الأسواق الناشئة تحقق أرباحا لبنوك «وول ستريت» لكنها تضعها في مآزق أيضا

تعرضت لمخاطر وعقوبات وحرمت من العمل في بعض الدول

المقر الرئيسي لمصرف غولدمان ساكس اكبر المصارف النشطة في الاسواق العالمية («نيويورك تايمز»)
TT

يروق لبورصة «وول ستريت» التباهي بإنجازاتها عبر أنحاء العالم، في هذا الصدد يقول فيكرام إس بانديت، رئيس شركة «سيتي غروب»، بجرأة في عام 2009 «سنكون الشركة الوحيدة الأضخم في شركات الخدمات المالية في الأسواق الناشئة». وقال «لويد سي بلانكفين»، الرئيس التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس»، في مؤتمر عقد العام الماضي، إن أحد أكبر أهداف شركته هو «أن تكون لها أفرع في العديد من الأماكن». غير أن هناك حقيقة أساسية لتحقيق النجاح في تلك الأسواق المحفوفة بالمخاطر وهي أن الطريق لتحقيق الأرباح عادة ما يكون مليئا بالأخطاء والعراقيل. «العديد من البنوك الكبرى تتطلع لإنشاء أسواق، ولكن على نحو تاريخي تنطوي هذه الخطوة على قدر من التقلب»، هكذا قال جيمس سينيغال، محلل بنكي بشركة الأبحاث «مورنينغ ستار». وأضاف «ربما لن تكون هذه مهمة بسيطة مثلما يتوقعون». تتطلع بنوك مثل «سيتي غروب» و«غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» لاحتمالات تحقيق الأرباح خارج الولايات المتحدة، حيث تنمو اقتصاديات دول مثل الصين والهند والبرازيل بشكل أسرع من اقتصاد الولايات المتحدة. وتمثل تلك الدول أيضا قاعدة عملاء غير مستغلة، مع الاتساع الذي حدث في الطبقة المتوسطة خلال العقد الماضي ووجود عدد كبير من الأفراد الأثرياء. ومع تضاؤل الأرباح على المستوى المحلي في أميركا، بدأ اعتماد شركات «وول ستريت» يزداد بشكل كبير على الأسواق الناشئة من أجل زيادة هامش أرباحها. وتحقق شركة «سيتي كورب»، التي تدخل ضمن مجموعة «سيتي غروب»، نحو نصف عائداتها من دول ناشئة، صعودا عن نسبة 25 في المائة التي كانت تحققها في عام 2005. وتأتي نسبة 47 في المائة من أرباح «غولدمان ساكس» من أسواق دولية.

وأتى نحو ثلث صافي أرباح بنك «مورغان ستانلي» من خارج الأميركتين. يقول حميد بيغلاري، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «سيتي كورب» ورئيس قسم الأسواق الناشئة داخلها «مع تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي، ليس من المدهش بدء اتجاه المؤسسات للعمل داخل الأسواق الناشئة»، غير أن المخاطر ربما تكون عديدة، مع وجود تحديات اقتصادية وسياسية وتنظيمية. وقد قام المنظمون الأجانب بانتقاد البنوك الأميركية وتغريمها في بعض الأحيان مثلما حدث في آسيا، بل وحظر أنشطتها في العديد من الدول. ويذكر أن بنك «سيتي غروب» قد واجه مشكلات مرتين مع السلطات اليابانية. وبدورها، تقول بورصة «وول ستريت» إنها قد قضت على الفساد في مكاتبها بالخارج، وسيطرت بشكل أكبر على الشركات الأجنبية واستغلت أصحاب البنوك المحليين في إدارة مشروعات جديدة. وتعتبر المعرفة المحلية في الدول التي تنوي الاستثمار فيها مهمة على وجه الخصوص في هذا الصدد، حيث تحاول الشركات الأميركية جمع معلومات عن البيئة التنظيمية والسياسية التي تشكل أهمية لعمل أي بنك. وفي وقت سابق من هذا العام، وجدت مجموعة «سيتي غروب» نفسها في موقف حرج مع المنظمين الإندونيسيين. فبعد إجراء تحقيق في واقعة اختلاس مشتبه فيها أحد الموظفين ووفاة عميل عقب اجتماعات مع موظفي تحصيل ديون البنك الخارجية، فرض البنك المركزي في إندونيسيا عقوبات على مجموعة «سيتي غروب»، من بينها منعها لمدة عام من فتح أفرع جديدة.

وفي يونيو (حزيران)، استغنى البنك عن أكبر مديريه في إندونيسيا، مستبدلا آخر إندونيسي المولد به، هو تيغور إم سياهان، مصرفي خبير في التعامل مع المنظمين المحليين والمسؤولين الحكوميين. والآن، يدخل البنك تعديلات على إجراءاته الرقابية والتنظيمية الداخلية، من خلال إجراء عمليات تحصيل الديون داخليا وتغيير طاقم مكتب العمليات المساندة بصفة دورية. وذكر بنك «سيتي غروب» أنه كان يعمل أيضا عن كثب مع السلطات الإندونيسية. وقال بيغلاري «إن العمل بشكل مسؤول في هذا الأسواق يأتي بالممارسة». وأضاف «عليك اكتشاف كيفية العمل وفقا للمعايير الثقافية للدولة».

وقد أدركت الشركات المالية الأميركية أيضا أنها بحاجة للالتزام تجاه سوق معينة، لأن بناء علاقات محلية وفهم تقاليد الدولة التي يجري العمل داخلها ربما يستغرق أعواما، إن لم يكن عقودا. وفيما يشير بنك «غولدمان ساكس» على موقعه الإلكتروني إلى أنه قد كان له وجود في روسيا منذ عام 1998، فإن الشركة قد واجهت مشكلات داخل روسيا. فبعد فترة قصيرة من افتتاح فرع لبنك «غولدمان ساكس» في روسيا، قام الفرع بتقليص حجم عملياته مدفوعا بالمخاوف من الأزمة المالية التي دفعت الحكومة لخفض قيمة الروبل. وفي النهاية، اضطر البنك إلى إغلاق فرعه في موسكو وتحديد مهام جديدة لأفراد طاقم عمله هناك.

وقال كريستوفر بارتر، الرئيس التنفيذي المشارك لفرع «غولدمان» في روسيا، إنه لم يكن من اللازم أن يغلق البنك الاستثماري فرعه في روسيا». وأضاف «لقد أضعنا فرصة الاستفادة من بصمة مؤثرة تركناها هناك لسنوات. حينما تذهب إلى دولة يجب أن تحافظ على التزامك ووعدك الذي قطعته». واحتاج بنك «غولدمان» سنوات لإعادة افتتاح فرعه في روسيا من جديد. وأعاد «غولدمان» افتتاح فرعه في موسكو في عام 2001، لكنه لم يكثف نشاطه هناك حتى عام 2006، حينما حصل على ترخيص وساطة. واليوم، تملك الشركة 140 موظفا في روسيا، بعد أن كانوا 30 موظفا فقط منذ خمس سنوات. وقد وطدت شركة «غولدمان ساكس» المصرفية روابط أقوى داخل روسيا منذ أن عادت للعمل داخلها. وفي عام 2008، عقد بنك «غولدمان ساكس» اجتماعا لمجلس الإدارة في روسيا، في إشارة إلى إعادة ظهوره هناك. ويقوم مايكل شيروود، نائب رئيس مجلس إدارة «غولدمان ساكس»، بزيارة روسيا عدة مرات كل عام. وقد انضم بلانكفين، إلى جانب العديد من رؤساء مجالس الإدارات البارزين في «وول ستريت» مثل جيمي ديمون رئيس مجلس إدارة «جي بي مورغان تشيس»، إلى لجنة شكلتها الحكومة الروسية للمساعدة في جلب مزيد من الأموال الأجنبية للدولة. وقد أدركت الشركات أيضا أنها بحاجة لمزيد من الرقابة الإدارية على الاستثمارات الأجنبية.

وكان «مورغان ستانلي» واحدا من أول بنوك الاستثمار التي أقامت شركة مشتركة في الصين. وفي عام 1995، وقع اتفاق شراكة مع بنك التعمير الصيني لتأسيس بنك الاستثمار المشترك «تشاينا إنترناشيونال كابيتال كوربوريشن». لكن بنك «مورغان ستانلي» كان مستثمرا سلبيا، بامتلاكه ثلث الشركة فقط، وهو الحد المسموح به لشركات الأوراق المالية الأجنبية بموجب القوانين الصينية. كما تخلى عن الإدارة لشركائه. وفي عام 2010، باع «مورغان ستانلي» حصته في الشركة لمجموعة من شركات الأسهم الخاصة.

ومنذ ذلك الحين، أقام بنك «مورغان ستانلي» علاقة شراكة جديدة مع «هواشين سيكيوريتيز». وفيما لا يزال يملك حصة مقدارها الثلث في الشركة المشتركة التي تحمل اسم «مورغان ستانلي هواشين»، فإنه يملك مقاعد في مجلس إدارة الشركة ويلعب دورا في إجراءات الإدارة اليومية للشركة. ويشغل مدير إدارة في «مورغان ستانلي»، وهو يانغ كاي، منصب الرئيس التنفيذي للشركة.

وفي الوقت الذي نادرا ما يحقق فيه العمل بالخارج مكاسب مضمونة، تعتزم الشركات المالية خوض غمار مخاطر العمل بدول أجنبية. إنه أحد الخيارات المحدودة المتاحة للصناعة؛ حيث إن البنوك تواجه مشكلات النظم واللوائح الجديدة الصارمة والنمو الاقتصادي البطيء في أسواقها المحلية وتقلب السوق، وكلها عوامل تلقي بثقلها على إمكانية تحقيق أرباح. يقول مايكل جي دريسكول، أستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة أديلفي ومتداول كبير سابقا بشركة «بير ستيرنز» للمضاربات «هؤلاء الرفاق يعانون من ألم نفسي شديد والوضع يزداد سوءا كل يوم»، وأضاف «لا يسعك إلا أن ترهق نفسك بدرجة كبيرة إلى أن ينتهي بك الحال إلى البحث عن مصادر أخرى لتحقيق ربح».

* خدمة «نيويورك تايمز»