تواصل المخاوف الاقتصادية العالمية رغم وعود مجموعة الـ 20 بعمل «قوي»

الأسهم العالمية تسجل أدنى مستوى في 14 شهرا

امرأة تتابع تحركات الأسهم في بورصة أثينا (أ.ب)
TT

سجلت الأسهم العالمية أدنى مستوى في 14 شهرا أمس إذ إن المخاوف من التداعيات المحتملة على القطاع المصرفي في حال تخلف اليونان عن سداد ديونها طغت على آمال في إجراءات ملموسة من جانب وزراء مالية مجموعة العشرين.

وتراجع مؤشر «إم إس سي آي» لأسهم كل دول العالم إلى 274.72 وهو أدنى مستوى منذ يوليو (تموز) 2010.

وقد واجه التعهد الذي قطعته دول مجموعة العشرين «بتقديم رد قوي» على أزمة الديون، صعوبة في إقناع الأسواق المالية الأوروبية التي تدهورت مرة أخرى الجمعة أمام الآفاق الغامضة للاقتصاد العالمي.

وتعهد وزراء مالية وحكام البنوك المركزية في أبرز الدول الغنية والناشئة في مجموعة العشرين المجتمعين منذ الخميس في واشنطن، بـ«تقديم رد دولي قوي ومنسق» على الأزمة.

ووعد كبار مسؤولي المالية في العالم بالعمل بما يؤدي إلى «امتلاك المصارف رأسمالا مناسبا» بعد تدهور القيم المصرفية الأوروبية في الأيام الأخيرة بسبب المخاوف المرتبطة بأزمة الديون في منطقة اليورو. وتعهدت المصارف المركزية التي تكثف من تدخلها لتفادي تراجع التسليف، بمواصلة «دعم النهوض». ووعدت مجموعة العشرين في إطار قمة كان (جنوب شرقي فرنسا) في الثالث والرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، بوضع «خطة عمل جماعية طموحة».

لكن المستثمرين الذين كانوا يتوقعون إجراءات ملموسة وفورية، بقوا مع ذلك متشائمين.

وعلق المحللون في شركة «أوريل بي جي سي» بالقول: «لا شيء جديد إذن. فالقرارات الحقيقية أرجئت إلى قمة رؤساء الدول والحكومات التي ستعقد في كان».

ووافق مانوج لادوا المحلل لدى «اي تي اكس كابيتال» على ذلك وأضاف أن «وزراء المالية في مجموعة العشرين فوتوا فرصة ذهبية لطمأنة الأسواق».

وبالفعل، فإن التراجع كان يمكن أن يكون لفترة قصيرة في الأسواق.

وقام وزير المالية الفرنسي فرانسوا باروان بجولة على المصارف الكبرى والصناديق المالية الأميركية في نيويورك التي ازدادت تحفظا لجهة إقراض المصارف في منطقة اليورو، لطمأنتها حيال ملاءة هذه الأخيرة.

وبحسب دراسة لمؤسسة «فيتش»، فإن الصناديق النقدية الأميركية قلصت منذ مايو (أيار) بنسبة 34 في المائة قروضها للمصارف الفرنسية.

وأعرب رئيس مجلس إدارة «إيرباص» توماس اندرز عن «قلقه لجهة أن يصبح الحصول على التسليف مجددا أمرا نادرا» لزبائنه ولا سيما «التمويلات الطويلة الأمد الصادرة بالدولار من قبل بعض المصارف الأوروبية».

وأبدت الشركة الأوروبية لتصنيع الطائرات استعدادها لمساعدة زبائنها كما فعلت في 2008 - 2009 إذا ما تعرضوا لصعوبات في تمويل مشترياتهم من الطائرات.

وعلى الرغم من الإرادة التي أعلنتها مجموعة العشرين، يبقى الوضع «مثيرا جدا جدا للقلق»، كما حذر جان بيار جويه رئيس هيئة الأسواق المالية التي تسهر على ضبط البورصة الفرنسية.

وقال: «يتعين أن نتخذ إجراءات عاجلة على المستوى الدولي»، معربا عن الأمل في أن «الأوروبيين والأميركيين وصندوق النقد الدولي سيصلون على الأقل إلى الخروج بتشخيص مشترك».

لكن الهيئة المصرفية الأوروبية التي أشرفت على اختبارات المقاومة لتسعين مصرفا في الاتحاد الأوروبي، أعلنت أنها لا ترى من الضرورة «في هذه المرحلة» تعديل الجدول الزمني لإعادة رسملة المصارف. وذلك على الرغم من الدعوات إلى تسريع العملية، وخصوصا من صندوق النقد الدولي.

كما أن فرضية تخلف اليونان عن السداد والتي ستؤدي إلى خسارة المصارف الأوروبية مبالغ كبيرة، لا تزال قائمة.

وبحسب الصحافة اليونانية، لم يستبعد وزير المالية اليوناني ايفانغيلوس فينيزيلوس الخميس أمام النواب أن تلغى نسبة 50 في المائة من قيمة الديون اليونانية، وهي فرضية نفاها الجمعة بشدة.

وفي هذه الأثناء، خفضت وكالة التصنيف الائتماني موديز درجتين نسبة ملاءة البنوك اليونانية الرئيسية التي قد تواجه ازدياد قيمة التسليفات غير المسددة في إطار الانكماش والبطالة.

وشهدت العاصمة اليونانية أمس يوما جديدا من الإضرابات في قطاع النقل للاحتجاج على إجراءات تقشف جديدة.

وإلى المخاوف من تداعيات احتمال إفلاس اليونان، أضيفت المخاوف من انتقال عدوى أزمة الديون إلى الاقتصاد الفعلي.

وأعادت منظمة التجارة العالمية أمس النظر في توقعاتها لنمو التجارة لعام 2011 فرأت أنها على انخفاض، منتظرة أيضا تحسنا في المبادلات العالمية بواقع 5.8 في المائة مقابل 6.5 في المائة كانت متوقعة حتى الآن.

وفي فرنسا توالت المؤشرات السلبية للنمو مما يدعو إلى الخشية من تباطؤ كبير في الاقتصاد مع نشر مؤشرين يدلان على تدهور كبير في معنويات الأسر والصناعيين.

وهو نبأ سيئ أيضا بالنسبة إلى سلوفينيا حيث لم تتشكل حكومة منذ الثلاثاء: فقد خفضت موديز علامة هذه الدولة في منطقة اليورو درجة واحدة، متحدثة عن «الخطر المتنامي» الذي سيبرز لدعم نظامها المصرفي.

وطالبت وكالة التصنيف بمعالجة أكثر قسوة أيضا على مادير بخفضها علامة الديون درجتين. وانتقدت موديز «حوكمة سيئة» بعد الكشف عن ديون غير معلنة بقيمة 1.6 مليار يورو والتي قد تعقد الأهداف المالية في البرتغال.

واليورو الذي سجل الخميس أدنى سعر صرف له منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بلغ 1.3459 دولار.

من جهة أخرى قالت وزارة المالية الصينية أمس إنه ينبغي للدول المتقدمة الكبرى أن تحافظ على الاستقرار المالي وأن تعالج بطريقة مناسبة مشاكل دينها السيادي.

وفي بيان صدر بعد اجتماع وزراء مالية دول مجموعة بريكس - التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا - قالت الوزارة إنه ينبغي لهذه الدول أيضا أن تتخذ إجراءات مرنة وفعالة لكبح التضخم وتدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود.

وقالت الوزارة في البيان الذي نشر في موقعها على الإنترنت: «ينبغي لنا أن نحث الدول المتقدمة الكبرى على الحفاظ على الاستقرار المالي وأن تحافظ على قوة الدفع للانتعاش الاقتصادي لإقامة توازن بين تحقيق النمو الاقتصادي في الأجل القصير وإجراء تعديلات للنظام المالي في الأجل المتوسط إلى الطويل».

وأضافت قائلة: «ينبغي للدول المتقدمة الكبرى أيضا أن تعالج بشكل مناسب مشكلة الدين السيادي وأن تقلل الآثار الجانبية السلبية الناتجة عن سياساتها وأن تتيح المزيد من الموارد المالية العالمية للدول النامية».

وحث البيان أيضا دول بريكس على تنسيق سياساتها المالية وجدد بيانا أصدرته المجموعة أمس الخميس قال إن دول بريكس على استعداد لإقراض أموال إلى صندوق النقد الدولي أو مؤسسات مالية عالمية أخرى لزيادة قدراتهم على مكافحة الأزمات المالية.

أعربت كبرى الاقتصادات الصاعدة في العالم الليلة الماضية في واشنطن عن استعدادها للمساهمة في تقديم مساعدة عبر مؤسسات الإقراض الدولية للتصدي «للتحديات الحالية» للاقتصاد العالمي التي من المرجح أن تشمل الحكومات المثقلة بالديون في منطقة اليورو.

اجتمع وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية لدول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا التي يطلق عليها «تجمع بريكس» في واشنطن عشية الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين.

وقالوا في بيان مشترك إن «دول بريكس مستعدة، عند الضرورة، بحث تقديم مساعدة عبر صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية من أجل التصدي للتحديات الحالية للاستقرار المالي العالمي وفقا لظروف كل دولة منفردة».

ومنذ العام الماضي، شارك صندوق النقد الذي يتولى عمليات الإقراض وقت الأزمات في حزم إنقاذ لحكومات دول مثقلة جدا بالديون في منطقة اليورو في اليونان وأيرلندا والبرتغال.

وفي مؤتمر صحافي، لم يكن ممثلو تجمع بريكس مستعدين للتعليق على إجراءات دعم ممكنة أخرى مثل شراء سندات تصدرها الحكومات المتعثرة. وحققت الدول الخمس، التي تشكل كل منها دولة بارزة في منطقتها، قوة اقتصادية ليس فقط بسبب حجمها وإنما أيضا لمعدلات النمو التي سجلتها منذ الأزمة المالية عام 2008.

وعدل صندوق النقد توقعات النمو لعام 2011 هذا الأسبوع بتوقعه تسجيل جنوب أفريقيا معدل نمو يبلغ 3.4 في المائة والبرازيل 3.8 في المائة وروسيا 4.3 في المائة والهند 7.8 في المائة والصين 9.5 في المائة.

وبالمقارنة، خفض الصندوق توقعاته للنمو لعام 2011 للولايات المتحدة من 2.5 في المائة إلى 1.5 في المائة مع توقف الانتعاش في أكبر اقتصاد في العالم. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 1.6 في المائة هذا العام و1.1 في المائة العام المقبل.

أشار مسؤولو تجمع بريكس إلى أن مساهمات اقتصاداتهم «واقتصادات السوق الصاعدة الأخرى في النمو العالمي ترتفع وتتزايد بشكل أكبر».

قال محافظ البنك المركزي الهندي دوفوري سوباراو إنه بالنسبة لديمقراطيات مثل الهند، ستكون هناك ضغوط بين تقديم مزيد من الدعم المالي لصندوق النقد الذي ربما حينئذ يقوم بإقراض الاقتصادات المتعثرة بما فيها الدول الأكثر ثراء في أوروبا وحاجة تلك الحكومة في إنفاق مصادرها على الطموح المحلي بما فيه تخفيف معدلات الفقر.

وقال بيان التجمع إن «المشكلة الحالية التي في أيدينا هي إعادة النمو لمساره في الدول المتقدمة»، مرحبا بالخطوات الأخيرة لكبح العجز الاتحادي الأميركي وقرار منطقة اليورو بجعل صندوق الإنقاذ الخاص بها أكثر مرونة.

وقال إن «من المهم بالنسبة للاقتصادات المتقدمة اعتماد سياسات مسؤولة في القطاع المالي وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، وتجنب خلق سيولة مفرطة على مستوى العالم والشروع في إصلاحات هيكلية لزيادة النمو وخلق وظائف وتقليل الاختلالات».

وأعربت الدول عن شكواها من أن «السيولة المفرطة» من جانب بنوك مركزية في الاقتصادات المتقدمة بهدف تحفيز النمو، كاقتراب سعر الفائدة القياسي لمجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي قرب الصفر منذ عام 2008، قد أدت إلى «انتشارها إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة وبالتالي زيادة التقلبات بشكل مبالغ في التدفقات الرأسمالية وأسعار السلع».

ويدعو صندوق النقد الدولي الدول المصدرة ذات الفوائض التجارية الضخمة خصوصا الصين أن «تعيد التوازن» باتجاه الطلب المحلي. كما حذر خبراء الاقتصاد في الصندوق من التضخم في الأسواق الصاعدة سريعة النمو.

وجاء في بيان بريكس أن «الوضع الحالي يتطلب إجراءات حاسمة. ونتخذ خطوات ضرورية لتأمين تحقيق نمو اقتصادي والحفاظ على الاستقرار المالي واحتواء التضخم»، مضيفا «نحن عازمون أيضا على تسريع الإصلاح الهيكلي لمواصلة تحقيق نمو قوي إذ سيعزز التنمية وخفض الفقر في الداخل ويفيد النمو العالمي وإعادة التوازن».

من جانب آخر وجه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين انتقادات حادة أمس إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تطالب ألمانيا وفرنسا بتقديم مساعدة اقتصادية قائلا إنها تتاجر بسيادتها الوطنية للحصول على مساعدات.

أدلى بوتين بتصريحاته التي نقلتها وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية عندما كان يتحدث في موسكو خلال مؤتمر لحزب روسيا المتحدة أكبر الأحزاب في البلاد، ويعد بوتين عضوا بارزا في الحزب.

وقال إنه «يمكن أن تنزل للشوارع وتنظم احتجاجات وتشتبك مع الشرطة لكن إذا لم يكن لدى الحكومة أموال، فإنه لا يمكن أن تقف مكتوف الأيدي».

وقال إن روسيا «تقدر سيادتها الوطنية للغاية» عن أن تطلب مساعدة من دول أخرى، بينما «بعض الدول الأوروبية الأصغر تقوم بذلك لأنها تأمل في الحصول على مساعدة من فرنسا وألمانيا».