على صفحة «فيس بوك» في وقت سابق من العام الحالي عندما كان بحثه – الذي يقول إنه يتعين اتخاذ إجراء استثنائي لمنع بريطانيا من الانزلاق إلى ركود ثان – يقابل بعدم قبول من زملائه في لجنة السياسة النقدية داخل المصرف.

ويقول بوسن «كان ذلك مؤلما. وأعني أني كنت أقوم بذلك على مدار 25 عاما وهنا كانت احتمالية لأن أكون مخطئا في الأساس. كنت أرقد مستيقظا ليلا – ولتسأل زوجتي».

وفي الوقت الحالي تتزايد علامات الضعف العالمي، ليس واضحا ما إذا كان بوسن سيفوز في نهاية المطاف.

وفي الواقع، يقول الكثير من الاقتصاديين إنه على ضوء أعباء الدين الكبير داخل أوروبا والولايات المتحدة وعلى ضوء نقص رأس المال داخل المصارف وترددها في الإقراض وعلى ضوء ركود ما زالت تعاني منه أسواق الإسكان الأميركية والبريطانية، نجد مصارف مركزية عاجزة بدرجة كبيرة عن استعادة النمو وحدها.

ويقول كازو أويدا، الاقتصادي داخل طوكيو والذي خدم في مجلس السياسة النقدية ببنك اليابان بينما كان يسعى لإحياء الاقتصاد الياباني ولم ينجح في ذلك «موقفي أنه بمجرد أن تصل معدلات الفائدة إلى الصفر، لا يوجد الكثير أمام المصرف المركزي ليقوم به لتحفيز الاقتصاد».

وفي ورقته البحثية الأخيرة التي جاءت تحت عنوان «فاعلية الإجراءات السياسية النقدية غير التقليدية: حالة بنك اليابان»، يشير أويدا إلى أنه في اليابان كانت نقاط الضعف الاقتصادية الهيكلية والتضخم مؤثرة للغاية حتى بالنسبة إلى التدخلات السياسية النقدية المبتكرة.

ويقول اقتصاديون يشاطرونه الرأي إن ما يحدث في أوروبا يعزز وجهة النظر هذه. ويقولون إن التسهيل النقدي الراديكالي ليس بديلا عن تغييرات هيكلية موجعة، ولكنها ضرورية، مثل تخفيض الأجور والنفقات الحكومة وإعادة رسملة مصارف على وشك انهيار. وعلى كل، فإنه مبرر لعدم إدخال هذه الإصلاحات حيز التطبيق. ولكن بالنسبة إلى بوسن فإن هذه الترتيبات مبرر ضعيف للتقاعس عن العمل.

ويقول «سيقول النمساويون إن عليك المعاناة خلال ذلك»، في إشارة إلى مذهب عدم التدخل الاقتصادي الذي روج له فريدريش فون هايك وودفيغ ميزس. «ولكن المعاناة ليست شيئا جيدا بالنسبة إلى الروح – السياسة النقدية لن تحل كل مشاكلك، ولكنها قد تجعل الأشياء أكثر سهولة».

* خدمة «نيويورك تايمز»