تكثيف الاتصالات بين العواصم الأوروبية قبيل قمة غد «الحاسمة» في بروكسل

وسط إلحاح عالمي على ضرورة معالجة أزمة منطقة اليورو

TT

استؤنفت أمس، الاتصالات والمشاورات بين عواصم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الاتحادية ببروكسل، بعد ساعات من اختتام اجتماعات القادة الأوروبيين في عاصمة التكتل الأوروبي الموحد، وتركزت حول زيادة فاعلية صندوق الإنقاذ المالي لمنطقة اليورو، وسبل تخفيف عبء الديون عن اليونان، وإعادة رسملة البنوك، وتحفيز النمو، وقواعد انضباط للموازنة لتكون أكثر صرامة وتنسيقا اقتصاديا وفاعلية داخل مجموعة اليورو، وحسب مصادر داخل المؤسسات الاتحادية، عملت عدة عواصم أوروبية على تكثيف الاتصالات، منذ صباح اليوم التالي للقمة الأوروبية، لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتوافق حول القرارات التي من المنتظر أن تتمخض عنها قمة الأربعاء، وهي القرارات التي تشاور القادة بشأنها أول من أمس (الأحد) في بروكسل، وتمت الدعوة لقمة الأربعاء بناء على طلب رسمي قدمته بريطانيا ودعمته عدة دول غير أعضاء بمنطقة اليورو، مثل السويد، لبحث القضايا المتعلقة بالعملة الأوروبية الموحدة حيث ترى أن أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو تؤثر على مصالحها الاقتصادية. وذكرت مصادر أوروبية أن القادة طالبوا رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني بتكثيف الجهود والخطوات من جانب حكومته لتفادي أي مشكلات قد تأتي بآثار سلبية على الاقتصاد الأوروبي، وفي نفس الوقت أشاد بعض القادة الأوروبيين بالخطوات التي حققتها إسبانيا على طريق تفادي صعوبات مالية واقتصادية، وكانت تقارير إعلامية أوروبية قد رشحت كلا من إيطاليا وإسبانيا للانضمام إلى الدول التي دخلت دوامة أزمة العجز في الموازنة، وهي اليونان وآيرلندا والبرتغال، وفي الوقت نفسه أعرب القادة الأوروبيون عن رغبتهم في تشكيل حكومة في بلجيكا في أقرب وقت ممكن، لتفادي أي أزمات مالية أو اقتصادية، في ظل وجود حكومة تسيير أعمال في البلاد منذ يونيو (حزيران) من العام الماضي، بسبب أزمة سياسية في البلاد، بدأت تلوح في الأفق بشائر إيجاد الحلول لها، وفي نفس الوقت قالت وسائل إعلام هولندية (أمس) إن هولندا حققت نجاحا ملحوظا خلال القمة، بعد أن لاقى الاقتراح الهولندي بتعيين مفوض خاص لشؤون اليورو «مستر يورو»، ترحيبا من جانب القادة في قمة الأحد.

وقال رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رامبوي إن دول الاتحاد عازمة على التوصل لإيجاد حلول يوم الأربعاء المقبل، وإن الجميع متعاونون، وستصدر الإجراءات التنفيذية لتحفيز النمو في أقرب فرصة، ومن غير المستبعد أن تعدل معاهدة الوحدة على المدى الطويل، وأن البحث يجري من أجل انتشاء حكومة اليورو.

وأكد رامبوي للصحافيين في ختام القمة أنه «تم وضع احتمالين للعمل الخاص باستقرار السوق المالية في منطقة اليورو». وقال إنه «يدرك تماما الحساسيات» التي تولدها العلاقة بين دول الاتحاد الـ27 ومنطقة اليورو، لكنه شدد على أن عملية صنع القرار بيد المجموعتين «يجب أن تكون شديدة الترابط». ومع ذلك، أوضح أن دول اليورو الـ17 يجب عليهم «بحث التحديات التي تواجه العملة الأوروبية». وأضاف: «الذين يشتركون في العملة الموحدة يجب أن يتخذوا بعض القرارات المشتركة المتعلقة بهذه العملة. أحد أسباب الأزمة هو أن الكثيرين أساءوا تقدير مدى ارتباط الاقتصادات ببعضها».

وقال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي إن «الجميع يتفق على حاجتنا إلى برنامج منسق لإعادة رسملة البنوك وتحسين تمويلها». وأضاف رومبي: «أحرز وزراء المالية تقدما طيبا بشأن تلك القضية أمس وسيتمكنون من الانتهاء من التفاصيل الأربعاء المقبل، وفي الاجتماع اللاحق لزعماء الدول الـ27 (الأعضاء بالاتحاد الأوروبي) الذي قررت عقده مساء الأربعاء».

ومن جانبه، لم يستبعد رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو احتمال مشاركة صندوق النقد الدولي في الجهود الرامية إلى الاستقرار المالي لمنطقة اليورو، وقال باروسو، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع فان رومبي، إن القمة دعته إلى تقديم تقرير أعده بشأن النمو. وأوضح: «الفكرة كانت إظهار كيف يمكننا استرجاع بعض من التريليوني يورو التي خسرناها في النمو بسبب الأزمة المالية». وأضاف: «أعتقد أننا في وضع طيب لإحراز تقدم حتى يمكننا الانتهاء من عملنا الأربعاء المقبل، وبالتحديد بالاتفاق بشأن اليونان والبنوك وآلية الاستقرار المالي الأوروبية».

وقال زعماء الاتحاد الأوروبي في ختام قمتهم إنهم قاموا أيضا بتحديد موقف التكتل لقمة مجموعة العشرين التي ستعقد في فرنسا، الشهر المقبل، بإعطاء الأولوية للحفاظ على الاستقرار المالي واستعادة النمو. وعلى هامش القمة، تعهدت كل من باريس وبرلين خلال مؤتمر صحافي مشترك جمع المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي بتعاونهما المستمر في سبيل التوصل لاتفاق بحلول يوم الأربعاء المقبل، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن «نظم الوقاية وحدها لا تكفي لترسيخ المصداقية، فالحاجة ملحة لرؤية استراتيجية واضحة، وبالنسبة لإيطاليا فهي قوة اقتصادية كبيرة ولكن ديون إيطاليا كبيرة ويجب أن تخفف». من ناحية أخرى، أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن إسبانيا لم تعد في طليعة الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية ومالية في منطقة اليورو بفضل «الجهود الحثيثة» التي بذلتها حكومة خوسيه ثاباتيرو.

\وأوضح أن إسبانيا وآيرلندا والبرتغال قبلت توصيات شركائهم الأوروبيين في منطقة اليورو، ولهذا أصبحت اليوم في وضع أفضل. وتأتي تصريحات ساركوزي بعد مطالبة ميركل السبت إسبانيا وإيطاليا ببذل مزيد من الجهد وإجراء إصلاحات جديدة لخفض ديونهما. وفي كلمته أثناء قمة الأحد، أكد رئيس البرلمان الأوروبي جيرزي بوزيك أنه «يتعين على الاتحاد الأوروبي عدم إزعاج المواطنين بتغييرات جديدة في معاهدة لشبونة»، قبل «توضيح بشكل أفضل» أهمية إدخال تلك التعديلات بصورة تسمح بتحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي.

وأبرز في مؤتمر صحافي عقب مداخلته في القمة ضرورة إجراء تغييرات في معاهدة لشبونة لتطبيق الإجراءات الاقتصادية التي يحتاجها الاتحاد على المدى البعيد، لكنه أوضح أنه في الوقت الراهن «لا يوجد مناخ إيجابي» لإجراء جولة جديدة من الاستفتاءات في الدول الأعضاء وإقرار تعديلاتها.

وكان رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبي قد أعلن أنه سيقترح في ديسمبر (كانون أول) المقبل إدخال إصلاحات على المعاهدة، بهدف تعزيز القوانين وخفض عجز موازنات الدول الأعضاء.

يذكر أن معاهدة لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر من عام 2009 تنص على إجراء تغييرات هيكلية ومؤسسية في الاتحاد الأوروبي، مثل تغيير قوانين التصويت، ومنح سلطات أعلى للبرلمان الأوروبي.