بدأت عملية التحول.. ولكن هل يثمر «ربيع تونس» السياسي اقتصاديا؟

سير جون ديفي لـ «الشرق الأوسط» : تونس لديها فرص أفضل مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى

TT

غدا تبدأ أول انتخابات برلمانية حقيقية في تونس منذ استقلالها من الاستعمار الفرنسي، وستكون نتائج هذه الانتخابات حاسمة لمستقبل تونس وربما تعطي مؤشرات على التحول الديمقراطي ليس في تونس فحسب ولكن في مجمل دول «الربيع العربي» التي انتفضت ضد حكامها وتحدد ما إذا كانت تونس ستتحول إيجابيا من حكم الديكتاتورية إلى حكم الديمقراطية وتحقق الاستقرار السياسي الذي يعتبر العامل الأهم والحاسم في تنمية الاقتصاد وخلق الفرص الوظيفية والرفاه للشعب التونسي.

«الشرق الأوسط» سعت إلى استشراف مستقبل تونس الاقتصادي عبر دراسات متخصصة ورأي خبراء الاقتصاد، ولاحظت من خلال ذلك، أن المستثمرين في الغرب يترقبون نتائج الانتخابات للحصول على إجابات لثلاثة تساؤلات أساسية. وهذه التساؤلات هي، عما إذا كانت الانتخابات ستعطي القوة التصويتية الكافية للتيار العلماني في تونس للمضي قدما في بناء حكم ديمقراطي، وعما إذا كانت ستحقق الاستقرار السياسي اللازم لعملية التنمية الاقتصادية وعما إذا كانت الانتخابات ستمنح توجهات على تبني تونس لاقتصاد السوق والانفتاح وتنمية القطاع الخاص. حتى الآن نجحت تونس في إشعال فتيل الثورات العربية ونجحت في القضاء على حكم الديكتاتور زين العابدين بن علي وتحقيق استقرار نسبي خلال الشهور التي تلت التغيير ولكن هل يثمر ربيع تونس السياسي اقتصاديا.

قدر صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أن ينمو الاقتصاد التونسي بمعدل 4% خلال العام الحالي 2011، فيما سينمو بمعدل 5.2% خلال العام المقبل 2012. وهي تقديرات وصفها اقتصاديون بأنها معقولة في ظل التطور الاقتصادي الإيجابي الذي يشهده الاقتصاد التونسي، وتضع تونس في مقدمة «دول الربيع العربي» من حيث النمو الاقتصادي وتكون بذلك تأهلت لقطف ثمار الثورة الشعبية التي افتتحت بها بورصة التغيير السياسي في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي هذه التقديرات أكبر من تقديرات الحكومة الانتقالية التي كانت تتوقع معدل نمو يبلغ 4% في العام المقبل 2012.

الخبير والأكاديمي البريطاني سير جون ديفي رئيس شركة «ألترا كابيتال» وبروفسور الاقتصاد الزائر بجامعة «لندن ميتروبوليتان بيزنس إسكول» يقول: «تونس تتمتع باقتصاد مفتوح مقارنة بدول الربيع الأخرى، كما أن اقتصادها يقوم على القطاع الخاص وهذا يمنحها فرصة نجاح اقتصادي أكبر مقارنة مع ليبيا». وأضاف سير ديفي في تعليقاته لـ«الشرق الأوسط»: «من العوامل الأخرى التي ستدعم النمو الاقتصادي التونسي البنى التحتية المتميزة التي تملكها تونس في مجال الخدمات السياحية والفندقة والاستشفاء العلاجي». وقال إن هذه البنى التحتية، يجب على الحكومة الديمقراطية المقبلة أن تعمل على دعمها، لأنها إلى جانب السياحة تساهم بدرجة رئيسية في الدخل المتحصل بالعملات الصعبة، وهو ما تحتاجه تونس في المرحلة المقبلة.

وأشار في هذا الصدد إلى أنه يأمل أن تستمر الحكومة الديمقراطية المقبلة في دعم سياسات القطاع الخاص والسوق الحرة، لأنه يرى أن هذا هو الطريق الصحيح للتقدم الاقتصادي. وقال إنه من خلال زياراته ودراساته للاقتصاد الليبي، لاحظ أن الأثرياء الليبيين يسافرون إلى تونس للاستشفاء والعلاج والتمتع بالخدمات الأخرى التي تتميز بها تونس عن نظيراتها في المنطقة. وقال إن على الحكومة المقبلة أن تدعم قطاع الخدمات الصحية والسياحية.

كما أشار إلى أهمية مصداقية تونس الائتمانية في جمع تمويلات جديدة في تنمية اقتصادها، وقال في هذا الصدد إن لدى تونس سندات دين حكومية أجل 20 عاما أصدرتها في التسعينات وإن أجل هذه السندات سيحل في العام المقبل، وقال سيكون من المهم أن تسدد تونس هذه السندات لحامليها حتى تمنح الثقة للمستثمرين الدوليين. وقال إنه يأمل أن تستفيد الحكومة التونسية الديمقراطية التي ستنتخب من فرص التمويل العالمية المتوفرة في لندن. ويذكر أن تونس مرتبطة بشكل لصيق بفرنسا بحكم اللغة والتاريخ ولكنها تشهد تحولا في الآونة الأخيرة بعيدا عن الفرانكفونية.

ويلاحظ أن نسبة الفائدة على سندات البنك المركزي التونسي أجل 10 سنوات أو التي يحل أجل سدادها في يونيو (حزيران) انخفضت بمعدل 20 نقطة أساس (0.2%) إلى 5.47% خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. كما أن مؤشر شركة «سي إم إي» التي تقيس معدلات مخاطر الديون، سجل انخفاضا في احتمالات تخلف تونس عن سداد ديونها بمعدل 46 نقطة أساس منذ المستويات المرتفعة التي بلغتها في 26 سبتمبر (أيلول)، حيث قفزت إلى 244 نقطة.

وحول ما إذا كانت تونس تستطيع جذب معدل السياحة المرتفع الذي كانت تجذبه في السنوات الماضية التي تلت الثورة، قال سير ديفي «تونس تملك السمعة الحسنة والشهرة في مجال السياحة الأوروبية، وإن التحول الديمقراطي إذا حدث بشكل مرن فسيدعم السياحة الأوروبية إلى تونس». ولكنه قال إن على الحكومة المنتخبة أن تعمل على الترويج للسياحة، وأشار في هذا الصدد إلى أن السياحة مهمة للاقتصاد، لأنها تصنع دخولا للأفراد العاديين، وبالتالي فإنها تنعش الاستهلاك والأسواق. ولاحظ سير ديفي أن 80% من صادرات الصناعات التونسية تتجه إلى أوروبا.

وفي ذات التوجهات الإيجابية، تشير تقديرات مصرف «ميريل لينش بنك أوف أميركا» الصادرة أمس إلى أن الناتج المحلي التونسي نما بمعدل 1.5% في الربع الثالث من العام. وصاحب هذا النمو نموا في مختلف القطاعات التي تشكل الدخل القومي. ولكن مصرف «ميريل لينش» لاحظ أن عدد السياح إلى تونس انخفض بمعدل 33.8% في العام حتى يوليو (تموز) الماضي مقارنة بالعام الماضي. وتعكف الحكومة الانتقالية في تونس على تنفيذ خطة خمسية بكلفة استثمارية قدرها 125 مليار دينار تونسي بهدف إنشاء مليون وظيفة جديدة وزيادة معدل النمو الاقتصادي. ولكن تمويل هذه الخطة يحتاج إلى تمويل خارجي عبر إصدار سندات حكومية.

من جهة أخرى قال تقرير «ميريل لينش» الصادر أمس حول اقتصاديات المنطقة العربية وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن الانتخابات التونسية التي ستجرى غدا الأحد ستسمح للمستثمرين الحكم بشكل أفضل على توجهات التحول السياسي في منطقة الشرق الأوسط أو ما يطلق عليه «دول الربيع العربي». وقال مصرف «ميريل لينش» الأميركي إن المستثمرين سينظرون إلى ثلاث مواجهات أساسية بعد فرز الانتخابات وهي أولا: القوة الانتخابية للحركة الإسلامية في تونس. وثانيا: الاستقرار السياسي الذي ستفضي إليه نتائج الانتخابات. وثالثا: تأثير النتيجة الانتخابية على مستقبل السياسات الاقتصادية للحكومة التونسية. وقال المصرف الأميركي في تقييمه إن التركيبة السكانية في تونس تختلف عن التركيبة السكانية في دول الربيع العربي الأخرى، حيث توجد في تونس طبقة وسطى متعلمة عريضة، مما يسمح بالتحول الديمقراطي السريع في تونس. ولكن بنك الاستثمار الأميركي حذر في تقريره من الفشل في التحول الديمقراطي بتونس وقال إنه سينعكس على باقي دول الشرق الأوسط. ويعتقد مصرف ميريل لينش أن الانتخابات ستجرى بسلام في تونس وأن التحول سيكون سهلا ومرنا.

وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن معدلات النمو في أنحاء العالم فإن تونس تتجه لتحقيق معدلات نمو تفوق التقديرات التي وضعت لباقي دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر وسوريا واليمن. وحسب إحصائيات اتحاد الصناعات والتجارة التونسية فإن الصادرات الصناعية التونسية نمت بمعدل 9.3% في الشهور التسعة الأولى من العام الجاري. ويعتمد الاقتصاد التونسي على الزراعة والصادرات الصناعية والسياحة والتعدين. وتمتعت تونس هذا العام بمستويات جيدة من الأمطار، مما يعني أن الموسم الزراعي سيكون متميزا ويضيف بشكل مباشر إلى التقديرات الجيدة لمعدل النمو الاقتصادي. ويذكر أن تونس استفادت خلال الفترة الماضية من الاضطرابات التي شهدتها ليبيا، حيث هاجر الكثير من الأثرياء إلى تونس بحثا عن الأمان أو على الأقل وضعوا عائلاتهم هنالك بعيدا عن ظروف الحرب التي تشهدها ليبيا.