الخلاف الألماني ـ الفرنسي يعرقل خطة إنقاذ منطقة اليورو

باريس تريد توسيع دور ومالية صندوق الإنقاذ.. وبرلين ترفض

TT

تم تعليق خطة الإنقاذ الكبرى، وأدى عدم حسم الخلاف بين ألمانيا وفرنسا بشأن اتخاذ إجراء أكثر حسما من أجل معالجة أزمة الديون الحكومية إلى تأجيل اجتماع القمة لعدة أيام وسط مؤشرات تدل على احتمال أن تؤدي تعقيدات خاصة بالسياسة الأوروبية إلى عرقلة عملية التوصل إلى حل. وهدف القمة، التي كان من المقرر عقدها نهاية الأسبوع، دعم الوضع المالي للمصارف الأوروبية وزيادة الأموال المخصصة لخطة الإنقاذ المالي الأوروبية والتنسيق بشكل أفضل بين السياسات الاقتصادية لدول منطقة اليورو، على حد قول متحدث باسم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.

لكن لن يتم وضع خطة شاملة إلى أن يتم عقد اجتماع قمة آخر من المقرر أن يتم يوم الأربعاء، على حد تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية، ستيفن سيبرت. وأصدرت الحكومة الفرنسية بيانا مشابها. وعزز التأجيل الذي حدث في الدقيقة الأخيرة من مخاوف بأن يكون القادة الأوروبيون أبعد ما يكونون عن احتواء الأزمة التي تهدد الاقتصاد العالمي.

وقال أندرياس دومبريت، أحد أعضاء المجلس التنفيذي للمصرف الألماني المركزي «بانديس بنك» في برلين، أول من أمس، الخميس: «يحاول السياسيون حل الأزمة، لكن هناك جهود لم تبذل بعد». وكان هناك انتقاد حاد لاذع للمسؤولين.

ولم يكن رد فعل السوق على التأجيل الذي تم الإعلان عنه بعد إغلاق التداول في البورصة الأوروبية كبيرا، حيث هبط مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» بنحو نصف في المائة ووصل إلى 1.215.39. ويشير التقلب في الأسواق الأميركية إلى محاولة المستثمرين تفسير المؤشرات المتضاربة القادمة من أوروبا.

ويلتزم القادة الأوروبيون باتخاذ خطوات هامة وحددوا موعدا نهائيا للقيام بذلك، لكن الدعوة المفاجئة لعقد اجتماع آخر كانت أمرا غير اعتيادي والتفسير المتشائم هو احتمال أن يؤدي وجود انقسام بين القادة إلى المزيد من التأجيل.

ويتفق المحللون على ضرورة أن تتضمن حزمة معالجة الأزمة العمل على تخفيف عبء الديون الملقى على كاهل اليونان وتخصيص المزيد من الأموال لخطة الإنقاذ المالي للدول المدينة وبعض الوسائل التي تبدد الشكوك حول امتلاك إيطاليا ضمانات قروض. كذلك ينبغي أن يتم وضع خطة لمعالجة سبب الأزمة وهو الافتقار إلى الوسائل الفعالة في فرض الالتزام بالميزانية على دول منطقة اليورو وخطة لاستعادة النمو في دول مثل اليونان والبرتغال التي فقدت قدرتها التنافسية العالمية.

رغم كل المقابلات التي تمت بين السياسيين خلال الأسبوع الحالي واعتزام عقد المزيد بداية من مساء أمس، الجمعة، ما زالت مؤشرات الاضطراب والفوضى مستمرة. وأكد الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على احتمال تحقيق تقدم عند توجهه إلى فرانكفورت يوم الأربعاء لعقد اجتماع قصير مع ميركل، حيث كانت زوجته، كارلا بروني، تضع مولودتها في باريس. وسوف تبدأ المحادثات باجتماع لوزراء مالية دول منطقة اليورو، وسيجتمع وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي اليوم، السبت. ومن المقرر أن يجتمع كل من ميركل وساركوزي. ومن المقرر أن يجتمع رؤساء أو رؤساء وزراء دول الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي يوم الأحد صباحا، ثم يجتمع قادة دول منطقة اليورو الـ17.

وما زاد من الإثارة والترقب قول القادة إنهم بحاجة إلى عقد المزيد من الاجتماعات خلال الأسبوع القادم. كذلك خلف هذا انطباعا بأنهم يواجهون مشاكل في الاتفاق حول التفاصيل ومنها وسائل الاستفادة القصوى من الـ440 مليار يورو أو ما يعادل 607 مليارات دولار المخصصة لتمويل خطة الإنقاذ.

هناك اتفاق واضح على الحاجة إلى إعادة وضع احتياطي رأس المال في المصارف المركزية الأوروبية، بحيث تستطيع تحمل تخلف اليونان عن سداد ديونها. لكن لم يتم الاتفاق على المال الذي ينبغي على المصارف جمعه أو مصدره. وهذا المبلغ بحسب تقديرات مصرف «غولدمان ساكس» هو 300 مليار يورو أو 412 مليار دولار ومصدره أسواق رأس المال أو أموال دافعي الضرائب في حال تعثر الحصول عليه من المصدر الأول. وتتراوح التقديرات الأخرى بين 100 و400 مليار يورو بحسب الافتراضات حول مدى الخسارة التي يتعين على المصارف تحملها والمتمثلة في ما تملكه من سندات الحكومة اليونانية والحكومات الأخرى.

وبحسب مصادر مطلعة على المناقشات، يميل المسؤولون الأوروبيون تجاه التقديرات المتدنية، حيث سيكون من السهل جمعها، وإن كانت لا تكفي لإعادة الثقة في المصارف الأوروبية واستعادة وجودها في أسواق المال العالمية. وتقاوم المصارف بشدة محاولات إجبارها على الحصول على المزيد من رأس المال، حيث سيقلص هذا من أرباحها ويعرضها إلى تحكم الحكومة إذا لم تنجح في الحصول على الأموال الكافية من المستثمرين. ولا يزال هناك تشكك في ما إذا كان للحكومات سلطة قانونية لطلب عملية الرسملة.

على الجانب الآخر، لا تشهد المفاوضات الخاصة بدفع المصارف نحو تكبد خسائر أكبر لاستثماراتها في السندات اليونانية تقدما ملحوظا، على حد قول مصرفي مطلع على المباحثات، الذي رفض ذكر اسمه لأنها ما زالت مستمرة. ويأمل مسؤولو الاتحاد الأوروبي الحد من حجم ديون اليونان، الموشكة على الإفلاس للمصارف، بحيث تتمكن من الوقوف على قدميها مرة أخرى بوتيرة أسرع.

ووافقت المصارف الصيف الحالي على تكبد خسائر تقدر بـ21 في المائة، لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي في اليونان يوما تلو الآخر، يرغب بعض واضعي السياسة في أن توافق المصارف على تحمل حجم خسارة أكبر يتراوح بين 50 و60 في المائة من حجم الديون المستحقة لها. وأوضحت المصارف أنها ستوافق على تكبد المزيد من الخسائر فقط إذا حصلت على ضمانات بأن اليونان سوف تتمكن من سداد الجزء الباقي من ديونها بنفسها والتوقف عن الاعتماد على خطط الإنقاذ. وصرح صندوق النقد الدولي يوم أول من أمس، الخميس، بأن اليونان ربما ستضطر إلى الاعتماد على خط من المساعدات المالية من شركائها الأوروبيين لـ9 سنوات.

ويثير هذا التقدير قلق المصارف التي لا تريد أن تستمر في ضخ أموال في خزينة اليونان دون أمل في استردادها. مع ذلك إذا لم توافق المصارف طواعية على التقليل من حجم الديون المستحقة، فربما يتم فرض الخسائر عليها، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تخلف اليونان عن السداد. من الأمور الأخرى المحورية كيفية التعامل مع عدم كفاية أموال خطة الإنقاذ المالي التي تبلغ 440 مليار يورو. سرعان ما واجهت المقترحات، التي بدت واعدة ومنها استخدام الأموال في التأمين على السندات الحكومية، العراقيل. ويقول محللون في مصرف «رويال بنك أوف اسكوتلندا» في بيان للعملاء: «هناك معوقات هيكلية وفنية» تحول دون تنفيذ الاتفاق.

وفي برلين ألغت ميركل خطابا أمام البرلمان أمس، الجمعة، بسبب اصطدام المقترحات الخاصة بزيادة أموال خطة الإنقاذ، التي تعرف باسم برنامج الاستقرار المالي الأوروبي، بالعوائق. في الوقت الذي تقود فيه فرنسا جهودا لدعم البرنامج، لا يمكنها تقديم ضمانات مالية دون المخاطرة بتخفيض تصنيفها الائتماني الممتاز. والحل الذي قدمته هو التعويل على أموال المصرف المركزي الأوروبي لزيادة إنفاق أموال خطة الإنقاذ. مع ذلك عارضت ميركل وجان كلود تريشيه، محافظ البنك المركزي الأوروبي المنتهية مدته، هذا الحل. ووصف أحد المسؤولين المطلعين المحادثات، التي شاركت فيها ميركل يوم الأربعاء الماضي، بأنها «متوترة». وأوضح أنها تتخذ أحيانا موقف «المعرقل».

وقد اشتكت ميركل في إحدى المرات من عدم ترجمة إحدى الوثائق المتعلقة بخطة الإنقاذ إلى الألمانية، على حد قول ذلك المسؤول. وخلال محادثات فرنكفورت تمسك تريشيه وميركل باستخدام أموال خطة الإنقاذ. وسعى جوزيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، إلى زيادة الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بقوله: «إذا كان هناك جانب سيفقد الجوانب الأخرى مصداقيتها من دونه، فهناك حاجة إلى تعزيز حائط صد دول منطقة اليورو». أما في بروكسل، فقد صرح مسؤولون بأن معايير المباحثات وضعت على أساس السياسة الألمانية الداخلية خاصة بدافع الحاجة إلى حصول ميركل على تفويض من البرلمان الألماني. ورغم مطالبة واضعي السياسة بتوجه «موجع» يتضمن توفير تريليوني يورو من أجل خطة الإنقاذ، يبدو هذا الآن غير واقعي على الإطلاق. وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، الذي رفض الإفصاح عن هويته: «المسألة لا تتعلق بأن تريليونا واحدا غير كاف، بل بما إذا كنت تستطيع الحصول على هذا التريليون دون أن تفقد المصداقية».

* أسهم جاك يوينغ في إعداد التقرير من فرانكفورت، وستيفن كاسيل من بروكسل، وليز ألدرمان من باريس.

* خدمة «نيويورك تايمز»