خسائر بنوك أوروبا من اتفاقية «إنقاذ اليورو» تقدر بنحو 377 مليار دولار

الخزانة البريطانية لـ «الشرق الأوسط» : بنوك بريطانيا الرئيسية ليست بحاجة إلى زيادة رأس المال

TT

قدرت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» أن تخسر البنوك الأوروبية من اتفاقية إعفاء الديون الطوعية التي أقرتها منطقة اليورو في اتفاقية «إنقاذ اليورو» بنحو 377 مليار دولار؛ منها 230 مليار دولار، على الأقل، من شطب الديون اليونانية. وطالبت الاتفاقية البنوك بإعفاء اليونان من 50 في المائة من ديونها. وتبلغ ديون اليونان نحو 460 مليار دولار. وقال أندرو غازيتو، رئيس مصرف «بنك أوف أميركا - ميريل لينش» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، لـ«الشرق الأوسط»، إن البنوك اليونانية ستكون أكبر المتضررين من عملية الإعفاء، لأنها تحمل الجزء الأكبر من سندات الدين اليونانية. وإضافة إلى خسائر سندات الدين اليونانية طالبت الاتفاقية البنوك الأوروبية برفع كفاية رساميلها من 5 إلى 9 في المائة. وستحتاج البنوك الأوروبية إلى مصادر تمويل جديدة قدرت قيمتها بنحو 106 مليارات يورو (نحو 147 مليار دولار). وستضطر معظم البنوك إلى الحصول على التمويل من مصادرها الخاصة، حسب قول الخبير المصرفي البريطاني لويد شولتز الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن المصارف الأوروبية ستحتاج إلى إيجاد رساميل إضافية من المساهمين أو مصادر أخرى قبل اللجوء إلى حكوماتها. وسيكون صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الملاذ الأخير لهذه المصارف. ولكن المصارف البريطانية ستفلت من ورطة زيادة الرساميل في هذه الظروف الاقتصادية الراكدة وتردد المستثمرين في وضع أموال في مصارف اليورو أو حتى شركات أوروبا. وقال متحدث باسم الخزانة البريطانية لـ«الشرق الأوسط» إن سلطة البنوك الأوروبية أشارت إلى أن البنوك البريطانية الرئيسية ليست بحاجة إلى ضخ رساميل جديدة، حيث إن جميعها تتمتع بكفاية رأسمال تفوق نسبة الـ9 في المائة المطلوبة.

ويأمل الاتحاد الأوروبي عبر هذه الاتفاقية إلى تقوية البنوك الأوروبية وزيادة قدرتها على تحمل الصدمات والوفاء بالتزاماتها ورفع كفايتها الرأسمالية إلى المعدل الذي تطالب به اتفاقية «بازل» الثالثة. كما تهدف الاتفاقية كذلك إلى كسب ثقة الأسواق والمستثمرين في المصارف الأوروبية التي تعرض العديد منها إلى خفض تصنيفه الائتماني خلال الشهور الماضية. وكانت مصادر أميركية قد قدرت حاجة البنوك الأوروبية إلى تمويلات بنحو 778 مليار دولار. وكانت البنوك التجارية الأوروبية قد تعرضت إلى أزمة سيولة حادة اضطرت المركزي الأوروبي إلى التنسيق مع 5 مصارف مركزية عالمية لتوفير السيولة الدولارية التي يحتاجها لتمويل العمليات التجارية. ومن بين البنوك التي وفرت السيولة «بنك إنجلترا» و«بنك الاحتياط الفيدرالي».

إلى ذلك، قال خبراء مال، أمس، إن اتفاقية حل أزمة اليورو التي أقرت أول من أمس، الخميس، وتناولت 3 محاور رئيسية لمعالجة الأزمة، ورغم أنها اتفاقية متميزة، فإن حل جذور أزمة منطقة اليورو، يجب أن يتناول القصور في اتفاقية الاتحاد النقدي الأوروبي التي أنشئت على أساسها «منطقة اليورو». وقال لويد شولتز لـ«الشرق الأوسط» إن حل أزمة منطقة اليورو على المدى الطويل يتطلب إجراء تعديلات على الاتفاقية تسمح باندماج أكبر، ولكنه أشار إلى أن تعديل الاتفاقية سيتطلب وقتا أطول ومفاوضات معقدة وشاقة.

وقال مصرفيون، أمس، إن زيادة رأسمال صندوق الاستقرار المالي الأوروبي من 440 إلى تريليون يورو يعد اتفاقا مهما، رغم أنه غير كاف؛ إذ كان يمكن أن يرفع رأسمال الصندوق إلى أكثر من ذلك. وأشاروا في هذا الصدد إلى أن صندوق الاستقرار المالي سيسهم بدرجة رئيسية في توفير التمويل المستقبلي بسعر فائدة معتدلة على سندات الدين التي ستطرحها دول اليورو الضعيفة ماليا، مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا واليونان. وقالوا إن ذلك سيحدث رغم أن المصرف المركزي الأوروبي سيواصل عمليات التدخل وشراء السندات من السوق. ويلاحظ أن أسعار الفائدة على سندات هذه الدول أصبحت مرتفعة جدا، كما أن تكاليف تأمينها أصبحت غالية. وبالتالي فإن أعباء خدمتها تضاعف من أزمات هذه الدول ماليا وتعيق مستقبل عودتها للنمو. وبزيادة رأسمال الصندوق فإن الفائدة على سندات هذه الدول ستنخفض.

وحتى الآن يسهم البنك المركزي الأوروبي في تخفيف وطأة التمويل الإنفاقي لبعض دول منطقة اليورو عبر شراء سنداتها بسعر فائدة منخفض، ولكن عمليات شراء السندات هذه تمثل جزءا ضئيلا من احتياجات التمويل الكلية لهذه الدول، التي تضطرها إلى طرح مزادات لسندات التمويل في السوق المفتوحة التي تتكون من البنوك وصناديق الاستثمار. ويلاحظ أن المشترين من القطاع الخاص يطالبون بسعر فائدة مرتفع مرة تلو الأخرى تماشيا مع ارتفاع نسبة المخاطر. بناء على ذلك طالب بروفسور اقتصاد في جامعة هارفارد، عمل في السابق كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي في برنامج «هارد توك» في «بي بي سي»، برفع مالية صندوق الاستقرار الأوروبي إلى 4 تريليونات دولار. حتى تتمكن منطقة اليورو من التعاطي مع احتياجات رسملة البنوك واحتياجات خدمة الديون الحالية وتمويل النفقات المستقبلية لدول المنطقة الضعيفة.

ويطالب اقتصاديون في هذا الصدد بتحويل الاتحاد النقدي الأوروبي إلى «اتحاد نقدي مثالي» مثلما هو الحال في الولايات المتحدة. حيث تكون لمنطقة اليورو المكونة من 17 عضوا وزارة مالية واحدة وبنك مركزي واحد وسندات تمويل موحدة تصدر من وزارة المالية الموحدة. وهذا الحل ينادي به البروفسور الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز. وهو حل يقود أوروبا في النهاية إلى دولة واحدة وليست عدة دول تحكم مركزيا من بروكسل، مثلما هو الحال في واشنطن (اتحاد لولايات أميركية تحكم من واشنطن) تحت حكم فيدرالي. وهو ما يطلق عليه في علم الاقتصاد «الاتحاد النقدي المثالي». ويرى اقتصاديون في هذا الصدد أن الاتحاد النقدي الأوروبي يعاني من 3 اختلالات وهي: أولا: هناك تفاوت في التنافسية الاقتصادية بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة داخل منطقة اليورو. وثانيا: سياسة البنك المركزي الأوروبي من حيث سعر الفائدة والكتلة النقدية تخدم الاقتصادات الغنية لا الفقيرة، فاليورو القوي يخدم ألمانيا أكثر من اليونان، كما أن سعر الفائدة المرتفع يعمل ضد إنعاش اقتصادات الدول المثقلة بالديون. أما الاختلال الثالث، فهو أن الدول تحدد حجم إنفاقها والتمويل بنفسها، كل على حدة، دون أن تحدد المفوضية في بروكسل ذلك. وبالتالي وقعت بعض الدول في فخ الإفراط في الاستدانة قبيل الأزمة المالية مما أدى إلى أزمة الديون والإشراف على الإفلاسات الراهنة في بعض دول اليورو. وبالتالي يدعو جوزيف ستيغلتز إلى إنشاء كتلة نقدية واحدة بوزير مالية واحد وبنك مركزي واحد يشرف على إصدار السندات الأوروبية وعمليات الإنفاق والميزانيات.

ويلاحظ أن ترك الدول تحدد ميزانيات إنفاقها، رغم الحدود والمعايير الخاصة بالعجز والدين العام الذي حددته الاتفاقية النقدية الأوروبية، أدى إلى أزمة اليورو الحالية. كما يلاحظ أيضا أن المواطن في ألمانيا مثلا يرفض أن يتحمل أخطاء مواطن آخر في اليونان ويسدد فواتير ديونه في ظل تعدد حكومات منطقة اليورو. من هذا المنطلق تتشعب عملية حل أزمة ديون اليورو رغم الجهود التي يبذلها قادة اليورو والضغوط التي تتكثف من أميركا والمؤسسات الدولية بضرورة حلها. فالحل يحتاج إلى تغييرات في السياسة والحوكمة والمال والنقد.

أما العقبة الأخرى التي تقف أمام نجاح اتفاقية أزمة ديون اليورو، فهي مسألة نجاح برامج التقشف في اليونان والبرتغال وآيرلندا وإيطاليا وإسبانيا. ففي اليونان يرى اقتصاديون أن فرص نجاح برنامج التقشف الذي ستطبقه اليونان لمدة 3 سنوات ضئيلة، لأسباب عدة؛ أهمها أن تنافسية اليونان ضعيفة مقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، كما أنها لا تستطيع رفع معدل التنافسية وزيادة الصادرات بسبب عضويتها في منطقة اليورو، ولا تستطيع اليونان التحكم في سعر اليورو، أي تخفيض قيمته لزيادة تنافسية صادراتها مثل الدول التي مرت بظروف مشابهة وخفضت قيمة عملاتها ورفعت حجم صادراتها، كما حدث في تركيا في التسعينات، أو المكسيك والأرجنتين ودول جنوب شرقي آسيا. لقد كانت تملك هذه الدول عملاتها الخاصة وبالتالي أجرت تخفيضات هائلة عليها أسهمت مباشرة في رفع حجم الصادرات والسياحة وتمكنت بعد سنوات قليلة من النمو والخروج من بين براثن الإفلاس. ولهذا السبب عوم الملياردير سورس في حوار بالعاصمة النمساوية، فيينا، بشأن الخروج من أزمة اليورو، فكرة خروج اليونان مؤقتا من اتفاقية اليورو والعودة لعملتها الوطنية (الدراخما)، إلى حين أن تعود للنمو وحل مشاكلها المالية ثم تعود مرة أخرى إلى عضوية اليورو.