هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الانتعاش؟

نما بمعدل 2.5% في الربع الثالث

الرئيس الأميركي باراك أوباما في جولة بكاليفورنيا لدعم برنامج الوظائف (أ.ف.ب)
TT

سجل الاقتصاد الأميركي أقوى أداء له خلال هذا العام، بعدما تجاهل المستهلكون والشركات المخاوف من حدوث ركود اقتصادي جديد، وفقا لبيانات حكومية تم الإعلان عنها يوم الخميس الماضي، وهو ما أدى إلى انتعاش سوق الأسهم ووصوله لأفضل مستوياته منذ شهر أغسطس (آب) الماضي.

وسادت حالة من السعادة والتفاؤل أوساط المستثمرين نتيجة ورود أنباء بتوصل القادة الأوروبيين إلى اتفاق بشأن كيفية معالجة أزمة الديون الأوروبية، في الوقت الذي ارتفع فيه مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 3.4 في المائة. وسجلت المؤشرات الأوروبية ارتفاعا جماعيا، حيث ارتفع مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 5.3 في المائة.

ولم يكن نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.5 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي كافيا لخفض نسبة البطالة بمعدل سريع. وقد أدى التوصل إلى اتفاق بشأن أزمة الديون إلى حالة من الارتياح على جانبي المحيط الأطلسي، لأن ذلك خلق شعورا بأن العالم لم يعد يتهاوى بعد الآن.

وقال جيري ويبمان، وهو كبير الاقتصاديين في مؤسسة صناديق «أوبنهايمر» المالية «أخبرنا الأوروبيون أنهم يفعلون ما بوسعهم لإنهاء الشعور بالخوف من انهيار مالي فوري. وتشير أرقام الناتج المحلي الإجمالي إلى أن الاقتصاد الأميركي لم ينهر خلال الربع الثالث. لقد ساعدنا ذلك على تنفس الصعداء».

وسوف يوافق أصحاب الديون اليونانية على تخفيض قيمة الديون المستحقة بنسبة 50 في المائة، وهو ما سيؤدي إلى تخفيف عبء الديون على اليونان؛ وستتلقى المصارف رؤوس أموال جديدة، وسيتم توسيع صندوق دعم الحكومات الأوروبية بمقدار أربعة أضعاف لكي يصل رأس ماله إلى 1.4 تريليون دولار. وحذر محللون من أن تنفيذ تلك الخطة سوف يتطلب عملا أكثر صعوبة من قبل الحكومات الأوروبية خلال الأشهر المقبلة.

وخلال فصل الصيف، ساعدت حالة عدم اليقين المحيطة بمستقبل أوروبا، بالإضافة إلى مشكلة الدين الأميركي، على وجود فترة من عدم الثقة في الأسواق المالية العالمية، لكن الوضع قد تغير الآن، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي يبلغ 2.5 في المائة خلال الربع الثالث من العام (الفترة بين شهري يوليو/ تموز، وسبتمبر/ أيلول) مقارنة بـ1.3 في المائة خلال الربع الثاني، و0.9 في المائة خلال النصف الأول من عام 2011، وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الأميركية.

ومع ذلك، لم يكن الناتج المحلي الإجمالي قويا بما فيه الكفاية لخفض معدل البطالة بشكل كبير مع مرور الوقت. ولم تكن نسبة النمو كافية لإعادة نحو 14 مليون عاطل أميركي إلى العمل. وهناك علامة أخرى على أن الاقتصاد لا يتجه إلى الركود، حيث انخفض عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على استحقاقات التأمين ضد البطالة خلال الأسبوع الماضي إلى 402.000 مقابل 404.000 خلال الأسبوع السابق له.

وقد ارتفع النمو الاقتصادي خلال الربع الثالث نتيجة انتعاش في بعض المجالات، حيث تمت إعادة افتتاح سلاسل توريد السيارات التي كانت قد تعطلت بسبب الزلزال الذي ضرب اليابان خلال فصل الربيع، كما انخفضت أسعار النفط إلى مستويات متوسطة بعدما وصلت لمستويات قياسية في وقت مبكر من العام الحالي.

وبصفة عامة، فإن تفاصيل التقرير الجديد بشأن الناتج المحلي الإجمالي جاءت أفضل من المتوقع، حيث ارتفع إنفاق المستهلكين الأميركيين بمعدل سنوي يبلغ 2.4 في المائة، وهو معدل أفضل من المعدل الذي توقعه المحللون، مما يوحي بأن الأميركيين استمروا في الذهاب إلى المتاجر، على الرغم من اهتزاز ثقتهم في السوق.

ومع ذلك، من الممكن أن تؤثر سوق العمل المتعثرة ومعدلات الدخل التي تشهد حالة من الركود على الإنفاق الاستهلاكي خلال الأشهر المقبلة. ويتوقع عدد قليل من المحللين أن تقوم الأسر بدفع عجلة النمو في وقت قريب.

وقال نايغل غولت، وهو اقتصادي أميركي بارز في مؤسسة «إن إتش إس غلوبال إنسايت»، في تقرير له «لقد ارتفع الإنفاق الاستهلاكي نتيجة تراجع معدل الادخار، وليس بسبب نمو الدخل. وفي ظل النمو الضعيف للعمالة واستمرار ارتفاع مستويات الديون والمعنويات السلبية للمستهلكين وتدهور قطاع الإسكان، لا يمكننا أن نتوقع أن يشكل المستهلكون دافعا قويا للانتعاش الاقتصادي».

وكان الاستثمار التجاري يمثل مصدرا للقوة خلال الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بما كان عليه خلال العامين الماضيين، حيث ارتفع الإنفاق على المعدات والبرمجيات بنسبة 17.4 في المائة، في حين ارتفع الإنفاق على المنشآت مثل المباني الإدارية والمصانع بمعدل 13.3 في المائة.

وسيظل هناك تساؤل في المستقبل حول ما إذا كانت بداية موجة جديدة من التقلبات وحالة عدم اليقين في الأسواق المالية ستجعل الشركات أكثر حذرا في خططها لإنفاق الأموال خلال الأشهر الأخيرة من العام. ويذكر أن هذه الشركات كانت في حالة توسع، على الأقل في أواخر فصل الصيف.

وعلى النقيض من ذلك، خفضت المخزونات التجارية 1.1 في المائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الحالي، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا في المستقبل. ولا يمكن للشركات أن تقوم بتخفيض مخزوناتها إلى أجل غير مسمى، وربما تجد حاجة إلى إعادة بنائها، وهو ما يعني أن المخزونات الأقل لا ينبغي أن تكون مصدرا مستمرا للضعف. وقد ارتفعت المبيعات النهائية، والتي تستبعد المخزونات وينظر إليها الاقتصاديون على أنها مقياس للقوة الكامنة، بمعدل 3.6 في المائة سنويا، وهو ما يشير إلى وجود بعض المرونة في الاقتصاد وقدرته على استعادة نشاطه.

وقد كان للتجارة أيضا دور في ذلك النمو، حيث ارتفعت الصادرات بمعدل سنوي بلغ 4 في المائة، في حين ارتفعت الواردات بوتيرة أبطأ بمعدل 1.9 في المائة. وعلى الجانب الآخر، أدت التخفيضات الحادة في الميزانية من قبل البلديات في جميع أنحاء البلاد إلى انخفاض الإنفاق الحكومي والمحلي بمعدل سنوي يبلغ 1.3 في المائة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»