أوروبا تكثف الجهود وسط تزايد القلق من أزمة اليورو

خيارات كثيرة مطروحة للنقاش

TT

تحت ضغط متزايد من جانب المستثمرين الدوليين وكبار قادة العالم والمسؤولين الحكوميين الأوروبيين، أوضح مسؤولون حكوميون أوروبيون أنهم يعملون من أجل تكثيف جهود مواجهة مشكلات الدين المتفاقمة في أوروبا. وجاء هذا التصريح عقب أسابيع من معارضة شعبية ومحاولات لعرقلة هذه الجهود بسبب فشل خطة كان قد تم الإعلان عنها في يوليو (تموز)، في تخفيف حدة تأثير الأزمة على الأسواق المالية.

وقد تسببت مخاوف عجز اليونان عن سداد ديونها المتزايدة، إلى جانب احتمال أن تلحق بها دول أوروبية أخرى، في حالة من الهبوط المتكرر في الأسواق العالمية في الأسابيع الأخيرة. وقد ازداد أيضا قلق المستثمرين من أن تؤثر الشكوك نفسها على النشاط الاقتصادي حول العالم وتؤدي إلى تباطؤ النمو. وأشار أولي رين، مفوض الشؤون النقدية بالاتحاد الأوروبي، يوم السبت إلى أنه كانت «رغبة سياسية متزايدة» بين القادة الأوروبيين في بذل مساع جديدة من أجل تهدئة المستثمرين. وأشار إلى أنهم كانوا يناقشون خطة لمضاعفة التأثير المالي لصندوق إنقاذ حالي أنشئ لجمع مبلغ قيمته 440 مليار يورو (600 مليار دولار) في صورة قروض للدول والبنوك المتعثرة، بحيث يمكن للصندوق أن يضمن منح قروض تصل قيمتها إلى بضعة تريليونات من اليوروات.

وهنا استمر المسؤولون الفرنسيون والألمان في التأكيد على الملأ على أنهم يركزون على خطة يوليو (تموز)، ولكن في اجتماعاتهم الخاصة نهاية هذا الأسبوع، أوضحوا أنهم يدركون الآن مدى حاجتهم لمقترح جديد، بحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى وصف تفاصيل المحادثات الخاصة، مشترطا عدم الكشف عن هويته. ويأتي التحول في الاستراتيجية الأوروبية بعد عدة أيام من الضغط المكثف من قبل قادة العالم المجتمعين هنا لحضور الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وواحدا تلو الآخر، حذروا على المستويين العام والخاص من أن المشكلات التي تعصف بأوروبا تعيق تقدم دولها أيضا.

«نحن في موقف خطير»، هكذا تحدث وزير مالية سنغافورة، ثارمان شانموغاراتنام، رئيس لجنة إدارة الصندوق، وأضاف: «وأحد الأسباب التي آلت بنا لهذا الموقف مشكلة انعدام الثقة، وعلى وجه الخصوص انعدام الثقة في مصداقية الإجراءات السياسية الهادفة لمواجهة الأزمة».

وقد زادت الولايات المتحدة أيضا من حدة لهجتها: «خطر العجز عن السداد المتفاقم والتهافت على سحب الودائع من البنوك والمخاطر الكارثية الكثيرة للأزمة كلها أمور يجب الابتعاد عن التركيز عليها، وإلا فستعرقل كل الجهود الأخرى المبذولة، سواء داخل أوروبا أو على مستوى العالم»، هذا ما قاله وزير الخزانة الأميركي تيموثي إف غايتنر في كلمة ألقاها يوم السبت. وأضاف: «القرارات المتعلقة بكيفية مواجهة المشكلات في المنطقة بشكل حاسم لا يمكن تأجيلها إلى أن تزداد حدة الأزمة».

وقد استمرت إدارة أوباما في الضغط على القادة الأوروبيين، خاصة الألمان، من أجل اتخاذ إجراءات أكثر فعالية خشية من احتمال أن يؤدي التدهور المستمر لاقتصاد القارة وعدم الاستقرار في الأسواق العالمية إلى الإضرار بالاقتصاد الأميركي الهش في الأساس، وبمطامح الرئيس أوباما في الترشح لفترة رئاسية أخرى.

ربما يكون أكثر الخيارات وضوحا هو زيادة حجم صندوق الإنقاذ، الذي أنشئ في عام 2010 من قبل الدول الـ17 التي تستخدم عملة اليورو. ويجمع المحللون المستقلون بشكل عام على أن الصندوق ليس بدرجة الضخامة الكافية لمواجهة متطلبات الاقتراض لجميع الدول التي تعاني من مشكلات، ومن بينها اليونان وإيطاليا وآيرلندا والبرتغال وإسبانيا. لكن المعارضة السياسية لحزم الإنقاذ وقيود التمويل التي تفرضها بعض الدول الأوروبية تجعلان مثل هذه الزيادة غير محتملة، ونتيجة لذلك، يركز المسؤولون على طرق لرفع قيمة اليورو.

أحد الخيارات محل الدراسة، التي اقترحها مسؤولون أميركيون، هو التعامل مع الصندوق كبرنامج تأمين. وسيقوم البنك المركزي الأوروبي، الذي يتمتع بقدرة غير محدودة على جمع أموال، بإقراض الأموال للمستثمرين من أجل شراء دين الدول المتعثرة. ومن المنتظر أن يوافق صندوق الإنقاذ على تحمل أي خسائر لكن، كأي برنامج تأمين، سيكون رأسماله كافيا لضمان قروض ذات قيمة إجمالية تزيد بأضعاف عن تلك القروض الممنوحة من قبل أي مصدر تمويل آخر.

ويواجه هذا الأسلوب أيضا بعض العقبات. فسيكون البنك المركزي الأوروبي، الذي يعتبر أكثر تحفظا بدرجة كبيرة من مصرف الاحتياط الفيدرالي في الولايات المتحدة، بحاجة لقبول القيام بدور جديد كمقرض مباشر للمستثمرين. وسيتعين على الحكومات تبني فكرة منح إعانات حكومية لهؤلاء المستثمرين. ولا ينظر للجهد الوحيد السابق، والممثل في برنامج أميركي حمل اسم «تسهيلات القروض المدعومة بسندات أرصدة» Term Asset - Backed Securities Loan Facility))، الذي طرح خلال الأزمة المالية عام 2008، باعتباره كلل بنجاح حقيقي ملموس. وتجري مناقشات مكثفة بين مسؤولين أوروبيين، مما يعكس خطورة الموقف، لكنها ما زالت في مرحلة مبكرة. وقال رين إن تركيز الدول في البداية كان منصبا على التصديق على خطة يوليو، التي تمنح الصندوق قدرا أكبر من المرونة، على سبيل المثال، لمنح قروض وقائية للدول التي لم تواجه أزمة ديون بعد. ويجب أن تصدق الهيئات التشريعية في كل دولة على هذه المقترحات الجديدة، وحتى الآن، لم تصدق عليها سوى الهيئات التشريعية لست دول من بين الدول الـ17، لكن رين ومسؤولين آخرين أعربوا عن ثقتهم في انتهاء هذه العملية بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول).

وقد وعد مسؤولون أوروبيون بالكشف عن «خطة عمل جماعية جريئة» مع اقتصاديات أخرى بارزة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، في الموعد المقرر لعقد قادة مجموعة العشرين للاقتصاديات الكبرى اجتماعا في فرنسا.

لكن إذا استمرت الأسواق المالية في الهبوط هذا الأسبوع، فمن المؤكد أنه سيكون هناك ضغط من أجل اتخاذ إجراء أسرع. وتبدو بقية أنحاء العالم كما لو أن صبرها قد نفد.

وصرحت لجنة إدارة الصندوق، التي تمثل الدول الأعضاء البالغ عددها 187 دولة، يوم السبت بأنها ملتزمة بإعادة «الثقة والاستقرار المالي» وتنشيط النمو مجددا.

لكنها لم تعلن عن أي إجراءات جديدة، الأمر الذي يعكس جزئيا اعتقادا شائعا على واسع النطاق، مفاده بأن أوروبا هي سبب الأزمة الراهنة وأنها المسؤولة عن علاجها.

* خدمة «نيويورك تايمز»