خبير مصرفي لـ الشرق الاوسط : حل مشكلة البطالة يتطلب تحمل القطاع الخاص مسؤولياته

تركي الحقيل أكد ضرورة التوجه لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة

توفير عدد كاف من الوظائف في السعودية هو التحدي الأبرز لأكبر اقتصاد في المنطقة العربية («الشرق الأوسط»)
TT

أرجع خبير اقتصادي أسباب البطالة التي تعاني منها السعودية، وتعمل الحكومة في الفترة الراهنة على الحد من نسبها العالية نسبيا، إلى اعتماد الاقتصاد السعودي بشكل أساسي على النفط والغاز، حيث إن القطاع مع الصناعات التي تقوم عليه لا يستطيع استيعاب أكثر من 3 في المائة من الأيدي العاملة ورغم أنه يشكل نسبة تصل إلى 88 في المائة من الإيرادات الحكومية، فإن قدراته لاستيعاب مزيد من الأيدي العاملة محدودة جدا.

وقال تركي الحقيل الخبير المصرفي إن سبب البطالة هو نسبة الوظائف المتدنية التي يمكن للقطاع النفطي أن يوفرها، وهي نسب لا تتوازى مع الدخل العام أو الناتج المحلي، وأضاف أن القطاع النفطي قطاع متطور ينتج منتجات ذات قيمة مضاعفة عالية جدا بعمالة أقل، وهو ما يشير إلى أن بنية الاقتصاد السعودي لن تنتج المزيد من الوظائف لحل مشكلة البطالة.

وزاد: يبدو واضحا من الأرقام أن إنتاج النفط والغاز في السعودية لن يوفر وظائف كافية، حيث إن مساهمة القطاع النفطي انخفضت إلى نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في الأربعين سنة الماضية، وقطاع السياحة والسياحة الدينية القطاع الوحيد الذي يملك مقومات نمو عالية بعد قطاع النفط والغاز.

وتوقع الخبير المصرفي أن يكون تحدي توفير عدد كاف من الوظائف في السعودية هو التحدي الأبرز لأكبر اقتصاد نفطي إضافة إلى قدرة الدولة على تنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط. ويعتقد أن المبادرات والاستراتيجيات القائمة على تنويع مصادر الدخل تعتمد على ثلاث ركائز أولها التكامل الرأسمالي من خلال التركيز على توسعة القطاعات الصناعية التحويلية بإضافة منتجات ذات قيمة مضاعفة، وثانيا التكامل الأفقي الذي يدعم تأسيس مقدمي خدمة محليين لتوفير الطاقة والدعم اللوجستي والخدمات وثالثا الاعتماد على مصادر الدخل بعيدا عن النفط من خلال التركيز على السياحة الدينية والداخلية وهي الوحيدة من بين القطاعات التي قد تنافس بها السعودية وتحقيق معدلات نمو كبيرة.

فعلى صعيد تنويع الدخل الحكومي الذي يكاد أن يكون الأهم لهذا الاقتصاد العملاق الذي يعتمد كثيرا على النفط، يرى الحقيل أن الحكومة السعودية أنجزت شوطا منه، ففي السبعينات من القرن الماضي، كان النفط يشكل نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ومنذ ذلك الوقت والسعودية تعمل على تنويع مصادرها من الدخل حتى انخفضت مساهمة النفط في الناتج الإجمالي المحلي في وقتنا الحالي إلى 40 في المائة.

ويلفت إلى حقيقة مهمة وهي أن هذه الإحصائيات لا تعني أن الحكومة تمكنت من تحقيق تحول اقتصادي كبير في الأربعين سنة الماضية، كما لا تعني هذه النسب أن الحكومة تحررت من الاعتماد على النفط، بل يجب استكمال تنويع الدخل أما بالنسبة لإيرادات العامة للدولة فيظل النفط يشكل نحو 88 في المائة من هذه الإيرادات.

وقال «هناك أربعة عوامل رئيسية يجب توفيرها مع تحسين مناخ الاستثمار في السعودية، لكي تنجح الخطط الحكومية لخلق مزيد من الفرص الوظيفية لامتصاص البطالة، أولها خلق مناخ استثماري جاذب للغاية للشركات والحفاظ عليه، والعامل الثاني هو تسريع الإصلاحات في مجالي التعليم العام والتعليم التقني والمهني، والعامل الثالث يتطلب توفير هيكل للحوافز لمكافأة النشاطات المنتجة، والعامل الرابع هو الاندماج بصورة أكبر في الأسواق الإقليمية والعالمية».

في جانب التعليم يرى الحقيل أن تواصل الحكومة دورها في تقديم الأشخاص المؤهلين من خلال التعليم العام والعالي والمهني والحقائق، إلا أنه لفت إلى ضرورة التركيز على النوعية وليس على الكم ودعم التخصصات الفنية والمهنية على حساب التخصصات النظرية في الجامعات السعودية.

وقال «الأرقام في تخصص الهندسة وحدها مفجع، ففي السعودية ما يقارب من 175 ألف مهندس يعملون في مختلف القطاعات ويشكل السعوديون 10 في المائة أي 17.500 مهندس فقط وهذا الأمر يجب أن يتغير في السنوات المقبلة»، وتابع: إن الخطط الحكومية أصبحت أكثر حكمة في تجنب إغراق القطاع العام بالمزيد من الشباب السعودي على مر السنوات القليلة الماضية، ولو تمت زيادة مرتبات السعوديين في القطاع الخاص سيكون حافزا لكي يشغل السعوديون الوظائف التي يشغلها الأجانب حاليا.

يقول الحقيل إن العامل الاقتصادي المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، ونقص التعليم والتدريب السبب الهيكلي للبطالة، ولن يكون الحل عبر توفير المزيد من الوظائف، بطريقة أخرى وهي زيادة المرتبات في القطاع الخاص للسعوديين إلى مستوى يحفز الشاب السعودي على الالتحاق به، وتمويل هذا التوجه من القطاع الخاص نفسه عبر تقليص هامش الربحية لمؤسسات وشركات القطاع الخاص، ولا يجب أن تقوم الحكومة بتمويل هذا التوجه مطلقا الآن، مشددا على أن الحكومة قامت بدورها في هذا الجانب على مدى أكثر من 70 عاما واستحدثت أكثر من 100 ألف وظيفة هذا العام فقط.

وتابع الخبير المصرفي تحليله بأن القطاع الخاص يجب أن يكون الموظف الرئيسي للسعوديين وحلول البطالة تتطلب جهدا كبيرا نظرا لأن القطاع النفطي لا يوفر وظائف سوى 3 في المائة من القوى العاملة الوطنية والحكومة لا تستطيع أن توفر المزيد من الوظائف للشباب السعودي لأن القطاع الخاص يجب أن يتحمل جزءا من فاتورة الدولة حتى وإن تسبب هذا في تقليل هامش الربح لدى الشركات.

ويرى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي المحرك المهم لتوفير الوظائف في عديد من الاقتصادات العالمية، لذلك يجب أن يتنبه له المشرعون الاقتصاديون السعوديون، فعلى السعودية إذا أرادت أن تمضي بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن تتبنى فكرة تمويل ودعم الشركات المتوسطة والصغيرة، ويضيف: في الفترة الراهنة لا يحظى هذا النوع من الشركات بالدعم الكافي فحجم الإقراض البنكي والمصرفي لها ضئيل جدا، كذلك من أوجه الدعم الحكومي لهذه الشركات أن تزيد الحكومة تعاقدها معها بشكل تدريجي وبمرور الوقت يصبح لديها العديد من المقاولين الذين أتوا من الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وشدد على أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل نحو 99.2 في المائة في منطقة اليورو من إجمالي منشآت الأعمال وأكثر من 62.7 في المائة من قيمة مضافة للاقتصاد المحلي، ونحو 71 في المائة من التوظيف، مشيرا إلى أن هذا المستوى من المشاركة الاقتصادية للشركات المتوسطة والصغيرة ليس مقتصرا على منطقة اليورو، بل في كل الاقتصادات المتقدمة.

وبين أن التوجه لدعم إنشاء الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة، والتوسع في نشاطاتها، يمكن أن يكون الحل المثالي لمشكلة البطالة في السعودية بما في ذلك المناطق النائية الأقل حظا في التنمية، كما أنها ستوفر مجالا خصبا للتدريب والتطوير مما يساعد في سرعة دوران الأموال الاستثمارية صغيرة الحجم.

ويشير الخبير المصرفي إلى أن هناك حاجة لتوجيه كافة النظام الاقتصادي السعودي نحو تقديم المزيد من الدعم لهذه المنشآت كما يجب أن يكون هناك تعريف وتثقيف لمثل هذه المنشآت من مرحلة الثانوية وكيفية إنشاء شركات تجارية صغيرة ويجب العمل على إنشاء هيئة حكومية عليا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة كما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا واليابان وألمانيا لتقوم بتقديم الخدمات التوعوية اللازمة للأشخاص الراغبين في فتح شركات تجارية صغيرة.