مصرفيون: دخول العرب لشراء «أذون الخزانة» المصرية يتطلب تعديل نظام الطرح

قالوا إن هذا الإجراء سيدفع البنوك إلى تمويل القطاع الخاص

المستثمرون في البورصة المصرية يترقبون قرار شراء الاذونات («الشرق الأوسط»)
TT

تتطلب رغبة الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة المالية، في بيع أذون خزانة إلى عدد من الدول العربية لمساعدتها على تقليص الفوائد المرتفعة على تلك الأذون والتي قفزت لأعلى مستوياتها منذ 2008، إدخال بعض التغييرات الجوهرية على القانون المنظم لتلك العملية التي تعول عليها الحكومة المصرية كبديل للاقتراض من البنك والصندوق الدوليين.

فحسب مديرين داخل البنوك الرئيسية التي لها الحق في المشاركة في طروحات الحكومة من «أذون الخزانة» البالغة 15 بنكا، فإن إقدام الحكومة على إشراك الدول العربية ومؤسساتها للاستثمار في أذون الخزانة لا بد أن يكون من خلال تغيير نظام طرح العطاء، فالنظام المعمول به لا يسمح للتعامل بشكل رئيسي على هذه الأدوات إلا لـ15 بنكا، وهذه البنوك هي التي تحدد سعر الفائدة في مزادات الأذون، والقانون لا يسمح لغيرها بذلك.

وأضاف مدير بإدارة الاستثمار بأحد البنوك الكبرى أن دخول الدول العربية للاستثمار في هذه الأدوات بشكل رئيسي، يتطلب تغييرا شاملا لنظام التعاملات، ومن دون ذلك، فالمتاح لهم هو الاستثمار في السوق الثانوية، وفى ذلك السوق لا يستطيعون التدخل في تحديد الفائدة.

وأشار إلى أن دخول الدول العربية سوف يجبر البنوك على تقليل نسبة أموالها المستثمرة في أدوات دين الحكومة؛ حيث تفضل البنوك حاليا أدوات الدين الحكومية، نظرا لارتفاع مخاطر ضخ التمويلات والائتمان للمشروعات، وهذه الأدوات تعتبر فرصة لتدعم البنوك أعمالها في ظل تقلص الفرص الموجودة، لذا، فستكون هناك حسابات كثيرة للبنوك والحكومة على السواء إذا تم تنفيذ ما قاله وزير المالية الأسبوع الماضي.

يذكر أن معدل توظيف الأموال المصرية بالبنوك «الودائع إلى الاقتراض» لا يزيد على 52%، مما يجعل الجزء الأكبر من الأموال البنكية تستثمر في إقراض الحكومة من خلال شراء «أذون وسندات» التي تصدرها على مدار العام نظرا لعامل الأمان والسداد وعدم مخاطرة الاقتراض المباشرة، الذي انكمش في مطلع العام الحالي، وأصبح عدد العمليات التي تتم به تعد على أصابع اليد، مقتصرا على إقراض الهيئات الحكومية فقط (البترول والكهرباء).

كان وزير المالية الدكتور حازم الببلاوي قد قال قبل أيام أثناء حضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، إن الحكومات العربية أو أذرعها الاستثمارية قد تشتري أذون الخزانة المصرية لمساعدة الحكومة، ونقل موقع «بلومبيرغ» الإخباري عن الببلاوي في مقابلة معه في واشنطن قوله: «إن مصر تجري محادثات مع السعودية والإمارات العربية المتحدة لشراء الأدوات المالية من أذون خزانة وصكوك وسندات» وأضاف: «هذا الأمر قد يتحقق في أي وقت، ولكننا لم ننته بعد من الاتفاق، كما أننا نشعر فعليا بالقلق من ارتفاع أسعار الفائدة».

في السياق ذاته، قال مسؤول بوزارة المالية المصرية إن ما تقوم به الحكومة المصرية من حفز المستثمرين العرب على الدخول في الاستثمار في أذون الخزانة وأدوات الدين العام المحلي هو لتنويع القائمين على السوقين الأولية والثانوية لتداول السندات وأذون الخزانة فضلا عن تسويق تلك الأدوات بعيدا عن سيطرة البنوك المحلية ورفعها سعر الفائدة بشكل كبير على أدوات الدين المحلي.

وأشار المصدر إلى أن نسبة وجود العرب والأجانب في التداول على السندات والأذون المحلية وتمويل احتياجات الحكومة تمثل 4% من إجمالي المتعاملين الرئيسيين في تلك الأدوات، فضلا عن نسب أخرى من الأفراد في السوق الثانوية التي لا يمكن تحديدها لتغيرها، إلا أنه نظرا لظروف الثورة وارتفاع نسبة المخاطر داخل السوق، أحجمت تلك الشريحة عن الاستثمار في أدوات الدين الحكومية. وأضاف أن ذلك الإجراء قد يجعل البنوك تعيد النظر في التمويل المباشر للمشروعات في القطاع الخاص، ويجبرها على البحث عن فرص تمويلية من خلال أقسام الائتمان بها، المصابة يديها بالارتعاش في اتخاذ أية قرارات ائتمانية على مدار الأشهر الماضية.

وبلغت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية نحو 24.2 مليار جنيه في مايو (أيار) الماضي بعد أن قاربت 60 مليار جنيه نهاية العام الماضي 2010، ويستهدف القرار الحكومي تعويض تلك الاستثمارات التي خرجت من قبل المستثمرين الأجانب الذين يخشون الاستثمار في الوقت الحالي نظرا للظروف السياسية والأمنية التي تمر به مصر بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني)».

ويحذر خبراء مصرفيون؛ منهم أحمد آدم، من التوسع في زيادة شراء الأجانب في أذون الخزانة المصرية، لعدة أساب؛ منها أن زيادة نسبة استثمارات الأجانب بالدين المحلى يحوله إلى دين خارجي بماله من تأثيرات على القرارات السيادية لمصر.

سبق أن انسحب الأجانب من الاستثمار في أذون الخزانة بعد إشاعة إخضاع عائدها للضريبة أوائل عام 2009 ثم تحولت الإشاعة إلى حقيقة في ما بعد، وبدأت استثمارات الأجانب تنخفض من 32.2 مليار جنيه في نهاية 2008 إلى 2.4 مليار جنيه فقط في أغسطس (آب) 2009، ثم عادت للزيادة وبغرابة في العام الماضي (عام الانتخابات لمجلسي الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية) لتصل إلى أقصاها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وتبلغ 62.8 مليار جنيه أي ما يوازى 11.0 مليار دولار طبقا لسعر الصرف آنذاك.

من جانبه، يقول محمد النادي مدير الاستثمارات بأحد البنوك الكبرى في مصر، إن فتح الشراء أمام الدول العربية، حل مأزقا تعاني منه مصر حاليا المتمثل في السيولة، بسب تصفية الأجانب لجزء كبير من محافظهم الاستثمارية في مصر، بعد التقييمات السلبية التي أعلنت عنها مؤسسات التقييم للاقتصاد المصري على مدار الأشهر الماضية.

فحسب النادي، هناك ارتفاع في تكاليف مخاطرة تعثر الديون الحكومية إلى أعلى معدلاتها منذ أكثر من عامين منذ مارس (آذار) 2009 مدفوعة باحتدام الخلاف السياسي والتشريعات القانونية، مشيرا إلى أن الحكومة الانتقالية لم تقدم رؤية اقتصادية واضحة تقلل من حالة الخوف التي تراود المستثمر الأجنبي الراغب في الاستثمار بمصر سواء المباشر أو غير المباشر، وجعلته يبحث عن فرص استثمارية في أماكن أخرى.