العملة الهندية تضيف بُعدا جديدا في سلة المشكلات التي تعاني منها الشركات وصناع السياسة الهنود

فقدت نحو 10% من قيمتها خلال الشهور الـ3 الماضية

TT

تثير التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وحتى الصين حالة من الإحباط بأن الاقتصاد العالمي قد يتجه نحو كارثة مالية واقتصادية أخرى.

إذا كانت الإحصاءات الاقتصادية الكئيبة من الولايات المتحدة ليست سيئة بما يكفي، فقد أضافت العملة الهندية الضعيفة بُعدا آخر في الشكوك الكبيرة لسلة المشكلات الكبيرة التي تعاني منها الشركات وصناع السياسة الهنود. فقد تراجعت العملة الهندية نحو 10 في المائة خلال الشهور الثلاثة الماضية، وهو ما قد يسبب خسائر فادحة بالنسبة للاقتصاد. انخفاض سعر الروبية يؤجج مشكلة التضخم في الهند، مما جعل السلع المستوردة الأجنبية، مثل النفط الخام، التي تعتمد عليها البلاد أكثر تكلفة، وتجاوز التضخم السنوي العشرة في المائة، وهي النسبة الأعلى في الاقتصادات العالمية الكبرى.

كان ذلك أكبر انخفاض ربع سنوي للروبية منذ انهيار بنك ليمان براذرز في سبتمبر (أيلول) 2008، الذي تسبب في وقوع الأزمة المالية العالمية.

يأتي الركود في وقت سيئ بالنسبة للهند، مقرونا بتباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة لارتفاع سعر الفائدة 10 في غضون 18 شهرا لكبح جماح التضخم، الذي يعتبر الأعلى نسبة بين الاقتصادات العالمية الكبرى 10.75 في المائة. وكان الاقتصاد الهندي قد خضع لمراجعة دقيقة اعتمادا على حقيقة أن سياساته النقدية لم تكن قادرة على السيطرة على التضخم، وأنه متخلف عن غيره من الاقتصادات الناشئة مثل الصين في هذا المجال. ويضيف تراجع الروبية مزيدا من الضغوط التضخمية التي كانت شوكة في خاصرة الحكومة الهندية لبعض الوقت، وهو ما قد يؤثر بشكل واضح على نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي شهد تراجعا طفيفا في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى أن الركود الاقتصادي العالمي يتسرب الآن في الاقتصاد الهندي.

كانت وزارة المالية الهندية قد توقعت ارتفاع نسبة النمو من 8.5 في المائة العام الماضي إلى 9 في المائة لهذا العام، بيد أن وزير المالية براناب موخرجي يقول إنه يتوقع أن ينمو الاقتصاد بنحو 8 في المائة، وهو ما يفوق توقعات خبراء الاقتصاد في القطاع الخاص الذين يرون التوسع في حدود 7 في المائة فقط.

من ناحية أخرى بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الداخل حتى الآن 5 مليارات دولار، أي أقل من ربع الـ22 مليار دولار لنفس الفترة من عام 2010.

وقد ألقت أسواق الأسهم المحلية الضعيفة - التي انخفضت أكثر من 20 في المائة حتى الآن في عام 2011 - بضغوط إضافية على الروبية باعتبارها أموالا خارجية تباع في سوق الأسهم الهندية.

وفي أغسطس (آب) أغرق الأجانب الأسواق بـ2.1 مليار دولار في صورة أسهم، وهو أكبر تدفق شهري منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2008.

ألقى انخفاض قيمة الروبية بآثاره على الشركات الهندية، التي اقترضت بالدولار، مستغلة ميزة انخفاض أسعار الفائدة بالخارج. وتكتشف فجأة أن قيمة قروضها بالروبية أعلى بكثير وأن الحد الأدنى لهامش أرباحها هذا العام من المنتظر أن يربو على ملياري دولار أميركي. وقد اتجهت الشركات للاستفادة من القروض الخارجية - معظمها بالدولار - في التخلص من التكاليف الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة وقيود السيولة في السوق المحلية في الأشهر الأخيرة، بيد أن انخفاض قيمة الروبية قد قضى على المزايا، بحسب قول الخبراء.

لقد انخفضت قيمة الروبية بنحو أكثر من 12 في المائة لتقترب من 50 لكل دولار، بعد أن كانت قيمتها تقترب من مستوى 44 في مقابل الدولار في بداية أغسطس.

وكانت الروبية أسوأ العملات أداء بين العملات الآسيوية الرئيسية بهبوط نسبته 5 في المائة في الأسبوع الماضي فقط، وقد زاد هذا الانخفاض الطين بلة بالنسبة للشركات التي اتجهت للاقتراض من الخارج.

لقد اقترضت شركات الهند، التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاديات العالم، نحو 21 مليار دولار بالعملات الأجنبية من خلال منفذ «الاقتراض التجاري الخارجي» في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) من هذا العام، مقابل مبلغ إجمالي قيمته 18 مليار دولار طوال عام 2010. وفي يوليو نفسه حصلت 100 شركة على قروض أجنبية تتجاوز قيمتها 4 مليارات دولار.

وقال المحللون إن عجز السيولة والارتفاع النسبي في أسعار الفائدة في السوق المحلية عاملان دفعا الشركات الهندية للحصول على قروض أرخص بالدولار لتمويل أنشطة عملها المحلية وواردتها وعمليات الاستحواذ الخارجية وإعادة تمويل القروض الحالية بالروبية. نتيجة لذلك قد يتعين على كثير من الشركات تسجيل الخسائر المقدرة بسعر السوق في سجلاتها لهذا العام، ما لم ينعكس الاتجاه النزولي للروبية، بحسب الخبراء، بينما أضافت أن المستوى الحالي لانخفاض قيمة الروبية يثبت القيمة المتوقعة لأرباحها عند أكثر من ملياري دولار.

وبسبب التقلب في أسعار الصرف، ليس من الواضح أي طريق ستسير فيه الروبية. يتوقع كيه غيرومرثي، محلل العملة بشركة «كشيتيجي كونسالتانسي»، أن يتراوح مستوى عملة الروبية ما بين 51 - 52 بنهاية هذا العام.

وما يزيد الأمور تعقيدا هو رفض بنك الاحتياطي الهندي التدخل لرفع قيمة الروبية. وعلى عكس الصين، العملاق الناشئ في السوق، تسمح الهند بتعويم عملتها بحرّية.

وقد تحدث نائب محافظ بنك الاحتياط الهندي، سوبير جوكارن، قائلا: «البنك لن يسعى لتأمين سعر صرف ثابت، وسيتدخل فقط لتحقيق سلاسة في السيولة. وإذا حدث أن تدخلنا بالأساس فسيكون ذلك في أضيق الحدود... في ما يمكن اعتباره حالة تقلب شديدة في السوق، لكن ليس على نحو يتجاوز ذلك».

زاد الناتج الصناعي للهند بنسبة 3.3 في المائة فقط في شهر يوليو، وهو ما يعتبر أبطأ زيادة خلال ما يقرب من عامين، حسبما أظهرت بيانات رسمية يوم الاثنين، مما يشير إلى تراجع أكبر في الاقتصاد الهندي، الذي يعتبر ثالث أكبر اقتصاديات العالم.

ومن شأن الرقم الذي يعد أقل من المتوقع - الأسوأ منذ أكتوبر 2009 - أن يوقع البنك المركزي في مأزق آخر، بينما يحاول التخفيف من حدة التضخم، في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي.

«ولم تكن استراتيجية بنك الاحتياط الهندي للتدخل فقط من أجل تحديد أي هبوط حاد في قيمة العملة غير واقعية بأية صورة، إذ إننا نشهد موقفا لدينا فيه مزيد من التزامات تبادل العملات الأجنبية التي يتعين علينا الوفاء بها»، كما يشير كبير الاقتصاديين ببنك إتش دي إف سي، أبهيك باروا. وبالطبع يعلم بنك الاحتياط الهندي أنه، بالنسبة للهند، يشير ضعف الدولار إلى حدوث زيادة أكبر في الواردات والإعانات المالية الحكومية وزيادة معدل التضخم، الذي تراقبه عن كثب.

وهناك جانب إيجابي ينطوي عليه انخفاض قيمة الروبية بالنسبة لصناعة البرمجيات المزدهرة، التي تحقق ثلثي نسبة مبيعاتها بالدولار الأميركي، والتي يجب أن تكون أرباحها أعلى، إذا ما تم تحويلها إلى روبية.

تبدو التوقعات أكثر إيجابية بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات وقطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات (انتعاش الصادرات يحقق مكاسب أكبر في حالة انخفاض قيمة الروبية). وبعد أن لحق الضرر بالمصدرين في أعقاب أزمة أكتوبر عام 2008، يشير ديورا رئيس اتحاد مؤسسات التصدير الهندية إلى أن «معظم المصدرين يقومون في الوقت الحالي بتسجيل تحوط مستقبلي بنسبة 50 - 70 في المائة لشركتي، لذلك، فإنني قادر على اتخاذ إجراءات تحوطية ضد المخاطر التي قد تواجهني. نحن لا نتكبد خسائر ضخمة أو نحقق أرباحا طائلة أثناء التقلب الحاد في قيمة الروبية - الدولار». على أية حال، الضعف في الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا سيقضي على هذه الفائدة في المستقبل.