«احتفاء» بخطة منطقة اليورو لمواجهة أزمة الديون.. والخبراء يطرحون تساؤلات

إعادة رسملة البنوك وزيادة صندوق الإنقاذ وشطب نصف ديون اليونان.. والصين تشارك في الحل

تفاعلت الأسواق إيجابيا مع اتفاق قادة منطقة اليورو وقفز مؤشر الأسهم الألمانية في بورصة فرانكفورت بأكثر من 5 في المائة (إ.ب.أ)
TT

أطلع قادة المؤسسات الاتحادية في بروكسل، أعضاء البرلمان الأوروبي على نتائج قمة بروكسل الأخيرة، التي انعقدت مساء الأربعاء، واستمرت حتى ساعة مبكرة من فجر الخميس، فبعد 6 ساعات من انتهاء القمة التي شهدت مناقشات صعبة للغاية، كان الموعد بالنسبة لكل من رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي، ورئيس الجهاز التنفيذي للاتحاد «المفوضية» أمام أعضاء المؤسسة التشريعية الأوروبية في ستراسبورغ، لإطلاعهم على قرارات القمة، وأشاد رئيس البرلمان الأوروبي جيرسي بوزيك بالنتائج التي وصفها بأنها مهمة للغاية ورسالة قوية، وتحدث فان رومبوي وقال إن الحالة كانت قلقة للغاية ولكن القرار السياسي المهم جاء في الوقت المناسب، وأضاف «إننا على ثقة بأن الأسواق سوف تعطينا الفرصة والوقت لتنفيذ القرارات»، واستعرض فان رومبوي القرارات التي اتخذتها القمة، وقال على سبيل المثال «أردنا أن نضع اليونان على الطريق الصحيح وقررنا زيادة صندوق الإنقاذ والاتفاق على رسملة البنوك وغيرها»، وتناول بالتفصيل نص الاتفاق الذي جرت الموافقة عليه في القمة، والتي جاء في بيانها الختامي أن قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 أكدوا عزمهم على بذل قصارى الجهد للتغلب على أزمة الديون والمساعدة بروح من التضامن على مواجهة التحديات، التي تواجه الكتلة الأوروبية ومنطقة اليورو. وأكد قادة أوروبا أيضا على الضرورة الملحة لإجراء «تدابير لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي». وحسب العديد من المراقبين الأوروبيين، سيطرت حالة من التفاؤل على الأسواق المالية مع بداية التعامل الخميس عقب اتفاق قادة الاتحاد الأوروبي على الخطوط العريضة الكافية لتهدئة المستثمرين، فقد قررت القمة الأوروبية تخفيض ما نسبته 50 في المائة من قيم السندات اليونانية، بالإضافة إلى رفع المستوى الأول من رأس المال للبنوك إلى 9 في المائة، مع الاتفاق على خطة لإعادة رسملة البنوك لكي تتمكن من مواجهة أزمة الديون السيادية. وتم الاتفاق أيضا على خطوط عامة من الحوكمة الاقتصادية بدءا من العام المقبل إلى جانب تعهد إيطاليا بتحسين أدائها المالي لكن دون الذهاب إلى مزيد من توحيد السياسات الضريبية.

إلا أن التطور الحاسم في إدارة أزمة اليورو يتمثل في الإقرار أولا بالدور المتصاعد لصندوق النقد الدولي في إدارة الأزمة والتوجه العلني الأوروبي بالاستنجاد بأطراف خارجية أخرى وفي مقدمتها الصين للحصول على السيولة الضرورية لضمان نجاح خطة إنقاذ الدول المتعثرة.

يشار إلى أن هذا الاتفاق المسجل في بروكسل يعتبر في نظر المحللين مجرد نقطة الانطلاق، وليس المحطة النهائية، لإدارة أزمة الديون، وهو اتفاق سيتم الحكم عليه عبر تحديد آلية تنفيذه بالدرجة الأولى حسب غالبية وسائل الإعلام الأوروبية.

وعلى الرغم من وصف القادة الأوروبيين للنتائج بأنها مهمة للغاية، حاول البعض من الخبراء والمتخصصين التقليل من الأمر، وقال الاقتصادي البلجيكي إيفان فانديكلوت أن الاتفاق الأوروبي حول كل النقاط هو اتفاق ضعيف وأنه بعد بضعة أسابيع أو أشهر ستعود المشاكل من جديد «لقد تمكن القادة من تحريك الصندوق عدة أمتار ولكن لم يستطيعوا حمله، إنه حل على المدى القصير ولكن لا يصلح على المدى الطويل». من جانبه قال الخبير الاقتصادي هندريك فويس إن الفرصة كبيرة لعودة القادة الأوروبيين قريبا أو ربما بعد فترة وجيزة إلى الاجتماع من جديد لأن الإجراءات التي وافقوا عليها أقل من المطلوب ولا تتسم بالوضوح الكامل».

«عملنا اللي علينا.. أنقذنا اليورو.. إلا أن الأمر سيتوقف أيضا على الأسواق المالية، ولكن علينا أن ننظر بمزيد من الثقة إلى المستقبل» هذا ما جاء على لسان هرمان فان رومبوي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي عقب اختتام قمة قادة أوروبا في بروكسل، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن «الأوروبيين اتخذوا القرار المناسب». وأضافت «لقد حددنا أسباب وقوع الأزمة المالية ونجحنا في التوصل إلى مجموعة من الإجراءات الرامية إلى حلها».

وعلى أثر انتهاء أعمال القمة أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن المصارف الخاصة ستسهم بجهد كبير من أجل حل هذه الأزمة بتنازلها عن خمسين في المائة من مستحقاتها لدى اليونان، وقال ساركوزي «يمكنني القول إن الدول السبع عشرة اتخذت إجراءات في غاية الأهمية. فبالنظر إلى الملفات المعقدة المطروحة للنقاش وباعتبار أنه من الصعب عادة أن يتفق الجميع على قرار بعينه، فإنني أعتقد أن هذه القرارات ستخلف ارتياحا كبيرا لدى الجميع». وأضاف ساركوزي أن دول منطقة اليورو سترصد ثلاثين مليار يورو لتمويل الضمانات كما ستحصل اليونان على مائة مليار يورو كمساعدات عامة دولية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ميزانية صندوق الإنقاذ لمنطقة اليورو ستصل إلى نحو ألف وأربعمائة مليار دولار.

وانقسمت أعمال القمة الأوروبية إلى جزأين؛ الأول جمع قادة الدول الأعضاء في التكتل الموحد، والثاني اقتصر على قادة دول منطقة اليورو التي تضم 17 دولة، وفي نهاية الجزء الأول من القمة، أعلن قادة الاتحاد الأوروبي موافقتهم على خطة لإعادة رسملة المصارف لتمكينها من مواجهة أزمة الديون في منطقة اليورو. وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي، إنه جرى التوصل خلال الاجتماعات إلى اتفاق كبير على ضرورة احتفاظ المصارف بتسعة في المائة من رأس المال الممتاز بحلول الـ 30 من يونيو (حزيران) المقبل. وأضاف أنه يجب على البنوك أولا زيادة رأس المال من مصادر خاصة وفي حال عدم إمكانية ذلك تسعى للحصول على دعم من الحكومات الوطنية.

وأشار بيان حول هذا الصدد إلى أنه في حال عدم توفر الدعم الأخير دون خلق مخاطر نظامية لمنطقة اليورو يتوجب على آلية الاستقرار المالي الأوروبية تقديم قروض لإعادة الرسملة» دون تحديد قيمة محددة لتلك القروض.

وأضاف تاسك في مؤتمر صحافي «اتفقنا على إعادة رسملة المصارف التي من المفترض أن تكون أحد أهدافنا». وينص الاتفاق على أن تبلغ الأصول الخاصة للبنوك (الرأسمال والأرباح الاحتياطية) 9 في المائة، وهو هدف «من المتوقع بلوغه في 30 يونيو 2012». وللتوصل إلى هذا الهدف «على البنوك اللجوء في الدرجة الأولى إلى مصادر تمويل خاصة بما يشمل عمليات إعادة هيكلة وتحويل الديون إلى رأسمال». وقالت مصادر الرئاسة البولندية للاتحاد، إن هناك احتمالا كبيرا لعقد اجتماع على مستوى وزراء المال والاقتصاد الأوروبيين للبحث في تفاصيل الاتفاق الذي خرجت به القمة وسينعقد الاجتماع في غضون أيام قليلة.

ويضيف النص أنه لتحقيق الهدف 9 في المائة «يجب وضع بعض القيود على توزيع الحصص ودفع الأرباح».

من جانبه أوضح رئيس الوزراء الروماني ترايان باسيسكو، أن «المرحلة المقبلة ستكون تحديد قيمة» إعادة الرسملة، مضيفا «أن مبلغ ما بين 100 و200 مليار يورو سيكون كافيا للأشهر الستة أو السبعة الأولى» وجاء في بيان الزعماء الأوروبيين «على البنوك اللجوء قبل كل شيء إلى مصادر تمويل خاصة بما يشمل عمليات إعادة هيكلة وتحويل الديون إلى رأسمال». وأشير في البيان إلى أنه «يتعين وضع بعض القيود على توزيع الحصص ودفع الأرباح». ولم يذكر في البيان المبلغ الإجمالي لإعادة رسملة البنوك المقدر بنحو 106 مليارات يورو بحسب مصادر أوروبية، وأوضح وزير المالية البولندي ياتسيك روستوفسكي للصحافيين أن هذا الرقم «سيعلن في الوقت المناسب من جانب السلطات الأوروبية».

وحول شطب ديون اليونان، أفادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للصحافيين، أن حاملي السندات اليونانية من القطاع الخاص سيقبلون بتخفيض ما نسبته 50 في المائة من حيازتهم وهو ما سيمكن من خفض دين اليونان السيادي بمقدار 100 مليار يورو، وسوف يسمح ببرنامج جديد لمساعدة البلاد.

وأكد الزعماء الأوروبيون أن هدفهم هو أن يصل دين اليونان إلى 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، وأن اليونان ستخضع لنظام إشراف أكثر صرامة في المستقبل. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن حائزي السندات اليونانية من القطاع الخاص سيقبلون شطب 50 في المائة من حيازاتهم وهو ما سيمكن من خفض دين اليونان السيادي بمقدار 100 مليار يورو وسيسمح ببرنامج جديد لمساعدة البلاد. وقالت ميركل أيضا إن اليونان ستخضع لنظام إشراف أكثر صرامة في المستقبل.

ومضت قائلة «سيكون هناك نظام معزز للمراقبة فيما يتصل بتنفيذ اليونان لالتزاماتها، ذلك سيجري إرساؤه في مذكرة تفاهم، سيكون هناك وجود دائم في اليونان، سيكون من الممكن مراقبة الإجراءات التي تتخذها اليونان. أعتقد أن هذا أفضل من زيارات (الترويكا) التي تحدث كل ثلاثة أشهر.. نظام إشراف دائم».

ومن جانبه قال رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو، إن اتفاقا يتضمن شطب 50 في المائة من حيازات دائني القطاع الخاص من السندات اليونانية يعني أن اليونان سيكون بمقدورها سداد ديونها. وأضاف باباندريو «عبء الدين يمكن تحمله بشكل كامل الآن». ووعد باباندريو بأنه لن تكون هناك زيادات في العجز بالموازنة الأساسية ابتداء من العام المقبل. وقال إن اليونان تريد إتمام اتفاق بشأن الحزمة الثانية للدعم المالي بحلول نهاية العام. وقال باباندريو أيضا إن اليونان ربما تتمكن من العودة إلى سوق السندات قبل 2021 وهو العام الذي توقعه صندوق النقد الدولي. وأضاف قائلا «إذا أمكننا تنفيذ إصلاحات سريعة فإنها (العودة إلى الأسواق) لن تستغرق 10 سنوات بل ستكون أسرع كثيرا». وفي تقرير عن قدرة اليونان على الوفاء بديونها، قال صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا الشهر إن البلاد ربما ستنتظر عشر سنوات قبل أن يكون بمقدورها بيع سندات إلى مستثمري القطاع.